الكاتب والناقد المسرحي المغربي نجيب طلال: المشهد المسرحي المغربي يثير الضحك والشفقة مع قلة الإبداع الحقيقي والإستهتار بكل مقومات العرض

باريس ـــ حاوره ـــ حميد عقبي
سبق وأن كانت لي وقفات عديدة مع المشهد المسرحي المغربي وجمعتها في كتاب ” المشهد المسرحي والسينمائي المغربي : قضايا شائكة وحلول رسمية صغيرة” والذي صدر إليكترونيا ويمكن تصفحه وتحميله من رف مكتبة سينماتك للناقد البحريني /حسن حداد.
نعود للتحليق والغوص في قضايا مفزعة تهدد وجود المسرح المغربي فالمسالة ليست قلة ونقص الإمكانيات والدعم المادي بل أخطر من ذلك بحسب وجهة نظر ضيفنا الناقد المسرحي/ نجيب طلال فهو يصرخ ويؤكد “إننا بكل صدق نـعيش عصر الهجانة والرطانة” ويتطرق لقضية ضياع تراث المسرح المغربي العريق وجهل الشباب برواد عظام أمثال: محمد شهرمان/ حوري الحسين / سعيد اسمعلي / محمد تيمد/ع الكريم بناني/ محمد مسكين/ فاطمة شبشوب/ محمد دحروش/…./ القائمة طويله.
ضيفنا نشر كتاب في “استحضار المسرحي محمد تيمد” حلق في مرحلة مسرحية مغربية رائدة تم إهمالها وتشويه سيرتها…ندعوكم لسماع ضيفنا فلديه الكثير من الصرخات.
نجيب طلال صدر لك كتاب في استحضار المسرحي محمد تيمد..نود أن نطلع على خلاصة مختصرة للكتاب؟
بداية تحية ثقافية ومسرحية لكل القراء؛ ولهذا المنبر المتميـزء الرأي اليـومء الذي يواكب كل المستجدات في كل المجالات بما فيها الإبداع والتظاهرات الثقافية والفنية؛ ولولا هاته الحقيقة؛ لما تم الانتباه لصدور كتاب: في استحضار المسرحي محمد تيمد. فهـذا الكتاب في تقديري ؛ يعد إضافة للخزانة المسرحية قصد اﻻطلاع والتعريف بالمسرحي محمد تيمد. أما قضيتـه ترتبط بالوضع الثقافي والمسرحي ببلادنا؛ بأن العديد من الفعاليات قدموا ما قدموه من تضحيات؛ ولكن تم نسيانهم وتناسيهم؛ فرجل الثقافة والابداع الصادق المخلص ؛ في بلداننا للأسف يعيش الغبن على صعيدين في حياته و بعد مماته ، وتلك طبيعة في نسيجـنا المسرحي؛ مقابل هـذا في غفلة من الوضع؛ ظهرت بعض الفلتات في حق الراحل محمد تيمد في سنوات؛ ولكن اكتشفت أنهم أرادوا فقط أن يكتبوا لدوافع شخصية؛ لا تهمنا؛ ولكن ما سطروه جله في كـله مغالطات؛ إما معرفية أو تاريخية؛ دون الاعتماد على بعض ما كتب عنه سابقا في المنابر والصحف؛ فسعينا لإثبات العكس؛ وكشف زيف الادعاءات
؛ وتفنيد المغالطات؛ وهـدم قدسية من ينتجونها . ومن موقعي التاريخي؛ فلست كما يقال مداهنا أو مسالما في مجالي ؛ بل من طبيعتي المواجهة ودحض ما يمكن من خلال ما أعرفه؛ وما هو مستند بالمراجع والوثائق؛ وبالتالي فالكتاب إشارة قوية بأن للمبدعين المهمشين؛ وراءهم رجال ينتظرون فرصة النشر؛ إذ كان هـذا الكتاب سيكون ورقيا؛ فرغم مروري بعدة تجارب في الطبع؛ لم أعش صراحة مافيا النشر، ولكن في العقدين الأخيرين استفحلت المافيا ؛ مما تلافيت هذا الموضوع مؤقتا. وثانيا أن تكون أكثر انبطاحا أمام الأفراد المسؤولين في القطاعات الوصية؛ لكي يتكرموا عليك ؛ بإذن النشر. وهـذا ليس من طبـعي ولن يكون؛ على العموم ؛ فالكتاب يستحضر واحدا من المسرحيين المغاربة الذين أعطوا الشيء الكثير دونما مقابل يليق يقيمته ولن أقف هاهنا؛ فسأحاول استحضار المرحوم المسرحي ء حوري الحسينء ولكن لم ألتق بزوجته فاطمة لحد الآن؛ للمشاورة فقط.
