الأحزاب تتصارع حول كنز الحكومة والعراقيون مشغولون بأزماتهم

الشرق الأوسط نيوز : أعطت مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة في العراق، إشارة بدء ماراثون القوى السياسية في المفاوضات والمنافسات والتحالفات، لتكوين الكتلة الأكبر في البرلمان، التي ستقوم بتشكيل الحكومة المقبلة، وسط تحديات مصيرية كبيرة تواجه البلد.

وبعد جولات من الضغوط والابتزاز والتهديدات، التي أطلقتها الفصائل والقوى الشيعية التي خسرت الانتخابات التشريعية الأخيرة، على المحكمة الاتحادية ومفوضية الانتخابات لمحاولة تغيير النتائج لصالحها بحجة وجود تزوير وتلاعب، فقد أعلنت المحكمة رفضها الدعوى المقدمة من قبل تحالف الفتح الذي يضم الفصائل المسلحة، للمطالبة بإلغاء نتائج الانتخابات، كما قامت المحكمة بإبلاغ رئاسة الجمهورية المصادقة على نتائج الانتخابات التشريعية، وعلى إثرها أعلن رئيس الجمهورية دعوة البرلمان الجديد إلى الانعقاد في التاسع من الشهر الحالي، لاختيار رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية، الذي سيختار بدوره رئيس الحكومة المقبل من الكتلة النيابية الأكبر عددا.
ويعد جمع تحالفات القوى السياسية التي ستشكل الحكومة المقبلة، المرحلة الأكثر تعقيدا في عملية ما بعد ظهور نتائج الانتخابات، حيث تتخللها صراعات وابتزاز ومساومات ورشى، من أجل الحصول على أكبر حصة ممكنة من كعكة السلطة عبر تقاسم المناصب الرسمية، وهو نفس الأسلوب الذي أتبعته أحزاب السلطة منذ عام 2003.
وكان متوقعا تباين ردود الأفعال على قرار المحكمة، وخاصة بالنسبة للقوى الشيعية التي انقسمت بين جناحي التيار الصدري، صاحب العدد الأكبر من مقاعد البرلمان، والذي يصر على تشكيل حكومة أغلبية مع وجود معارضة برلمانية، وبين بقية القوى الشيعية الأخرى، وأغلبها من الفصائل المسلحة، التي تطالب بحكومة توافقية، تضم جميع الأحزاب الفائزة وتتقاسم الوزارات والمنافع، وهو ما يتعارض مع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاحات.
وقد جدد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، تمسكه بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، لكونه الفائز الأكبر في الانتخابات بنحو 73 مقعدا في البرلمان المكون من 329 نائبا. ورغم كل مساعي التوفيق بين جناحي البيت الشيعي، إلا ان جميع الجهود فشلت حتى الآن في إقناع الصدر لتغيير موقفه، وتوحيد الموقف الشيعي قبل يوم انعقاد البرلمان الجديد.
وتسبق الجلسة الأولى للبرلمان، اتصالات مكثفة بين الأحزاب لعقد التحالفات وتكوين الكتلة البرلمانية الأكبر التي تشكل الحكومة المقبلة، وفق الدستور، وليتم بعدها توزيع المناصب الثلاثة العليا في العراق بأسلوب المحاصصة السياسية والطائفية المتعارف عليه، أي ان يكون رئيس الجمهورية كرديا ورئيس البرلمان سنيا، مع احتفاظ الشيعة برئاسة الحكومة، وهو المنصب الأهم في الدولة.

