هنيئاً أبا عبيدة
أسماء الجرادي …..
تودع غزة من جديد قادة أبطال، ومنهم فارسها الملثم القائد المجاهد حذيفة الكحلوت (أبو عبيدة)، الذي ترجل بعد عقدين من الجهاد. وصلنا نبأ استشهاده مع ثلة من القادة المجاهدين، وتمزقت القلوب ألماً لفراقهم. لكن هذا الحزن والألم يوقد في النفوس شرارة غضب لن تنطفئ حتى تتحرر الأرض وتنتصر القضية. لقد أوجعنا رحيلهم، وتفطرت الأكباد حزناً لحالنا الذي اصبح بدونهم ولعجزنا امام هكذا فاجعة، ولكننا نجدد العهد في هذه اللحظة: أننا لن نترك القضية، ولن نخون دماءهم، ولن ننسى ثأرهم.
مليار مسلم عرفوا أبا عبيدة وأحبوه حتى أصبح رفيقهم وحبيبهم، فهم روحه الباقية، ولن يتركوا قضية أو ينسوا ثأرهم.
عقدان كاملان أمضاها رفيق المؤمنين والمجاهدين، الناطق باسم كتائب القسام، القائد أبو عبيدة، في خنادق المقاومة وميادين المواجهة المباشرة مع العدو. كان صوتاً يجلجل بالحق، وضميراً حياً حاول أن يوقظ أمةً غارقة في سباتها. حمل البندقية في يده، والكلمة الصادقة على لسانه، ليواجه العدو الصهيوني مباشرة، ويكون شوكة في حلقه، ورصاصة في قلبه. اخترقت كلماته حصون العدو وسيبقى صوته وكلماته خالداً مدى الزمن.
في خطابه الوداعي الأخير، الذي ألقاه بصوتٍ حزين وصورةٍ تعبّر عن حال الجوعى والمحاصرين، وجه أبو عبيدة صرخةً مدويةً للأمة. عاتب فيها العلماء والنخب والقادة، ووضعهم أمام مسؤوليتهم التاريخية بعبارته الخالدة التي هزت الوجدان: “أنتم خصومنا أمام الله، وخصوم كل يتيم وثكلى وجائع ومشرد”. كانت تلك الكلمات ضرورية لكشف خذلانٍ ممتد، وصمتٍ لم يعد يُطاق، ووصية أخيرة قبل الرحيل.
اليوم، ونحن نودّع أبا عبيدة مع ثلة من القادة العظماء الذين ارتقوا شهداء، تشتعل النفوس غضباً على من خانوا وخذلوا، ومن أعانوا وساندوا العدو. أوجعنا رحيلهم، لكنه لم يكسر عزيمتنا. فبقدر حزننا العميق، يتجدد فينا الإصرار على المضي قدماً على دربهم.
نعاهدهم اليوم أن نمضي على خطاهم، فنحن أرواحهم الباقية، ولن نترك القضية، ولن ننسى الثأر لهم. وها هي اليمن، التي أشاد بها أبو عبيدة في خطابه الأخير واستثناها بالشكر والامتنان، ما زالت تودّع قادتها وشهداءها، بعهدٍ بالمضي على النهج ومواصلة الجهاد والنضال حتى الانتصار. إن استشهاد أبا عبيدة ورفاقه المقاومين هو بداية عهد جديد، ووصيةٌ للأمة بأن تنهض، وأن تحمل راية المقاومة بقوة وبلا خوف أو تردد.
إن دماء القادة الشهداء أمانة في أعناقنا، ووصيتهم نور يضيء دروبنا. عهدٌ نقطعه اليوم أن نبقى مقاومين مثابرين ومناصرين للحق، نواصل الجهاد حتى يزول الظلم، ويتحقق النصر.
أبا عبيدة، استشهد مخذولاً من أمة، لكنه سيبقى حياً في قلوب الملايين. وخصومه أمام الله الذين أعلنهم هم خصومنا، ودماؤه أمانة في أعناقنا، وعهدنا أن نواصل الطريق حتى النصر العظيم بإذن الله.
الكاتبة من اليمن