* يحدث في بعض المهرجانات المسرحية وجود عروض سيئة ويقال السبب أزمة نص..كيف تحلل هذه الحالة؟
مبدئيا؛ هل نحن أمام عرض جمالي/ معرفي / إيديولوجي، أم أمام عرض أدبي؟ طبعا نحن دائما أمام عرض مركب بشكل كيميائي؛ صلبه بنيتين النص والممثل؛ فالوسيط لخلق تمازج بينهما ء المخرجء الذي يضيف بنيات أخرى من إضاءة وسينوغرافيا وإكسسوارات؛ ولاسيما الآن ظهر ـــ الدراماتورجي ـــ وبعض الدراسات تلح على انوجاده في رحاب الممارسة المسرحية العربية؛ باعتبار أن هنالك نظريات وأفكار تعلن بموت المؤلف؛ وأخرى أمست تعلن بموت المخرج؛ لتكون السيادة للدراماتورجي؛ كل هذا التحول لا زال المسرح العربي غير قادر عليه؛ وبالتالي يتهم النص من حيث لا ندري على مرجعية فقهية وليست إبداعية؛ وثانيا على مرجعية كلاسيكية؛ فماذا يمكن أن نقول في عمل يتوفر على أربع جمل فقط؛ ويتحكم فيه الجسد والإضاءة فقط؛ ورغم ذلك كان سيئا بسبب ضعف وتوزيع الإضاءة؛ ولاسيما أنه لن يكتمل العرض المسرحي ولن يحقق كامل فرجته ومتعته الجمالية دون توظيف جيد ومحكم للإضاءة ؛ فهي التي تكمل الحالة والصورة المسرحية ؟؟
*مع ظهور النشر الإليكتروني يلاحظ تدفق وسيلان عشرات النصوص لكن البعض لا يعرها الاهتمام والبعض يرى إستسهال وفقر فني وفكري…ما رأيك في هذه القضية؟
سؤالكم ينشطر لشقين؛ فالنشر الالكتروني فرضته طبيعة العصر؛ وطمع المطابع والناشرين؛ وهذا ضمنيا يخلق صراعا بشكل غير مكشوف؛ وبالتالي فهناك ناشرون يشيعون؛ ما ترمي إليه سيدي في الشق الثاني من سؤالكم؛ بأن هناك استسهال وفقر فني وفكري؛ صحيح أن هذا وارد في بعض الأعمال الشابة ؛ لأن المستوى الثقافي والمعرفي في العالم العربي؛ أمسى يتقلص وينحط؛ والعديد يحب الظهور والانتشار بسرعة؛ ودونما عناء ؛ لكن هنالك أعمال رائعة وجيدة جدا؛ انتبه إليه المهتمون والقراء؛ ولكن لا نغيب بأن الثقافة الإلكترونية لازالت ضعيفة الانتشار والامتداد؛ وخاصة في الأوساط ( المثقفة) وأعطيك مثالين؛ منذ ثلاث سنوات؛ فوجئت بفرقة مسرحية من تطوان؛ اشتغلت على نص – دلال – وشاركت به في عدة تظاهرات؛ بعدما نشرته في بعض المواقع الثقافية؛ وكذلك إحدى الأستاذات بإحدى ثانوية سطات؛ لا أعرفها ولم ألتق بها يوما ما؛ تفضلت بتقديم النص كنموذج لكيفية تحليله سيميائيا ودلاليا لتلامذتها صف – الباكلوريا- واطلعت على الموضوع – إلكترونيا- منذ سنتين تقريبا؛ قبل أن يتفضل الصديق العزيز: جمال الجزيري؛ بطبعها كتابا إلكترونيا؛ ونفس العملية مع إحدى الفرق بالجزائر بنص الوباء؛ إلا أن الإشكالية تكون إشكالية أخلاقية؛ قبل القانونية؛ أي الذي يقتني نصا ما؛ لا يتصل بصاحبه ويستشيره على الأقل؛ ليس في تقديمه ؛ بل للأدرمته وتعديل ما تراه الفرقة مناسبا لها؛ وهناك صديق؛ ظل يبحث عن نص- حكاية صديقين- عمل للراحل المسرحي العراقي – زنكنة- من أجل تقديمه مع تلامذة الثانوية بالدار البيضإ في أسبوع نسيمه ربيع الثانويات؛ وبعد جهد وجده إلكترونيا؛ رغم أنني وجدته في إحدى أعداد الأقلام العراقية؛ وعليه فهناك اهتمام ومتابعة؛ وهناك صراع ضمني بين الورقيين مع الكترونيين؛ الذين هم مفترضين. لأنهم منتشرون في بقاع العالم مدنـا ومداشر وأرياف.