شكل الحكومة المقبلة

ولا شك ان تغييرات واستقطابات وخريطة جديدة ستشهدها الحكومة المقبلة، تؤشر حقيقة ان أحزاب السلطة لم تعد سيطرتها كاملة على البرلمان كالسابق، وذلك نتيجة الحركة الاحتجاجية الواسعة على تدهور الأوضاع التي عمت العراق في السنوات الأخيرة.
ومع تمسك معظم أحزاب السلطة بالحكومة التوافقية، لتقاسم الغنائم والمناصب، مع رفضها وجود معارضة قوية في البرلمان تعرقل مساعي الأحزاب في الهيمنة على الدولة ومواردها وتحبط خططها والقوانين التي تطرحها في البرلمان، فإن التيار الصدري يتمسك بتشكيل حكومة أغلبية مع وجود معارضة قوية في البرلمان، وذلك لفشل أسلوب الحكومات التوافقية خلال 18 سنة الماضية في إدارة البلد، حسب التيار.
وأعلن النائب السابق المقرب من التيار الصدري بهاء الأعرجي، ان الصدر منح «أحزاب الإطار» 45 يوما لتشكيل الحكومة وان يكون التيار الصدري في المعارضة، وإذا لم يتمكنوا من تشكيل الكتلة الأكبر، يقوم التيار بتشكيل الحكومة وتكون بقية الأحزاب والفصائل الشيعية في المعارضة.
أما الأحزاب الكردية والسنية، فانها تفضل الحوار مع كتلة شيعية موحدة من أجل تشكيل حكومة توافقية جديدة، لتجنب الوقوف مع طرف ضد طرف آخر، وذلك رغم محاولة جناحي القوى الشيعية استمالة مواقف تلك الأحزاب عبر زيارات واتصالات مكثفة.
ومع عقد العديد من اللقاءات بين التيار الصدري والقوى المعترضة على الانتخابات، فإن المواقف حول شكل الحكومة المقبلة بين دعاة حكومة الأغلبية أو التوافقية لم تتغير، حيث أكدت اللقاءات، عمق الخلافات في البيت الشيعي حول شكل الحكومة، ولتؤكد ان أهم عقبة أمام تشكيل الحكومة الجديدة هو الخلاف الشيعي الشيعي.
وتشير تصريحات قيادات شيعية، على ان الصدر يطالب بان تكون الحكومة المقبلة بدون غريمه التقليدي زعيم حزب الدعوة نوري المالكي، الذي يسعى بقوة للعودة للسلطة، كما يدعو إلى نزع سلاح الفصائل الولائية وحصره بيد الدولة، وكلا الأمرين ترفضانه بقية القوى الشيعية، مما خلق أجواء من التوتر والقلق من اتساع الخلاف بين القوى الشيعية ليصل إلى درجة الصدام نظرا لكون طرفا النزاع لديهما أجنحة مسلحة، خصوصا ان العديد من القيادات الشيعية أقروا ان عمق الخلافات بينهم وصلت مستوى غير مسبوق.
ولأن مغانم السلطة وإغراءاتها لا يمكن التنازل عنها، فإن الصراعات الشرسة حول السلطة لم تقتصر على القوى الشيعية، بل امتدت إلى الأحزاب الكردية والسنية، حيث يتصارع الحزبان الكرديان الرئيسيان، بقيادة عائلتي بارزاني وطالباني، على منصب رئيس الجمهورية، فيما تتصارع كتلتا الأحزاب السنية بقيادة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، حول منصب رئيس البرلمان. والواضح ان صراعات الأحزاب الشيعية والكردية والسنية، هدفها الوحيد هو الفوز بأكبر قدر من كنز السلطة، عبر الاستحواذ على المناصب الحكومية، ولذا فإن عملية تشكيل الحكومة، ستكون في غاية التعقيد والصعوبة هذه المرة.
إلا ان الملاحظة اللافتة في البرلمان المقبل، انه سيشهد واقعا جديدا من خلال وجود معارضة برلمانية من خارج أحزاب السلطة لاول مرة منذ 2003 حيث تم الإعلان عن ولادة كتل معارضة، أبرزها تحالف «من أجل الشعب» الذي يضم 28 نائبا من حركة الجيل الجديد الكردية وحركة «امتداد» التي تمثل حراك تشرين الاحتجاجي، إضافة إلى «الكتلة الشعبية المستقلة» ونواب مستقلين آخرين، يصل عددهم إلى نحو 50 نائبا. وقد تعهدت المعارضة بأنها لن تكون جزءا من حكومة المحاصصة، سواء كانت توافقية أو أغلبية، وانها ستشكل معارضة قوية داخل مجلس النواب، وستعمل على مراقبة ومساءلة الحكومة وتقوية مؤسسات الدولة ومحاربة الفساد وخدمة المواطنين.

