بعد جريمة قتل شاب وتركه يحترق.. الحواجز الإسرائيلية “كمائن” لأجساد الفلسطينيين “الطرية والمتعبة”

وهج 24 : لا أحد يعرف بالضبط ماذا جرى للمركبة التي كان يقودها الشاب الفلسطيني حكمت عبد العزيز (24 عاما) من بلدة مركة جنوبي مدينة جنين في الضفة الغربية قبل إطلاق النار عليها من قبل جنود الحتلال واشتعالها. حتى الكاميرات المنصوبة على أبراج المراقبة في المنطقة التي استشهد فيها “عبد العزيز” لن تقول ماذا جرى تماما، حتى لو نشر الاحتلال فيديو يوثق الحادثة.

 

أسئلة المواطنين الكثيرة لم تمنح أهل البلدة الصغيرة التي تقع على تلة مشرفة على “تلة دوتان” الأثرية وقتا للنوم، فهل حاول الشاب فعلا تنفيذ عملية فدائية بهذه الطريقة؟ هل انزلقت السيارة إلى جانب البرج فانحرفت عن مسارها قليلا بفعل الهواء والمطر، فأطلق الجنود “الخائفون دوما” النار على السيارة ومن بداخلها؟ هل رفع الجنود الأسلحة في وجه الشاب فخاف منهم فاتجهت المركبة إلى جانب العربة العسكرية؟ هل قُتل الشاب بفعل الرصاص أم بفعل الحرق؟ هل أصيب بالرصاص فيما الحريق الذي اشتعل في محرك السيارة أجهز عليه؟

عشرات الأسئلة انهالت على المواطنين، وكلها أسئلة من الصعب الإجابة عنها طالما في المركبة جثمان شاب فلسطيني بعمر الورد. لكن المركبة أصبحت في نصف ساعة متفحمة يصعب استنطاقها.

لكن المعروف بالنسبة لأهل بلدة الشهيد والواضح تماما، أن الجنود الإسرائيليين أطلقوا النار على المركبة وسائقها، وما يعرفه سكان المنطقة والصحافيون الفلسطينيون تبعا لما وثّقته الفيديوهات، أن مركبات الإسعاف والإطفاء ظلت متوقفة جانبا لمدة ساعة من دون أي حراك، تنتظر أن تلتهم النار المركبة، وهو بالضبط ما جرى لجثة الشاب عبد العزيز. ما يعرفه الجميع أنه كان هناك احتمالية كبيرة لإنقاذ حياة الشاب بدلا من أن ينال نصيبه من الاحتراق والتفحم.

فالفيديوهات توثق أن مركبات الإطفاء ظلت واقفة في مكانها بعيدة عشرات الأمتار من دون أي حراك حتى أجهزت النار على المركبة وسائقها.

“إنها نهاية مأساوية” كما يقول مواطن من القرية.

والمعروف أيضا في البلدة التي أخذت سماعات مسجدها الصغير في الإعلان عن استشهاد ابنها الذي يشتغل “عاملا” بحسب خاله، وأنه “شاب محترم ومسالم” “ومن المستبعد أن يقوم بعملية فدائية على هذا النحو”.

عاشت عائلات البلدة والقرى المحيطة ساعات ثقيلة في انتظار معرفة هوية الشهيد، فالكثير من العائلات التي لم تجد ابنها القادر على قيادة سيارة من نفس النوع إلى جوارها توقعت أن يكون الشهيد ابنها. احتراق المركبة والجثة، ضاعف الشكوك والمخاوف، إلى أن تمكنت المخابرات الإسرائيلية من معرفة نوع السيارة ومن يملكها وحددت هوية الشهيد.

بحسب خال الشاب المتفحم، فإنه ضابط المخابرات الذي اتصل بوالد الشهيد رفض أن يريهم الجثة، طلب منهم البقاء بعيدا، وطرح عليهم أسئلة عن الشهيد.

ما يُعرف تماما أيضا أن بلدة مركة الوادعة التي يعمل أغلب أهلها في أعمال البلاط والقصارة والمهن الحرة ويهوون صيد الحيوانات، عاشوا ليلة ثقيلة جدا. ما عُرف أكثر يتمثل في أن عائلة الشهيد المهتم بأناقته بحسب صورة نشرت له، ويظهر فيها أيضا فتى نحيل يرتدي جاكيتا أزرق وربطة عنق صفراء، لم تتلقَ خبرا عاديا حول ابنها.

 

يقول مواطن: “ليس هناك أصعب من الحرق، فكيف لو حصل من دون أن اقوم أي جهة بمحاولة مساعدة الضحية”.

