فادي السمردلي يكتب : التنمية الحقيقية في الأردن الاستثمار في الموارد لا في الهياكل

بقلم فادي زواد السمردلي  …..

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

في كل مرحلة اقتصادية صعبة يمر بها الأردن، يعود النقاش نفسه إلى الواجهة حول الحاجة إلى إنشاء هيئات أو مؤسسات جديدة لمعالجة المشكلات المتراكمة، وكأن الحل يكمن دائمًا في إضافة هياكل إدارية جديدة إلى منظومة تعاني أصلًا من الترهل وكثرة التشريعات غير أن الواقع الاقتصادي والمالي يشير بوضوح إلى أن المشكلة ليست في نقص المؤسسات، بل في ضعف استثمار الموارد الحقيقية المتاحة، وفي سوء توجيه الإنفاق العام بعيدًا عن القطاعات الإنتاجية القادرة على إحداث فرق ملموس في حياة المواطن والاقتصاد الوطني فالدولة التي تعاني من عجز مزمن في الموازنة وارتفاع في المديونية لا تملك ترف الإنفاق على مبانٍ جديدة أو أجهزة إدارية إضافية لا تنتج قيمة مضافة، بل تحتاج إلى قرارات جريئة تعيد ترتيب الأولويات وتضع الإنتاج في صلب السياسات العامة.

إن التجربة الأردنية خلال العقود الماضية أثبتت أن التوسع في إنشاء الهيئات والمؤسسات المستقلة لم ينعكس تحسنًا حقيقيًا في الأداء الاقتصادي، بل أدى في كثير من الأحيان إلى تضخم النفقات الجارية، وزيادة الرواتب والمخصصات، وتعقيد الإجراءات أمام المستثمر والمواطن على حد سواء فبدلًا من تسريع القرار الاقتصادي، أصبحت هذه الهيئات عبئًا إضافيًا، تستهلك الموارد دون أن تقدم حلولًا عملية للمشكلات الأساسية مثل البطالة، والفقر، وضعف النمو وما يزيد من خطورة هذا النهج أنه يرسخ ثقافة الاستهلاك الإداري بدل ثقافة الإنتاج، ويجعل الدولة أكبر رب عمل غير منتج، بدل أن تكون محفزًا للنشاط الاقتصادي الحقيقي.

في المقابل، يمتلك الأردن فرصًا حقيقية وغير مستغلة بالشكل الكافي في قطاعات أساسية، وعلى رأسها القطاع الزراعي. فرغم التحديات المرتبطة بشح المياه وتغير المناخ، ما يزال هذا القطاع قادرًا على لعب دور محوري في دعم الاقتصاد الوطني إذا ما جرى الاستثمار فيه بعقلية حديثة، تقوم على استخدام التقنيات المتطورة، وتحسين إدارة المياه، وربط الإنتاج بالتصنيع الغذائي والأسواق الخارجية فالزراعة ليست مجرد نشاط تقليدي، بل سلسلة اقتصادية متكاملة يمكن أن توفر فرص عمل واسعة، وتحد من الهجرة الداخلية، وتعزز الأمن الغذائي، وتخفف الضغط على العملة الصعبة من خلال تقليل الاستيراد وزيادة التصدير.

ولا يقل القطاع الصناعي أهمية عن الزراعة، فهو العمود الفقري لأي اقتصاد يسعى للنمو والاستقرار فدعم الصناعة الوطنية لا يعني فقط تقديم إعفاءات أو تسهيلات مؤقتة، بل يتطلب بنية تحتية متينة، وكلف طاقة ونقل معقولة، وتشريعات مستقرة تشجع المستثمر على التوسع لا التردد. فكل مصنع جديد أو توسعة صناعية تعني فرص عمل حقيقية، ونقل معرفة، وزيادة في الناتج المحلي، وتحسينًا في الميزان التجاري وعندما تضع الدولة الصناعة في مقدمة أولوياتها، فإنها تبني اقتصادًا أقل هشاشة وأكثر قدرة على مواجهة الأزمات.

أما الاستثمار في السدود ومشاريع المياه، فهو استثمار في مستقبل الأردن ذاته، وليس مجرد مشروع خدمي فالمياه تمثل التحدي الأكبر للأردن، وأي تنمية اقتصادية دون حل جذري ومستدام لهذا الملف ستبقى ناقصة فبناء السدود، وتحسين شبكات المياه، والحد من الفاقد، وتطوير مصادر بديلة، كلها مشاريع تعود فائدتها مباشرة على المواطن والزراعة والصناعة، وتقلل من كلفة الأزمات المتكررة التي تثقل كاهل الدولة والمجتمع.

كما أن تطوير البنية التحتية من طرق ونقل عام وطاقة لا يقل أهمية عن أي قطاع آخر، فهو الأساس الذي يقوم عليه النشاط الاقتصادي كله فالبنية التحتية الجيدة تخفض كلف الإنتاج، وتسهل حركة البضائع والأفراد، وتجذب الاستثمار المحلي والأجنبي، وتنعكس بشكل مباشر على جودة حياة المواطن وكل دينار يُنفق في هذا المجال هو استثمار طويل الأمد، بعكس الإنفاق على مبانٍ حكومية أو هيئات لا تنتج سوى مزيد من المصاريف الجارية.

إن الأردن اليوم بحاجة إلى تغيير في النهج لا في العناوين، وإلى سياسات تركز على ما ينتج لا على ما يستهلك، وعلى ما يخدم المواطن مباشرة لا على ما يوسع الجهاز الإداري فالتنمية الحقيقية لا تُبنى بزيادة عدد المؤسسات، بل بحسن إدارة الموارد، وتوجيه الاستثمار نحو قطاعات حقيقية قادرة على خلق قيمة مضافة، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وعندما يشعر المواطن أن السياسات الاقتصادية تنعكس على عمله ودخله ومستقبله، عندها فقط يمكن القول إن الأردن يسير في الطريق الصحيح نحو تنمية حقيقية ومستدامة.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا