ارتفاع إيجارات المساكن يدفع اليمنيين نحو بدائل مؤلمة للخلاص من الدفع بعملات أجنبية واحتيال السماسرة

الشرق الأوسط نيوز : يوماً بعد آخر تزداد معاناة اليمنيين وتضيق عليهم مساحات الحياة بسبب الأزمات المركبة والظروف القاهرة التي أفرزتها الحرب الدائرة في البلاد منذ 7 أعوام، بين القوات الحكومية ومسلحي جماعة الحوثي. فمن مظاهر القتل والتدمير والنزوح وغلاء المعيشة وتردي الخدمات وتدهور الاقتصاد، إلى ارتفاع إيجارات المساكن وصعوبة الحصول عليها، في ظل تهافت أصحاب العقارات على التعامل بالعملة الصعبة (الريال السعودي، والدولار الأمريكي)، ما دفع الفئة الأكثر من السكان لاتخاذ الأكواخ الخشبية وصفائح بقايا الحديد سكناً لهم.
فمنذ 14 شهراً يحاول فؤاد سالم خميس، وهو نازح من قريته بسبب الحرب، الحصول على شقة في عدن، بعد أن دفعته المعارك إلى مغادرة منزله في محافظة الحديدة غربي البلاد. لكنه في كل مرة يصطدم بأسعار خيالية لا طاقة له بتحملها لدخله المحدود كموظف حكومي، توقف صرف مرتبه منذ سنوات. يقول سالم وهو يروي مأساته « فور وصولي وأسرتي عدن، اتجهت إلى بيت أحد أقارب زوجتي في مدينة دار سعد، للجلوس عندهم مؤقتاً، ثم البحث عن شقة صغيرة تأويني وأفراد أسرتي المكونة من زوجة و4 أطفال».
ويضيف «كنت متفائلًا في بادئ الأمر في الحصول على شقة بمبلغ زهيد، لكن أحلامي ذهبت أدراج الرياح، بعد أن وجدت الجميع هنا يتحدث بالريال السعودي أو الدولار الأمريكي». ويتابع «شقة تتكون من غرفتين وحمام ومطبخ تصل أجرتها في بعض الأماكن إلى 800 ريال سعودي ما يعادل 300 ألف ريال يمني، أي أكثر من 4 أضعاف معاشي الشهري الذي لا يتجاوز 70 ألفاً».
وبحسرة يواصل حديثه «أشعر بعد مرور أكثر من عام أن هموم الدنيا كلها قد اجتمعت في رأسي، إذ لا مأوى يحتضنني وأسرتي ولا رواتب منتظمة، يصاحب ذلك غلاء معيشة وأوضاع مزرية».
وأضاف «لم يبد أقارب زوجتي تذمرًا من مكوثنا معهم إذ يظهرون دائمًا حبهم وسعادتهم بوجودنا، لكن نظرات الإشفاق والرثاء ترمقني كلما ولجت باب المنزل، وتشعرني بالعجز وقلة الحيلة».
لم تقتصر معاناة فؤاد عند صعوبة الحصول على شقة متواضعة، لكنه يخوض يومياً صراعا أخر بحثًا عن عمل، يسد به جوع أطفاله، ويقول «أخرج في الصباح بحثاً عن عمل يعينني وأسرتي على مواجهة ظروف الحياة القاسية، لكنني أعود بخفي حنين، فأبقى هائماً غريباً في وطني».
ومنذ سنتين وأكثر شدّد مُلّاك العقارات في عدن من شروطهم وطلباتهم وإجراءاتهم في عقود تأجير العقارات والمساكن، إذ يرفض جميعهم التعامل بالعملة المحلية، ويصرون على الدفع بالريال السعودي أو الدولار الأمريكي، الأمر الذي دفع الكثير إلى ترك مساكنهم. ويقول الصحافي فضل علي مبارك «يعود السبب في لجوء أصحاب العقارات إلى اعتماد العملات الأجنبية إلى حالة عدم الاستقرار التي تشهدها العملة اليمنية وانهيارها المتلاحق أمام العملات الأخرى».
ويضيف «المؤجر ليس بمنأى عن المعاناة فهو يبحث عن تلبية احتياجاته وأسرته، كما أن عملية البناء وتشييد العقارات وقيمة الأراضي أصبحت باهظة جدا وتعتمد العملة الأجنبية في تعاملاتها».