وعاشت العائلة لحظات ثقيلة جدا بعد أن اتصل ضابط المخابرات بوالد الشهيد وطلب منه ببرودة: “تعال إلى منطقة كذا كذا.. من دون أن يتمكن هذا الضابط من أن يريه جثة ابنه”.

صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية كتبت أنه “قُتل فلسطيني شمالي الضفة الغربية بالقرب من مستوطنة ميفودوتان (المجاورة لقرية يعبد الفلسطينية)، بعد الاشتباه في محاولته تنفيذ عملية دهس” وتابعت: “اشتعلت النيران في سيارته لسبب لم يعرف بعد”. من دون أن تخوض في الجهة التي قتلت، حيث البناء للمجهول، ومن دون أي تساؤل عن حياة الشاب، وهذه سياسة الصحافة الإسرائيلية أيضا.

أما فلسطينيا، فقد انتقد ناشطون طريقة تغطية وسائل الإعلام الفلسطينية وردود فعل الأحزاب والفصائل. فالصحافة وشبكات التواصل الاجتماعي رأت في الحدث عملية بطولية من دون أن تمتلك أي حس للمساءلة والتريث. والأحزاب رأت فيها دليلا على صوابية خيار المقاومة.

هل كانت عملية فعلا؟ أم هي جانب من تحول أجساد الفلسطينيين إلى طرائد أمام الحواجز الإسرائيلية المزروعة في الضفة الغربية؟

الناشط أسامة برهم قال: “لقد سمى الإعلام الإسرائيلي ما حدث بـ”عملية دوتان”، وهو أمر تبنته الفصائل، في حين أن ما رأيناه هو جثة متفحمة في سيارة مشتعلة، والمتوقع أن شابا ارتقى بفعل إطلاق الرصاص على مركبته فانفجرت، ولا أحد يعلم شيئا عن الدقائق الأخيرة”.

وتابع: “لكن مليون شخص قام بشرعنة سلوك الجنود في قتل هذا الشاب، وطالما الفصائل التي أكل عليها الدهر وشرب خرجت للشارع ببيانات رنانة، فإن القتل الممنهج سيمر مرور الكرام، وسننسى اسم الضحية”.

وختم قائلا: “قد يكون الأمر حادث سير، أو فقدانا للسيطرة على المركبة التي كان يقودها الشهيد، أو أن السيارة تزحلقت بفعل المطر، لكننا لا نريد تلك الرواية (الفلسطينيين) ولا هم (الاحتلال)، نحن نريده مقاوما، وهو يريدونه مخربا، وهما صوتان أعلى من صوت المنطق”.

وبحسب شهود عيان، فإن قوات الاحتلال نصبت حاجزا عسكريا على المدخل الرئيسي للبلدة، ومنعت المواطنين من الدخول والخروج، وأشاروا إلى تواجد مكثف لقوات الاحتلال في المنطقة الجنوبية من البلدة، ومنع المواطنين من الاقتراب منها.

واندلعت مواجهات بين الشبان وقوات الاحتلال الإسرائيلي عند مدخل بلدة يعبد الرئيسي بالقرب من حاجز “دوتان” الاحتلالي، حيث أطلق خلالها جنود الاحتلال الرصاص وقنابل الغاز والصوت تجاه الشبان، دون أن يبلغ عن وقوع إصابات.

ويعتبر مدخل بلدة يعبد غربي مدينة جنين، نقطة توتر حقيقية منذ أشهر؛ بفعل تواجد مكثف لحواجز ودوريات الاحتلال التي تتواجد من أجل حماية مجموعة صغيرة من المستوطنات التي تنتشر على قمم الجبال في تلك المنطقة.

كما شارك آلاف المواطنين من جنين وقراها ومخيمها، مساء الثلاثاء، في مسيرة حاشدة في قرية مركة، تنديدا باستمرار جرائم الاحتلال.

وانطلقت المسيرة بعد تجمع آلاف المواطنين من قرى وبلدات محافظة جنين أمام دوار بلدة عرابة، وجابت الشارع باتجاه منزل الشهيد في قرية مركة، حيث ردد المشاركون الهتافات المنددة بإعدام الشاب عبد العزيز واحتجاز جثمانه من قبل سلطات الاحتلال.

كما دعا المشاركون إلى تعزيز الوحدة الوطنية للتصدي لجرائم الاحتلال وعدوانه المستمر بحق أبناء شعبنا، مطالبين المجتمع الدولي بالتدخل العاجل ومحاسبة الاحتلال على جرائمه.

وتأتي جريمة إعدام الشاب عبد العزيز، بعد 24 ساعة فقط من منح جيش الاحتلال الإسرائيلي الضوء الأخضر لجنوده بفتح النار على الشبان الفلسطينيين الذين يلقون الحجارة والزجاجات الحارقة، وحتى بعد انسحابهم من المكان.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا