الأسباب الرسمية والحسابات غير العلنية في تأجيل الانتخابات الفلسطينية

وديع عواودة ……

 

كما كان متوقعا في الأسابيع الأخيرة قرّر الرئيس محمود عباس تأجيل موعد الانتخابات الفلسطينية معللا ذلك رسميا بمنع الاحتلال مشاركة المقدسيين فيها مما أثار موجة احتجاجات في أوساط فلسطينية وفيما أيّد البعض هذه الخطوة، شكك آخرون بالدوافع المعلنة. وتزامن إرجاء الانتخابات بالإشارة لضرورة مشاركة القدس فيها، مع هبة شبابية تبرز فيها مشاركة شباب تحدوا الاحتلال ونجحوا بإرباكه في الأسبوعين الأخيرين عدة مرات وفرضوا إرادتهم بالتمسك في مدرجات باب العمود، ولذا هناك من يقول إن ذلك سبب وجيه للمضي في الانتخابات وبالذات في القدس. ووفق مرسوم رئاسي سابق، كان من المقرر أن تجرى الانتخابات الفلسطينية على ثلاث مراحل خلال العام الجاري: انتخابات تشريعية في 22 أيار/مايو، ورئاسية في 31 تموز/ يوليو، وانتخابات المجلس الوطني في 31 آب/ أغسطس. وجاء في بيان رسمي نشرته وكالة «وفا» الجمعة أن القيادة الفلسطينية والفصائل وشخصيات وطنية، قررّت بأغلبية كبيرة، تأجيل موعد الانتخابات لحين ضمان مشاركة أهلنا بالقدس، وذلك عقب اجتماع عقدته ليلة الخميس، في مقر الرئاسة في مدينة رام الله، برئاسة الرئيس. وقال الرئيس، في البيان الختامي الصادر عن الاجتماع إن القيادة الفلسطينية تدارست الموقف بشأن الانتخابات الفلسطينية التشريعية، التي تم الالتزام بعقدها في جميع أراضي دولة فلسطين، وفي المقدمة منها مدينة القدس الشرقية، عاصمة دولة فلسطين. وأضاف: «أكدنا أن إجراء الانتخابات يجب أن يشمل كل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس، ترشيحاً وتصويتاً ودعاية انتخابية». منوها لبذل «جهود كبيرةً مع المجتمع الدولي من أجل إلزام دولة الاحتلال بعقدها في القدس، ولكن هذه المساعي قوبلت بالرفض حتى الآن، وأمام هذا الوضع الصعب، قررنا تأجيل موعد إجراء الانتخابات التشريعية لحين ضمان مشاركة القدس وأهلها في هذه الانتخابات فلا تنازل عن القدس ولا تنازل عن حق شعبنا في القدس في ممارسة حقه الديمقراطي». وطالب الرئيس، في البيان الختامي، المجتمع الدولي بالاستمرار في الضغط على إسرائيل لوقف ممارستها العدوانية وكف يدها عن حقوقنا الوطنية المشروعة ووضع حدٍ لتنصل إسرائيل من التزاماتها بالاتفاقات الموقعة بما فيها حق أهلنا في القدس بالمشاركة في الانتخابات. وأكد مواصلة العمل على تعزيز الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة ومواصلة المقاومة الشعبية السلمية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بالقرارات الدولية، وكذلك العمل على تعزيز منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، وتعزيز علاقاتنا العربية والدولية. ووجه الرئيس التحية لأبناء شعبنا الفلسطيني في كل مكان، ولأبناء شعبنا الأبطال المرابطين في القدس على صمودهم وثباتهم وتحديهم لغطرسة الاحتلال وقوانينه وممارساته العنصرية وعصابات مستوطنيه الإرهابية. واختتم قائلا: «إنها القدس أساس وجودنا ودُرة تاجنا التي لأجلها سقط آلاف الشهداء والجرحى والأسرى والتي لن نتنازل عن ذرة ترابٍ من ترابها الطاهر». وقبل ذلك استذكر عباس أنه سبق وأعلن عن الفكرة في الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2019 «حين أعلنا رغبتنا وبصراحة في عقد انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني» وكشف عن فشل الجانبين الأمريكي والأوروبي بثني إسرائيل عن معارضة الانتخابات في القدس المحتلة. كما كشف أنه حين اقترح إرسال رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر إلى القدس قال الإسرائيليون أرسلوا معه محامٍ لكي يدافع عنه عند اعتقاله وأن حكومة الاحتلال قد تذرعت في جوابها بالقول «لا نملك حكومة بعد». وخلص أبو مازن للقول «لو أعلنت إسرائيل بعد أسبوع عن موافقتها على إجراء الانتخابات في القدس سنجريها بعد أسبوع، نحن لا نختلق الأعذار، والدليل في 2006 سمحوا فقط بإجراء الانتخابات قبل أيام معدودات من موعد الاقتراع، وقمنا بأجرائها، نحن نحترم كلمتنا، وإذا سمحوا بإجراء الانتخابات في القدس لن نتردد شريطة أن تكفل تلك الموافقة حرية شاملة للمرشحين والقوائم الانتخابية. نحن آمنا بالديمقراطية وملتزمون بها استكمالاً للمشروع الوطني، والانتخابات بالنسبة لنا ليست إجراء ولا تكتيكاً وإنما هي تثبيت للديمقراطية وتثبيت حقنا في فلسطين».

