الأستاذ حنا ميخائيل – إلى من أطلَّ على إحياء التّراث

زينة غنيم….. 

 

أكاديميّة، وباحثة دكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها
الجامعة الأردنيّة

– إلى من أطلَّ على إحياء التّراث
كان يفترض أن توسمَ هذه المقالة بما يوحي بمعاني الشّكر والتّقدير للكاتب الأستاذ حنّا ميخائيل سلامة ذي القلم الرّصين وهو غنيٌّ عن التّعريف، لكنّي عدلتُ عن ذلك العنوانِ الذي يمكنُ نعتُه بالتّقليدي إلى عنوانٍ آخرَ يحاكي المقالَ الذي كتبه الأستاذ الكبير حنّا ميخائيل سلامة عن باكورة مؤلّفاتي “إلى من أطلَّ على إحياء التّراث”.
يُعنى هذا المقال كما ذكرت آنفًا بعرض موقفي من القراءة النقدية الحصيفة للأستاذ حنا لكتابي الأول الموسوم بـ “جدليّة الأنا والآخر في الخطاب الشّعريّ في المفضليّات/ تجليّات البقاء والفناء في الخطاب الشعريّ لشعراء المفضليّات في ضوء علاقة الأنا بالآخر”؛ حيث زخر مقاله بملامح الثّقافة العالية ومظاهر الاحتفاء بالتّراث الشّعريّ العربيّ وتحديدًا الجاهليّ منه، ومن ينهض به.
فالقارئ لذلك المقال تتجلّى له منهجيّة الكاتب التي تقوم على الموضوعيّة في الحكم على ما عرض له الكتاب، كما يتلّمس دقّة عرض محاوره ومضامينه؛ إذ وقف على أهمّ القضايا القابعة بين دفتيه، مستهلًا ذلك بإلقاء الضوء على أهميّة الدّراسات الجادّة التي تنهض بالتّراث، مُقدرًا المنشغلين في تجديده وإحيائه.
كما نهج الكاتب الكبير المنهج العلميّ الرّصين المتجسّد في التعريف بالمُصنَّف محور هذه الدّراسة “المفضليّات”، والسبب الذي أنشئت لأجله بلغة سليمة جزلة، وأسلوب منظم حذق ذي وعي ودراية، حتى ليكاد الناظر إليها يظنّ أنه من سدنةِ هذا التراث، ومن أبرز الدّاعين إلى إحيائه بالدّراسة الجادّة التي تقوم على تحري الصّبر، وتوخي الإخلاص في معالجة مادّته وتناولها بالدّراسة والتّحليل في ضوء النّظريات والمناهج الحديثة التي تعلي من شأن الدّراسات التي ترمي إلى خدمة نصوصه؛ شعرًا كانت أم نثرًا، التي عزّ نظيرها في زمن الحداثةِ وتوابعها، ليعطي بذلك كلّ ذي حقّ حقّه.
ولعلّي أستميحُ قارئَ مقالي هذا عذرًا في الاسترسالِ في استعراضِ لغةِ الكاتبِ القديرِ الأدبيّةِ، ومنهجيّتِه العلميّةِ الصّارمةِ التي نلج إليها نحن الأكاديميّين في إعدادِ رسائِلنا وأطاريحِنا، إذ لمست من خلال ما جادت به قريحتُه اهتمامه بأدقّ التّفاصيل ذات الصّلة الوثيقة بالكتاب، حتّى إنّه لم يُغفِل تقديم الأستاذ الدكتور حمدي منصور الذي نلت شرف التّلمذة على يده ونهلتُ من علمِه وأفدت من خبرته في إقامة الدّراسة موضوع هذا الكتاب؛ إذ أحاطَ الكاتب بما ورد فيه إحاطةً شاملة تتّسم بالقراءة الواعية الدّقيقة التي تثري العمل وتغنيه بالملاحظات والتّعليقات التي تنّبه المتلقي إليه وتشدّه إلى قراءته.
وكان من اللّافت في ما كتبه الأستاذ حنّا الرّأي الذي استخلصه بعد قراءته الفاحصة للكتاب، وفي هذا السّياق يقول: “… وفي الحقيقة أنني تمعنت مليًّا في موضوعات الكتاب والقصائد الواردة فيه فوجدته ثريًّا بمحتوياته، ورأيت ألا يكون تحت نظر عشاق الأدب القديم فحسب، بل أن يكون محطّ نظر واهتمام الباحثين في علم النفس وعلم الاجتماع”، وأكادُ أُجزمُ بأنّي تنبّهت إلى مسألة مهمّة لا أبالغ ألبتةَ في القول إنّها لم تتبادر إلى ذهني تتمثل في إمكانيّة أن تندرج هذه الدّراسة ضمن قائمة اهتمامات المنشغلين في حقولِ معرفيّة أخرى تتصل اتّصالًا وثيقًا بالأدب، حتّى إنّها تكاد لا تنفصل عنه في معظم الأحيان، يمكن اختزالها في العلوم الإنسانيّة وما يتفرّع عنها؛ كالفلسفة وعلم النّفس وعلم الاجتماع، فالأدب وما يقوم عليه يحيل إلى تلك العلوم ولا يَحيد عنها.
وكان لزامًا عليّ أن أكتب مقالًا لا تكلّفًا فيه ولا صنعة، إذ إنّي لم أعمد إلى كتابته مجاملةً لا تليقُ بوسط الأكاديميّين ولا تتساوق مع نهجهم، فالإشادة بمن يقدّر موروثنا الأدبيّ على تعدّد أضربه وتنوّع أجناسِه، ويثني على من يحاول النّهوض به، وإنزال الناس منازلهم، وراء القصد والغاية.

زينة غنيم
أكاديميّة، وباحثة دكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها
الجامعة الأردنيّة

قد يعجبك ايضا