صوتُ الأُمّةِ… ناطقُ الطوفان

عدنان عبدالله الجنيد  …..

حين تكلّم اللِّثامُ فسقطتِ الإمبراطورية: أبو عبيدة من غزة هاشم إلى زلزلة الاستكبار.

المقدمة:
من غزة هاشم وُلِد الصوت… ومن الطوفان تكسّرت التيجان
ليست غزةُ مدينةً على هامش التاريخ، بل هي قلبُه النابض منذ أن احتضنت هاشمَ بنَ عبد مناف، جدَّ النبيّ ﷺ، فصار اسمها “غزة هاشم” شاهدًا على أن هذه الأرض ليست لقيطة الجغرافيا، بل ابنة النسب النبوي، وحارسة الذاكرة العربية قبل الإسلام وبعده.
ومن هذا العمق، من زقاق جباليا “مخيم الثورة”، ومن جرح اللجوء القادم من “نِعليا” المهجرة ليبني طريق العودة بالبارود، خرج أبو عبيدة (حذيفة سمير عبد الله الكحلوت – أبو إبراهيم)؛ لا بوصفه ناطقًا عسكريًا فحسب، بل بوصفه تحوّلًا تاريخيًا في معنى الكلمة والموقف.
حين نطق، لم يكن صوته بيانًا؛ كان زلزالًا.
وحين ظهر لثامه، لم يكن قناعًا؛ كان راية. وحين واجه نتنياهو وترامب، لم يفعل ذلك بالخطابة، بل بتحطيم الأسطورة: أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، والإمبراطورية التي لا تُهزم. فمن غزة المحاصَرة، اهتزّ البيت الأبيض، وتشقّق وعي تل أبيب، وسقط وهم السيطرة المطلقة، لأن الكلمة الصادقة حين تسندها الدماء تتحول إلى سلاح استراتيجي عابر للقارات.

أبو عبيدة… المُـلثَّمُ الذي أحبَّه الملايين:

لم يكن الاسمُ مصادفة، ولا اللثامُ زينة. “عبيدة” تصغير العبودية لله؛ قوّةٌ في الطاعة، وشدّةٌ في الثبات، ووفاءٌ لا يساوم. واللثام لم يكن هروبًا من الهوية، بل ترقيةً لها؛ إذ ذابت الذات في القضية، وسقط الفرد ليولد الرمز.
أحبه الملايين لأنهم رأوا فيه مصداقية لا تكذب، صوتًا لا يتلعثم، وكاريزما لا تستجدي التصفيق.
تحولت كوفيته الحمراء إلى أيقونة، وصار لثامه لغةً عالمية تفهمها الشعوب دون ترجمة: هذا صوت الحق حين يخرج من تحت الركام ليخاطب ضمير العالم.

حذيفة… حين نطقت الإشارة وسقطت الأسطورة:

حذيفة: اسمٌ ارتبط في الوعي الإسلامي بالكتمان والسرّ والانضباط القيادي. وحين نطق حذيفة الكحلوت بالإشارة، لم يكن يعلن هجومًا فحسب، بل كان يعلن نهاية مرحلة كاملة من الهزائم النفسية.
“نطقت الإشارة… وسقطت الأسطورة”
أربع كلمات أسقطت: أسطورة الجدار، أسطورة الاستخبارات، أسطورة الردع، وأسطورة التفوق المطلق.
كانت الإشارة إعلان ميلاد زمنٍ جديد، زمنٍ تُهزم فيه التكنولوجيا أمام الإرادة، ويُكسر فيه السيف الرقمي أمام اليد المؤمنة بظلم المعتدي وعدالة القضية.

سمير… رجل الكلمة والموقف، نبض فلسطين:

سمير هو صاحب السَّمَر، مؤنس الليالي، وحارس المعنى في زمن الضياع. وهكذا كان أبو عبيدة: يؤنس الأمة في ليلها الطويل، ويمنحها لغةً تقول بها ما عجزت عن قوله الأنظمة.
كان سيد الكلمة حين صدق، وسيد الموقف حين اشتدّ الحصار، ونبض فلسطين حين خذلها الأقربون.
لم يتحدث من أبراجٍ محصّنة، بل من قلب النار والاشتباك، فصارت كلماته نبضًا يسري في عروق الأحرار، وصار صمته أحيانًا أبلغ من ألف خطاب.