دوافع حقيقية
لكن جهات فلسطينية كثيرة ترى بإرجاء الانتخابات بسبب رفض الاحتلال إجراءها في القدس تبرير ومحاولة تغطية على الدافع الحقيقي المرتبط بعدم ضمان نتائجها. وقال صحافي فلسطيني مخضرم فضل حجب هويته لـ «القدس العربي» إن خوف «فتح» والرئاسة الفلسطينية من الخسارة دفعها لتحديد الانتخابات بعدة جولات الأولى مخصصة للمجلس التشريعي بحجة أن العملية معقدة وتحتاج لترتيبات كثيرة ويتابع «لكن الحقيقة أن تنظيم الانتخابات بهذا الترتيب جاء كي تكون عملية استكشاف واختبار تتحدد بعدها وبناء عليها احتمالات خوض الرئيس أبو مازن الانتخابات الرئاسية. وقد جاء الانقسام الداخلي الثلاثي في حركة فتح، ورفض النائب الأسير مروان البرغوثي على التسليم بقرارات فتح ودعمه للناصر القدوة (علاوة على خوض قائمة محمد دحلان التي أظهرت استطلاعات أنها ستتمكن من الوصول للمجلس التشريعي) سببا مقنعا للتوقعات بعدم ضمان غالبية لحركة فتح في المجلس التشريعي، وتشكيك بضمان نتائج الانتخابات الرئاسية والمجلس الوطني مما دفع لاستخدام رفض إسرائيل لمشاركة المقدسيين ذريعة للتراجع والنزول عن الشجرة». منوها أن الرئيس عباس كان يظن أن بوسعه تمرير الانتخابات حينما بادر لها خاصة بعدما فهم أن حركة حماس غير معنية بالرئاسة وأنها مهتمة بانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني بالأساس وربما أكثر من اهتمامها بانتخابات التشريعي وفقا لحساباتها هي. ويشير الصحافي المذكور الذي يتابع الشأن الفلسطيني منذ سنوات طويلة أن قرار الانتخابات جاء ليس نتيجة ضغط غربي بل بسبب الرغبة بتجديد النظام السياسي وشرعيته وزيادة قوة السلطة الفلسطينية في ظل التجاهل والتهميش الذي تعرضت له خلال فترة حكم دونالد ترامب. وتابع «بخلاف ما نشر لا علاقة للأوروبيين في ذلك فهم لا يتبرعون للسلطة الفلسطينية إلا بمبالغ رمزية وهم غير مهتمين بالديمقراطية أصلا في كل الدول العربية».
ومن المتوقع أن تعّبر أوساط واسعة من الفلسطينيين في مختلف تجمعاتهم عن تذمرهم ورفضهم لهذا القرار خاصة بعد انطلاق قطار التحضيرات الانتخابية قبل شهور وهم متعطشون لهذا الاستحقاق الديمقراطي ولإنعاش النظام السياسي بكل مكوناته المتكلس والمصاب بالفساد مثلما كانت القيادة الفلسطينية ذاتها بحاجة لتجديد شرعيتها بشكل حقيقي وتحسين صورتها بعيون شعبها والعالم.
دعوة لاحتجاجات
واعتبرت اللجنة القانونية العابرة للقوائم أن تأجيل أو عرقلة إجراء الانتخابات العامة في مواعيدها المعلنة يشكل غصباً جسيماً للسلطة، وينال من حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وينحدر بفاعله إلى درجة ارتكاب جريمة دستورية. وجاء ذلك في مذكرة قانونية للرأي العام تبنتها 15 قائمة انتخابية صدرت أمس الأول وطالبت المذكرة لجنة الانتخابات المركزية بالتمسك باستقلالها وعدم الاعتداد بأي قرارات تصدر خلافاً لحكم القانون والقواعد الدستورية ذات الصلة. ودعت النقابات المهنية كافة والمؤسسات الحقوقية والأهلية إلى إعلان انحيازها للقيم الدستورية ومبدأ سيادة القانون، والتحضير لخوض المعركة القانونية والقضائية، حفاظاً على حقوق شعبنا في ضمان انتظام المسار الديمقراطي. كما أكدت في مذكرة على حق الشعب الفلسطيني في الاحتجاج السلمي، بمختلف أشكال التعبير بما فيها التجمع وأنها في حالة انعقاد دائم واستعداد لاتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية اللازمة لمواجهة أي عبث في حق الشعب الفلسطيني في المشاركة السياسية.