*كيف تصف لنا المشهد المسرحي المغربي اليوم؟
المشهد المسرحي المغربي ؛ بدوره يحمل مشهدا أكثر إثارة ومشاهدة وتنكيتا؛ فالبعض يعتبره سوداوي؛ وشخصيا أعتبره مضحكا؛ إذ قل الابداع الحقيقي والفعال؛ وأمسى التنكيت والاستهتار بكل مقومات العرض؛ لأنه مدعم من مال المواطنين؛ هناك نقابتين لما يمسى بالمحترفين؛ واحدة تستفيد من لدن مشغلها وزارة الثقافة؛ والأخرى تصرخ وتندد؛ ومن داخلها البعض يستفيد أكثر مما يستفيد منه ثلاثة أفراد في النقابة الأخرى؛ وبينهما الفنان عبد القادر البدوي وجماعة من الفنانين؛ ينددون بالنقابتين والوزارة وأهل الفن أجمعين؛ وفي كل هـذا الكل ولن أتنازل على لفظةـــ الكل ــــ أمسى يبحث عن مقعد أو ركح بدول الخليج؛ والعديد منهم غير فاعلين وليسوا معروفين في المشهد الثقافي والمسرحي بالمغرب؛ ورغم هـذه اللخبطة ولن أقول السريالية؛ لأن للسريالية معنى فني وفلسفي؛ يناقشون بطاقة الفنان؛ ويتقاتل حولها الموظفين والأساتذة؛ بمعنى مشهد أفرز الوصولية والانتهازية عيانيا؛ ولا أحد يزايد على أحد في المشهد المسرحي المغربي الآن. لأن – ميتا مشهد – مضحك جـدا ولا يحتاج إلى كاميرا خفية.
*يوجد إرث مسرحي مغربي برأيك كيف ينظر الشباب اليوم لتجارب الرواد؟ وهل من صراعات بين القديم والحديث؟ *من هم رواد المسرح المغربي اليوم؟
أكيد هناك إرث لا يقدر بثمن؛ ولكن يضيع مع مرور الأيام ؛ وبعضه ضاع ؛ أي ليس هناك رجالات مخلصين ومدافعين باستماتة بكتابتهم أو محاضرتهم لما تركه الرواد؛ فعلى سبيل المثال البحوث الجامعية في ربوع الكليات ؛ لا وجود لبحوث حول تجربة/ محمد شهرمان/ حوري الحسين / سعيد اسمعلي / محمد تيمد/ع الكريم بناني/ محمد مسكين/ فاطمة شبشوب/ محمد دحروش/…./ القائمة طويله؛ بطول الزمن المسرحي ؛ ففي غياب ذلك فالشباب اليوم معـذور ألف عذرمن عدم اطلاعه ومعرفته لتجارب الرواد ؛ لأن العديد منهم لا يعرف حتى أسماء هم ومكان إقامتهم؟ فحتى بعض الدراسات تتناول أعمال شكسبير أو يوجين أونيل أو التراث عند المدني أو المنمنمات عند ونوس… جميل أن يكون هـذا التنوع المعرفي والابيستمولوجي؛ ولكن ما موقع الفعاليات المسرحية المغربية في ذاكرة المؤلفات والكتب ؟؟؟ وفي هــذا الصدد ليـس هنالك صراع بين القديم والحديث؛ فالذي يلوك مفهوم الصراع؛ أسماء تريد أن تبقى مقدسة؛ ويظل ما يسمى ـــ شيخ ـــ قبيلة أوعشيرة حاضرا؛ ماداموا أحياء. وهـذا لم يعد مقبولا في إطار التحولات واستفحال شبكات التواصل؛ والجيل الحالي من طبيعته التمرد العفوي ؛ مما أمسى يحاول قتل رمزية الأب الذي فيه ؛ على كل القيم بما فيهاـــ الركح ـــ مثلا؛ كنا نعتبره محرابا؛ ومكانا مقدسا لا يجوز التطاول عليه أو ممارسة ما يخل بقدسيته؛ الآن الشباب؛ هتك ما كنا نؤمن به؛ فالذي يمكن أن نستغرب لـه؛ فالشباب اليوم؛ يتجه للغناء وللسينما والمسرح والرقص؛ عله يجد منفذا يطل به للضفة الأخرى؛
وفي هـذا النطاق اختلطت المفاهيم باختلاط القـيم ؛ واختلاط المبادئ بالمال والأموال؛ وبالتالي ليس هنالك رواد للمسرح؛ كيف يكون لنا رواد والكل يهرب عروضه وسلعته المعرفية لدول الخليج؟ كيف يكون لنا ذلك؛ واليوم كان ممثلا فأصبح مخرجا ثم مخرجا سينمائيا؟ كيف يكون ما طرحته كسؤال؛ والأغلب من الفنانين لهم عقارات ورخص للنقل ورخص للسياحة ؟ وخلاصة السؤال هل الفنان النموذج يجمع بين مدير شركة الإنتاج وممثل ومخرج وسمسار؟ وأخر مؤلف مسرحي وشاعر وقصاص وناقد ومخرج ووو؟ إننا بكل صدق نـعيش عصر الهجانة والرطانة