وهكذا أصبح ارتفاع الإيجارات السكنية أزمة اجتماعية كبيرة، تضاف إلى الأزمات الأخرى التي خلقتها الحرب، ما دفع الكثير من الأسر إلى البحث عن بدائل مؤلمة. تقول نادرة العزعزي، وهي نازحة من مدينة تَعز، أنها اضطرت لاتخاذ منزل من الأخشاب وصفائح الحديد لعدم قدرتها وزوجها المقعد بسبب مرض القلب على الاستئجار ولو بـ 50 ألف ريال يمني، ما يعادل 30 دولاراً، فكيف بمئات الألاف؟».
وتضيف وهي تحمل طفلتها الرضيعة في أحد شوارع خورمكسر «لا نجد ما نسد به جوعنا، لذلك أضطر للخروج إلى الشارع بحثا عما يجود به المتصدقون من المارة». وأضافة إلى ارتفاع إيجارات المساكن يتعرض الكثير من الراغبين في الاستئجار إلى همّ آخر يضاعف من معانتهم، يتمثل في «ابتزاز السماسرة الذين يطالبون الباحثين عن سكن بدفع مبالغ مالية طائلة كبدل مواصلات، وأتعاب، بغض النظر عما إذا نجحوا في توفير المنزل للمستأجر أم لا»، حسبما قالت منى صالح الشرفي في مقابلة حول هذا الموضوع.
وأضافت «معاناة المستأجرين لها وجه آخر، يتمثل في تلبية طلبات الدلالين (السماسرة)، إذ لم يكتفوا بما تم أخذه خلال فترة المتابعة، بل يطالبون عند نجاح المهمة ما يوازي قيمة إيجار شهر كامل». وقالت أيضاً «تعرفت خلال فترة بحثي الممتدة لستة أشهر على أكثر من 30 دلالًا، وأُرهقت مادياً ونفسياً بسببهم».و في أكتوبر/تشرين من العام الماضي، قررت الحكومة اليمنية إلغاء جميع التعاملات والعقود التجارية الداخلية بالعملة الأجنبية واقتصارها على العملة الوطنية (الريال)، لكن القرار لم يجد الآلية لتنفيذه على الأقل حتى اللحظة. يقول د. مبروك الحسني، الخبير في مجال التخطيط «للقضاء على هذه المشكلة التي تؤرق حياة غالبية الأسر اليمنية لابد من العمل بشكل سريع لتنفيذ قرار الحكومة ومحافظ عدن، القاضي بعدم التعامل بالعملة الأجنبية في كافة التعاملات بما فيها الإيجارات».
ووصف مبروك، دفع الإيجارات بالعملة الخارجية بـ»أم الكوارث»، لأنه تترتب عليه أشياء كثيرة منها صعوبة توفير المبلغ، ورفع سعر الدولار، فضلًا عن عدم قدرة الموظف الحكومي على دفع المبلغ، ما يؤدي إلى دخول المستأجر في صراع مع المؤجر، ربما ينتهي إلى القضاء».
وأوضح أن «راتب الموظف الحكومي لا يتجاوز 80 ألف ريال يمني ما يعادل أحيانا 50 دولاراً، والايجارات تصل إلى أكثر من 300 ألف ريال، هذا الأمر دفع بعض المواطنين إلى التقشف يتقشف في المأكل والمشرب والصحة وغير ذلك».
ولا تقتصر أزمة الإسكان على العاصمة المؤقتة عدن فقط، إنما تشمل معظم المدن اليمنية، الأمر الذي يجعل إصدار القوانين والتشريعات لتأمين حقوق المواطنين وحفظ كرامتهم واجبًا وضرورة مُلحّة. غير أن الحل الجذري لمعضلة السكن في البلاد يتطلب إيقاف الحرب، ومعالجة تدهور الاقتصاد، وتفعيل مؤسسات الدولة، واستئناف صرف مرتبات الموظفين، وإنعاش الاستثمار في مجال العقارات، ووضع خطط تنموية تراعي النمو السكاني.

المصدر : الأناضول

قد يعجبك ايضا