حماس: قرار الرئيس انقلاب على المصالحة
كما كان متوقعا حمّلت حركة «حماس» حركة فتح ورئاسة السلطة المسؤولية الكاملة عن قرار تأجيل الانتخابات وتداعياته وعبّرت عن بالغ أسفها لقرار حركة «فتح» والسلطة الفلسطينية ممثلة برئيسها محمود عباس، تعطيل الانتخابات الفلسطينية وهو يمثل حسب البيان انقلاباً على مسار الشراكة والتوافقات الوطنية، ولا يجوز رهن الحالة الوطنية كلها والإجماع الشعبي والوطني لأجندة فصيل بعينه. وأشارت إلى أن الشعب الفلسطيني في القدس أثبت قدرته على فرض إرادته على المحتل، وهو قادر على فرض إجراء الانتخابات كذلك كما أوضحنا في بياننا الصادر الأربعاء 28 نيسان/أبريل. وأضافت: «لقد قاطعت حركة حماس هذا الاجتماع لأنها كانت تعلم مسبقاً أن حركة فتح والسلطة ذاهبة إلى تعطيل الانتخابات لحسابات أخرى لا علاقة لها بموضوع القدس». كما قالت «حماس» إنها أوضحت لقيادة حركة فتح خلال اتصال رسمي أنها جاهزة للمشاركة في «اجتماع القيادة» إذا كان مخصصاً لمناقشة سبل وآليات فرض الانتخابات في القدس رغماً عن الاحتلال. وأكملت: «وهو الأمر الذي لم نتلق جواباً عنه، فقررنا المقاطعة احتراماً لشعبنا الذي سجل للانتخابات بغالبيته العظمى وبشكل لا مثيل له وغير مسبوق، وكذلك احتراماً لآلاف المرشحين والمرشحات من أبناء شعبنا التواقين لممارسة حقوقهم السياسية وتمثيل شعبهم والدفاع عنه، وكي لا تكون مشاركتنا غطاءً لهذا التلاعب في استحقاق وطني انتظره شعبنا طويلا». وأشارت الى أن إشادة رئيس السلطة عباس بهبة القدس دفاعا عن ساحة باب العمود التي فرضت إرادة المقدسيين ضد المحتل كانت تقتضي وتستلزم البناء عليها، وإعلان تحدي الاحتلال عبر تنظيم الانتخابات في القدس دون إذن مسبق من الاحتلال وليس العكس. ودعت الحركة الفصائل الفلسطينية والقوى السياسية والمدنية إلى التداعي وطنياً لوضع خريطة طريق وطنية تنهي حالة التفرد، وتحقق الوحدة الوطنية على أسس سليمة وصلبة تضمن إنجاز الإصلاح السياسي الشامل، وتوجيه كل الجهود نحو مقاومة الاحتلال والاشتباك معه على كل الأصعدة وفي كل الساحات.

مآرب إسرائيل
يشار أن إسرائيل كانت قد أوفدت قبل نحو الشهرين رئيس مخابراتها «الشاباك» إلى رام الله وفي اجتماعه مع الرئيس عباس حذره من خطورة الانتخابات واحتمالات فوز حماس فيها لكن عباس رفض دعوته. وعلى الأرض واصل الاحتلال وضع عراقيل وملاحقات للحيلولة دون إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس المحتلة بخلاف ما ينص عليه اتفاق أوسلو بهذا الخصوص. وينص هذا الاتفاق على مشاركة رمزية للمقدسيين تشمل مشاركة نحو 6500 منهم في انتخابات تجري في مراكز توزيع البريد في الشطر الشرقي من القدس وحصل مثل ذلك في جولتي انتخابات 1996 و 2006. ويرى عدد من المراقبين بعضهم إسرائيليون أيضا أن الاحتلال غير معني بالانتخابات لأن من شأنها تمكين الفلسطينيين من استعادة وحدتهم الداخلية وجمع الضفة بغزة في وقت تريد فيه تكريس الانقسام لإضعافهم وللتلويح به في دعايته في العالم القائمة على أن الشعب الفلسطيني غير مؤهل لدولة مستقلة. يشار أنه حسب لجنة الانتخابات المركزية تسجل نحو 90 في المئة من الفلسطينيين في الضفة وغزة في سجل للانتخابات، وهذا يعكس حماسة شديدة واهتماما للانتخابات. كما أن وجود 36 قائمة لخوض انتخابات المجلس التشريعي يعني أن هناك حماسة شديدة من الشعب لإجراء الانتخابات.

قد يعجبك ايضا