أية حكومة نريد
د. ماجد الخواجا …
قدم الشعب الأردني مشهداً واعياً ناضجاً لشعبٍ كريم عزيز النفس منذ عام 2011 ولغاية الآن، لكنه وصل إلى مرحلة من انسداد الآفاق والأبواب وفقدان الأمل بأن القادم أفضل.
لم يبق من بابٍ للمواطن إلا وولجته أصابع الحكومة بضريبة أو رسوم، فاجتمعت الرغبات الشعبية التي توحدت جرّاء الممارسات الرسمية المبهمة وغير واضحة الغايات والنهايات، وأن المطلوب ما زال بعيداً وعلى الشعب انتظار سنوات عصيبة عجاف، ولم يطمئن الشعب لأية تصريحات حكومية كان يتلوها الإمعان في الزيادات وحجب الإعفاءات التي مست جميع الشرائح. ومع فقدان الأمل بإمكانية اتخاذ مجلس النواب أي موقف معارض للسياسات الضريبية للحكومة، فقد وجد الشعب نفسه في مواجهة كل هذا التعسف والجباية، فخرج إلى الشوارع صارخاً ومردداً جملة واحدة ( معناش).
والتقت لأول مرةٍ مصالح كافة شرائح المجتمع المستهدفة بممارسات الحكومة، فدخلت النقابات بما تبقى لها من ثقل نخبوي على الحراك، لكنها لم تستطع مواكبة المطالب الشعبية والشبابية حيث اقتصر مطلبها على تعديل قانون ضريبة الدخل ونظام الخدمة المدنية. كما أن الأحزاب بالرغم من تواضع إمكاناتها للحشد وللقبول من الشارع الشعبوي، إلا أنها بجميع أطيافها نزلت مع المحتجين حفاظاً على بعض رصيدها الشعبي.
لكن لم يقم مجلس النواب المفترض أنه ممثل الشعب بأية أدوار إيجابية مباشرة تظهر دعمه وتبنيه للمطالب الشعبية، إلا بشكل فردي لحالات من النواب الوطنيين الذين لديهم مواقف واتجاهات سياسية معروفة وملتزمين بقضايا الوطن والمواطنين،
هذا جعل المجلس في الطرف الآخر من المعادلة. طيلة فترة دورته النيابية.
كان المطلوب من الدكتور الرزاز لغايات تلاقي الأهداف مع ما خرج من أجله المواطنين ما يأتي:
ضرورة إشراك الشباب بشكل جدي وفاعل في التشكيل الحكومي. وهنا لا نتحدث عن بعض المتسيدين للمشهد الشبابي الذين اختطفوا بعض الهيئات الشبابية لكنهم لم يقدموا للشباب أية مساهمات داعمة ومؤثرة.
ضرورة الابتعاد عن أسماء عملت وتعمل على تأزيم الموقف الحكومي.
الابتعاد قدر الإمكان عن إعادة الوزراء السابقين للحكومة.
مشاورة الحراكات الشعبية وخاصة شباب الاعتصامات على الدوار الرابع والاستماع إليهم والعمل على إشراك بعضهم في اللجان واتخاذ القرارات الوطنية.
عدم الاكتفاء بالسيرة الذاتية المهنية لأي مرشح للوزارة ، بل تحري العناية بالسيرة الأخلاقية لكل مرشح. -ضرورة وجود فاعل للمرأة الكفؤة في التشكيلة الحكومية.
إعادة النظر في كثير من القرارات الحكومية السابقة من اجل استعادة ثقة المواطنين في الممارسات الرسمية.
تحرّي إعادة تطوير آلة الإعلام الرسمي وتحريره من قيوده البالية التي ساهمت في زيادة الفحوة وعدم الثقة بأية تصريحات حكومية.
العمل على أن يكون وزراء بعض الوزارات ذات التأثير الشعبي المباشر من أشخاص لهم دراية في الروح الشعبية قبل اتخاذ أي قرار.