عبد الله… إخوانُ الصدق (مدد اليمن السعيد):

عبد الله هو العبودية الخالصة، والوفاء الذي لا يساوم إلا لله.
ومن هذا المعنى، سمّى أبو عبيدة اليمنيين “إخوان الصدق”.
لم تكن تحيّةً بروتوكولية، بل كانت شهادة تاريخية وميدانية: صدقوا حين نكص الآخرون، وكسروا الحصار من البحر الأحمر حين أُغلقت المعابر البرية، ووصلت صواريخهم ومسيراتهم حيث لم تصل بيانات الجيوش المكدسة. رأى في اليمن عمق غزة الاستراتيجي، وفي ساحاته المليونية وقود الصمود، فامتزجت صرخة يافا بصدى جباليا، وكان الدم واحدًا، والمعركة واحدة، والمصير واحدًا.

الكحلوت… صوت الأحرار ليزلزل عروش الاستكبار:

ليس الاسمُ هو ما يصنع المعنى، بل المعنى هو ما يخلّد الاسم ويرفعه مكاناً علياً. “الكحلوت” صار مرادفًا لـ “الصوت الذي لا يُشترى” و”الإرادة التي لا تكسر”. بكلمةٍ واحدة هزّ ثقة واشنطن بمشاريعها في المنطقة، وأربك غرف القرار في تل أبيب، وفضح زيف الإعلام الإمبراطوري المتواطئ.
تحولت كلماته إلى زلزال وعي؛ فانهارت روايات بُنيت في عقود، وتعرّت أنظمة، وسقطت هيبة الاستكبار أمام شعوب كانت تبحث فقط عن صوتٍ صادق يخرج من تحت الرماد.

أبو إبراهيم… “أنتم خصومُنا أمام الله”:

هنا لم يعد الخطاب سياسيًا أو عسكرياً، بل تحول إلى خطاب أخروي حاسم. إبراهيم… الأمة، والبراءة من الباطل، والثبات أمام نيران نمرود العصر. حين قال: “أنتم خصومنا أمام الله”، نقل المعركة من طاولات المفاوضات الهزيلة إلى المحكمة الإلهية الكبرى، ومن حسابات المصالح إلى حساب الآخرة. وضع الحكّام، والعلماء الصامتين، والجيوش المتقاعسة، أمام سؤالٍ وجودي لا مهرب منه: ماذا ستقولون لله غداً حين تُسألون عن أنين أطفال غزة؟

قائد منظومة القسام… عصا السنوار وإبهام أبو عبيدة:

في طوفان الأقصى، تعانقت الرموز لتشكل أسطورة القرن: العصا كانت الفعل الميداني الأخير والمقدس، والإبهام كان التوثيق واليقين.
السنوار قاتل حتى آخر نَفَس ورمى عصاه في وجه الردى، وأبو عبيدة بإبهامه المرفوع دوماً كان “يُبصم” على هذه الحقيقة ويحولها إلى وعي جمعي. اكتملت المنظومة: قائد يقاتل في الميدان من المسافة صفر، وناطق يحمي الرواية ويزلزل نفسية العدو، ومعركة تُدار بالعقيدة واليقين قبل السلاح والعتاد. إن العصا رسمت حدود الأرض، والإبهام كتب تاريخ التحرير.

نصرٌ واستشهاد..

حين ارتقى حذيفة الكحلوت شهيداً، لم تكن تلك نهاية “أبو عبيدة”، بل كانت ولادته الثانية في وجدان كل طفل عربي ومسلم. فالشهادة هنا لم تكن غياباً، بل كانت الختم النهائي على صدق الكلمة والموقف.
الخاتمة:
سلامٌ عليك في الخالدين
طوبى لك أيها المُـلثَّم… فالقائد حين يستشهد يُنجب قادة، والجندي يُنجب عشرة، والشهيد يُنجب ألف مقاوم. هذه الأرض لا تُنبت القمح فقط، بل تُنبت المقاومين كما تُنبت الزيتون الضارب جذوره في عمق التاريخ، وترث الرسالة من الأنبياء إلى الأحرار.
نعاهدك يا صوت الأحرار، ويا نبض فلسطين، أن يبقى اللثام راية، والكلمة سلاحًا، والشهادة طريقًا لا حيدة عنه نحو النصر.
سلامٌ عليك في الخالدين، وعهدٌ من أمتك أن نواصل المسير حتى يرفع شبل من أشبالنا راية النصر فوق مآذن القدس وأسوارها.

الكاتب من اليمن

قد يعجبك ايضا