الانطلاقات الفصائلية بين وهم الانتصارات وإضاعة الزمن وإطالة وجود الاحتلال بالسجالات الداخلية والخارجية
بقلم: د. تيسير فتوح حجه ….
الأمين العام لحركة عداله
في كل ذكرى انطلاقة فصائلية، تتزاحم الخطب والشعارات، وتعلو نبرة الاحتفال، وكأننا نراجع حصيلة انتصارات متراكمة لا تقبل الشك. غير أن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه بإلحاح: ماذا حققنا فعليًا على طريق التحرر؟ وهل أسهمت هذه الانطلاقات في تقصير عمر الاحتلال أم في إطالة بقائه عبر استنزاف الزمن الفلسطيني في سجالات داخلية وخارجية عقيمة؟
لقد تحولت كثير من الانطلاقات إلى طقوس خطابية تعيد إنتاج ذات اللغة، دون مراجعة نقدية صادقة للتجربة، ودون محاسبة سياسية وأخلاقية للنتائج. فبدل أن تكون محطات تقييم وتصويب، صارت منصات لتكريس وهم الانتصارات، بينما الواقع يشهد تمدد الاستيطان، وتآكل الأرض، وانقسام الإرادة الوطنية، وتراجع الثقة الشعبية بالعمل السياسي برمّته.
إن أخطر ما في المشهد ليس الفشل بحد ذاته، بل الإصرار على إنكاره. فالسجالات الداخلية بين الفصائل، والتراشق الإعلامي، وسباقات التخوين، أهدرت طاقة الشعب، وكسرت بوصلته، وأضعفت جبهته الداخلية. أما السجالات الخارجية، فقد أدخلتنا في محاور إقليمية ودولية لا ترى في فلسطين إلا ورقة تفاوض، تُستعمل حينًا وتُهمل حينًا آخر، بينما يدفع الفلسطيني وحده ثمن الارتهان.
الاحتلال لا يحتاج إلى انتصارات عسكرية وهمية بقدر ما يحتاج إلى خصمٍ منقسم، مشتت، غارق في خطاباته. وكل يوم يمر دون استراتيجية وطنية جامعة، ودون برنامج تحرري واضح، هو يوم إضافي يُمنح للاحتلال كي يرسّخ وجوده ويطبع جرائمه كأمر واقع.
من موقعنا في حركة عداله، نؤكد أن الانطلاق الحقيقي لا يكون برفع الرايات، بل برفع مستوى المسؤولية. الانطلاق هو في استعادة وحدة القرار الوطني، وفي بناء برنامج كفاحي عقلاني يجمع بين المقاومة بأشكالها المشروعة، والعمل السياسي الذكي، والاشتباك القانوني الدولي، والأهم: إشراك الشعب كشريك لا كمتفرج.
نرفض تحويل دماء الشهداء وتضحيات الأسرى إلى وقود للمزايدات الفصائلية. ونرفض اختزال القضية في فصيل أو لون أو خطاب. فلسطين أكبر من الجميع، والتحرر لا يُنجز بالشعارات بل بالصدق مع الذات، وبالقدرة على الاعتراف بالأخطاء، وبالجرأة على التغيير.
إن مراجعة الانطلاقات الفصائلية اليوم ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة وطنية. فإما أن نخرج من دائرة الوهم وإضاعة الزمن، ونبدأ انطلاقة وطنية جامعة تُقصر عمر الاحتلال، أو نبقى أسرى احتفالاتنا، نعدّ الخطب بينما يواصل الاحتلال عدّ الأرض.
الكاتب من فلسطين