*مهرجانات مسرحية مغربية كثيرة ماذا تقدم هذه المهرجانات للمبدع؟ ما أهمها؟
بكل صراحة كانت هنالك مكاسب عديدة للمسرح؛ والآن أمست شبه مطالب؛ بعدما كانت مطالب قبل ظهور بطاقة الفنان؛ فالمهرجانات من طبيعتها أو فلسفتها تلاقح التجارب وتبادل الخبرات والتعاون؛ الآن لا تقدم أي شيء للفنان المغربي؛ سوى التعويض المادي؛ الذي يتقاتلون عليه في المقاهي والأندية؛ فحتى المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي الذي يقام بمكناس؛ أصيب بلوثة وصرع بين المنظمين والوزارة الوصية والنقابتين والجمهور؛ أعيد القول نعيش عصر الهجانة والرطانة؛ فحتى ما يسمى المسرح الجامعي ؛ فملفاته أعوص وأعوص؛ لا تجد إلا المشاركات الخليجية والأجنبية؛ فأين التباري الحقيقي بين الكليات المغربية؛ وهل تلك العروض المغربية أو المستجلبة ؛ تمثل حقيقة الوجه الصادق للجامعة / الكلية ؛للدفع بالدرس المسرحي قدما نظريا وتطبيقيا…. ؟؟؟
*هل أفسدت الفضائيات ذائقة الجمهور المغربي؟ هل الهيئات المسرحية الرسمية تعي أن هناك أزمة؟
الأزمــة في كل البنيات؛ هي أزمة مزدوجة بنيوية وهيكلية؛ وهذه الازدواجية؛ تعلن عن انهيار المؤجل لكل المقومات الفنية والإبداعية التي بقيت فينا؛ فالفضائيات تجاوزها العصر أمام الانترنت والفايس بوك؛ فسيدة لها أحفاد تتصارع مع أبنائها من أجل أن يفتح لها أحدهم صفحة الفضاء الأزرق؛ فهل مثلها ومثل الشباب الذي يتواصل بشكل يومي فيما بينه؛ له فرصة الانتباه للفضائيات؛ في المغرب ينتبهون للفضائيات الرياضية؛ وخاصة المباريات الدولية أو المجاورة لنا؛ كالفرق الاسبانية ؛ وبالتالي فالهيئات المسرحية الرسمية لا تعي إطلاقا أن هناك أزمة حقيقية؛ لأنها هي التي ساهمت في صنعها طبقا لإستراتيجية ثقافية معينة أولها العولمة وآخرها المتاهة؟
*في ظل إهمال رسمي للمبدع ألا توجد مخاوف على مستقبل المسرح المغربي؟ ما البدائل أمام المبدع؟
إن كنت تقصد المهتم بفنون القول عامة( الكاتب) ؛ فمنذ ظهور مفهوم الدولة ( العربية) والكاتب يعيش إهمالا رسميا ؛ لأنه نموذج خطر أمام السلطة؛ فرغم أنه دجـن بشكل كلي؛ مازال البعض منهم في منطقة الحذر والحضر قائما عليهم؛ أما إن كنت تقصد الفنان سواء مسرحيا / سينمائيا/ مطربا/ فالأغلبية استفاد من الريع الثقافي؛ وهذا سؤال طرحته على النقابتين من خلال دراسة حول الجفاف المسرحي؛ وجريدتكم .المحترمة؛ نشرت الجزء الأول منه؛ وهنا أعيد الشكر لها
أما البدائل التي أمام المبدع الصادق والمؤمن بإبداعية الابداع ؛ لا غير فالمجال الالكتروني؛ يوفر له مساحة التفاعل والانتشار. واضرب مثالا حيا توصلت ببعض الأعمال المسرحية مسجلة حول مسرح المكفوفين من لدن المبدع عاطف شهبة من مصر؛ ومسؤول عن فرقة الشروق لمسرح المكفوفين؛ رغم الحصار فهاهـو يكون منتوجه وجهده بين دفتي كتاب؛ وهكـذا فالبدائل متوفرة؛ تبقى الإرادة والعقل .والتعقل والمبدأ الإنساني ساريا ؛ لأن هناك جيل ينادي بالمسرح التفاعلي؛ وسيتحقق

قد يعجبك ايضا