البحث عن وزير خارجية يستطيع أن يقدم مشهداً مهنياً ووطنياً راقياً للسياسة الأردنية الخارجية.
إعادة النظر في الكثير من الخطط والاستراتيجيات التي تم رسمها لغايات تخدم القائمين عليها وفي المقدمة منها سياسات التعليم العالي والتعليم والتدريب والتشغيل.
الاستماع لوجهات نظر القطاعات المتضررة من القرارات الحكومية ومنها قطاع التجارة والصناعة.
العمل وبجدية على محاسبة أي فساد كبر أم صغر المقترفين له، خاصة وأن دولة الرزاز لدية المعلومة الدقيقة فيما يتعلق بتقييم التخاصية في الأردن.
للحقيقة فإن الدكتور الرزاز لم يلب أي مطلب من المطالب الواردة أعلاه ، فهو أعاد للحكومة معظم وزراء حكومة الملقي، بل أجرى أربعة تعديلات لم يستطع تبريرها وتبرير الشخوص الخارجين أو الداخلين من المعدلين.
وهو أيضا لم يبتعد عن أسماء الوزراء ممن كانوا سببا للتأزيم والاحتقان الشعبي، بل إنه أضاف لطاقمه أسماء جديدة عملت على إحراج حكومته في كثير من ملفاتها وخاصة ملفات التعليم والتشغيل وإدارة أزمة الكورونا وغيرها.
وهو لم يشرك الحراكات الشعبية في أية ملفات وطنية ولم يهتم كثيرا بالشباب الذين يعتبرون وقود وطاقة الحراك الشعبي المحتقن. كذلك لم يعمل على تطووير الإعلام الرسمي ورفع سقف الحريات، بل إنه في حكومته رمبا كانت أعداد القضايا التي مثل فيها الإعلاميون أمام المدعي العام غير مسبوقة في ظل سيادة قانون الجرائم الالكترونية الذي أصبح سيفا مسلطا أمام حرية الكلمة.
إننا ونحن بحاجة لكل الكفاءات البشرية، إلا أن الأهم هو حاجتنا للكفاءات الأخلاقية والإنسانية. نحن لدينا أزمة أخلاق بالدرجة الأولى، والوزير أو المدير الأخلاقي يقدم على الوزير أو المدير المهني غير الأخلاقي.
أي حكومة نريد : في الواقع لا نبحث عن ملائكة تحكم على الأرض، لكن نبحث عن بشر يقبلون العمل بصمت وبحب ويرضون بالنقد بل وأحيانا الصراخ في وجههم بكل طيبة قلب. نريد مسؤولين يعلنون عن ذمتهم المالية ويشهرونها أمام الجميع قبل وبعد الوزارة. نريد مسؤولين من إحدى الفئتين: إما أن يكون حزبيا سياسيا يقدم صورة ووجهة نظر سياسية مبنية على نظريات وأرضيات ومنهجيات، أو أن يكون فنيا تكنوقراط بالمعنى الكامل للكلمة ، بمعنى أن يكون الفني الأول في الوزارة. فالوزير إما أن يكون السياسي الأول في وزارته أو الفني الأول فيها. نريد أن نطمئن أن اختيار الوزير جاء بناء على أسس ومعايير واضحة ومعلنة وشفافة أمام الجميع وأنه ثد تم اختياره بسبب حصوله على اكبر عدد من النقاط التنافسية مع الآخرين. نريد العودة لإحياء الفكرة التي بدأت في حكومة النسور وباركها جلالة الملك بالشروع بالحكومات البرلمانية، شريطة أن يتم العمل على تغيير منظومة الانتخابات كلها لتصبح على أسس حزبية تامة.
هذه قراءة ومحاولة لبيان بعض الأمنيات الوطنية من أجل بناء جديد في كل شيء،
بناء يقوم بالأساس على المكاشفة والمصارحة والوعي والشعور بحاجات وآمال المواطنين.
بناء يتشارك فيه الجميع، بناء يعلي من الثقة بين كافة الأطراف،
بناء لأردن يستحق منا كل عزيمة صادقة.