انسحاب القوات الأمريكية

وبالتزامن مع صراع الأحزاب حول تشكيل الحكومة المقبلة، تلوح في الأفق العديد من التحديات والمخاطر في المشهد العراقي، أبرزها توقع نشوب نزاع بين الفصائل الولائية والقوات الأمريكية.
فرغم إعلان رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمي، استكمال خروج كل القوات القتالية ومعدات التحالف الدولي، خارج العراق، وإنه لم يعد هناك أي جندي من قوات التحالف يحمل صفة مقاتل في البلاد، ومؤكدا أن الموجودين من قوات التحالف، هم «مجموعة من المستشارين لدعم قواتنا واحتياجاتنا في الحرب ضد الإرهاب وضد داعش» إلا ان الفصائل الولائية، وضمن أجنداتها المحلية والإقليمية، تتمسك بمغادرة كل القوات الأجنبية، وتهدد باستهدافها مع بداية عام 2022.
وفيما جددت «تنسيقية المقاومة» التي تضم الفصائل الولائية، تعهدها بـ«اجبار القوات الأمريكية على الانسحاب بعد انتهاء المدة المحددة نهاية عام 2021» مدعية عدم جدية القوات الأمريكية في الانسحاب، فإن رئيس تحالف الفتح هادي العامري، وجه رسائل، مع «اقتراب الموعد النهائي لخروج القوات الأجنبية من العراق» أكد فيها «ضرورة انسحاب القوات القتالية الأجنبية (بكافة صنوفها) من العراق في حلول 31 كانون الأول/ديسمبر ولا نقبل بأي وجود قتالي تحت أي مسمى كان وتحت أية ذريعة كانت». داعيا إلى «تسليم كافة القواعد التي تشغلها القوات الأجنبية، إلى الجيش العراقي أو الأجهزة الأمنية، خصوصاً قاعدتي حرير وعين الأسد».
وفي المقابل فإن هناك عدة جهات، ولأسباب مختلفة، تعارض الانسحاب الكلي للقوات الأمريكية إضافة إلى حكومة مصطفى الكاظمي، حيث تتمسك حكومة إقليم كردستان بالتحالف الاستراتيجي بينها وبين الولايات المتحدة، معلنة حرصها على بقاء القوات الأمريكية في قاعدة مطار أربيل.
وأكد أمين عام وزارة البيشمركه جبار ياور، حاجة البيشمركه والقوات الاتحادية «لدعم وإسناد الولايات المتحدة والتحالف الدولي في المجالات اللوجستية والتدريب والدعم التسليحي والعتاد والآليات العسكرية».
وأضاف ياور، أن «البيشمركة والقوات الاتحادية تحتاج إلى الاستشارة العسكرية والمعلومات الاستخبارية من التحالف والقوات الأمريكية، إلى جانب طائرات الاستطلاع الجوي في العمليات العسكرية والطيران الحربي للتحالف والولايات المتحدة، لمعالجة أوكار وبؤر التنظيمات الإرهابية ومنع تمددها». وإزاء العلاقة المتميزة بين إقليم كردستان والولايات المتحدة، لم يكن مستغربا قيام واشنطن بتخصيص مبلغ 260 مليون دولار لدعم قوات البيشمركه، مقابل 85 مليون دولار مخصصة لمساعدة وتسليح قوات الأمن الاتحادية العراقية، في ميزانية الدفاع الامريكية لعام 2022 .
ووسط حدة صراع الأحزاب وتنافسها، حول السلطة ومنافعها، وسواء كانت الحكومة المقبلة أغلبية أو توافقية، فإن البرنامج الحكومي المقبل ومدى قربه من مطالب الشعب وحاجاته، يبدو بعيدا تماما عن اهتمام الأحزاب المتصارعة.
وتسود لدى العراقيين مخاوف جدية من تحول صراع الأحزاب على السلطة، أو النزاع بين القوات الأمريكية والفصائل الولائية، إلى نزاع مسلح يعمق أزمات العراق، الذي يرزح تحت ضغوط أوضاعه المنهارة وأزماته المزمنة، وأبرزها المشاكل الاقتصادية التي تتعمق يوما بعد يوم، مثل تزايد الفقر والبطالة وتفشي السلاح والمخدرات، ومخاطر العطش والتصحر نتيجة قطع دول الجوار لأغلب مياه الأنهار، إضافة إلى تنامي التحديات الأمنية ومخاطر عودة «داعش» الذي أصبحت عملياته الإرهابية المتصاعدة مبعث قلق حقيقي لا يمكن إنكاره. وأزاء هذا الواقع المتدهور، فإن العراقيين لا يعيرون اهتماما لصراع الأحزاب على الحكومة، لأن لا ناقة لهم فيه ولا جمل، بل هم يائسون من الأحزاب ومقتنعون انها لن تقدم أي حلول مجدية لمشاكلهم وأزماتهم حسب تجارب العقدين الماضيين.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا