تونس تمرّ من “قضاء البحيري” إلى “قضاء سعيّد”!

الشرق الأوسط نيوز : عبارة صغيرة وردت في بلاغ وزارة الداخلية التونسية لتبرير الإفراج المفاجئ عن نائب رئيس حركة النهضة، نور الدين البحيري، أثارت جدلا سياسيا واسعا، دفعت البعض للحديث عن أن الرئيس قيس سعيد يستخدم القضاء لتصفية حساباته مع معارضيه، فيما اعتبر آخرون أن تونس تمر من “قضاء البحيري” (عبارة يستخدمها خصوم حركة النهضة لاتهامها بالسيطرة على القضاء التونسي، وهو ما تنفيه الحركة) إلى “قضاء سعيّد”، أي أن القضاء التونسي فقد استقلاله وبات خاضعا بشكل كلي لسيطرة الرئيس سعيد.

وكانت الداخلية التونسية أعلنت الإفراج عن شخصين (في إشارة للبحيري والمسؤول السابق في وزارة الداخلية، فتحي البلدي) اللذين يخضعان للإقامة الجبرية.

وقالت الوزارة إنه “تبعا لإرساء المجلس الأعلى المؤقت للقضاء بتاريخ اليوم 07 مارس 2022، فقد تقرّر في نفس هذا التاريخ إنهاء مفعول قراري الإقامة الجبرية ضد الشخصين المعنيين حتى يتولى القضاء إتمام ما يتعين في شأنهما من أبحاث وإجراءات عدلية”.

وعلّق الرئيس السابق منصف المرزوقي على البلاغ بالقول “عندما تقرأ بلاغ وزارة الداخلية بخصوص اطلاق سراح (شخصين ليس لهما اسم) تقيس عمق التدهور الأخلاقي وخطورة الردة السياسية التي تشهدها بلادنا. بغض النظر عن كونه كله يصرخ بجملة كاد المريب ان يقول خذوني، هو أيضا بأسلوبه الركيك وجمله الخشبية وتعلاته الواهية بالضبط وحرفيا ما كنا نسمع في عهد بن علي حيث التعذيب والقمع والفساد كله في إطار الديمقراطية وحقوق الإنسان. هؤلاء الأغبياء لا يتعلمون شيئا من الماضي. لكن نحن من يجب عليهم التعلم منه حتى لا تدوم هذه التراجيديا الكوميدية، فكل يوم يدومه هذا النظام يوم ضائع على تونس. عادت الأفعى لا بد من العودة لها بالنعال”.

وكتب القاضي حمّادي الرحماني، ساخراً “هذا يعني أن الرئيس سعيد وضع البحيري في الإقامة الجبرية كي يأخذ القضاء الخاص به ويسجله باسمه، ومن ثمّ يطلق سراحه!”.

وأوضح أكثر في تدوينة أخرى بعنوان “من قبضة البوليس إلى قضاء الرئيس”: “وزير الداخلية يرفع الإقامة الجبرية عن البحيري والبلدي تزامنا مع إرساء المجلس المنصب للقضاء ليوحي بأن القضاء في ظل سيطرة الرئيس عليه أصبح فجأة يوثق به لمحاكمة المتورطين في الإرهاب والفساد. وكأن المجلس الجديد جاهز لتنفيذ المهمة التي جيء به من أجلها وهي تشكيل المشهد القضائي والمحاكم بطريقة تسمح بتصفية المعارضين للانقلاب والمنتقدين دون حاجة لإجراءات إدارية فاضحة ومكلفة سياسيا وغير مضمونة النتائج كالإقامة الجبرية”.

وكتب الخبير الأممي عبد الوهاب الهاني “يبقى القضاء التُّونسي والدُّولي مختصًّا بمحاسبة جرائم الإخفاء القسري والاحتجاز التَّعسُّفي، رغم البلاغ السّخيف لوزير الدَّاخليَّة في حكومة التَّدابير الاستثنائيَّة الَّذي برَّر إنهاء الاحتجاز التَّعسُّفي بـ”إرساء المجلس الأعلى المؤقت للقضاء بتاريخ اليوم 07 مارس 2022″، لأنَّ الأمر عدد 50 لسنة 1978 اللَّادستوري والذي اعتمد لتبرير التَّعسُّف ينصُّ على إنتهاء الوضعيَّة الَّتي تهدِّد الأمن العام، والدُّستور ينصُّ بوضوح في فصله التَّاسع والأربعين على تقييد أيَّة إجراءات استثنائيَّة حتَّى لا تمسَّ بالحقوق وبالحُرِّيَّات إلَّا في الحدود القانونيَّة الضَّيِّقة الضَّروريَّة لدرء الخطر فقط”.

وأضاف، في تدوينة على موقع فيسبوك، “وجب على القضاء المستقل التَّحقيق في ملابسات الانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان الَّذي ارتكبه وزير الدَّاخليَّة وكل من يكشف عنه البحث، بتعطيل الحماية القانونيَّة للحقوق وبارتكاب جرائم الإخفاء القسري والاحتجاز التَّعسُّفي والتَّعسُّف في استعمال الوظيفة لغايات قمع الخصوم والإساءة للقضاء وتشويه سمعة السُّلطة التَّنفيذيَّة في الدَّاخل وسمعة تونس في الخارج”.

وكان قيس سعيد أشرف، الإثنين، على موكب أداء اليمين من قبل أعضاء المجالس المؤقتة للقضاء العدلي والإداري والمالي، ليشكلوا بذلك نواة للمجلس الأعلى المؤقت للقضاء، وهو ما اعتبره حقوقيون “يوماً أسود” في تاريخ استقلال القضاء التونسي.

وأدانت تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية ما سمّته “الخطوة الانقلابية الجديدة على السلطة القضائية الشرعية”، معتبرة أن “إصلاح المنظومة القضائية لا يمكن أن يتم في إطار إجراءات استثنائية واستنادا إلى مرسوم غير دستوري وغير شرعي وفي حكم المعدوم”.

وتساءلت، في بيان أصدرته الثلاثاء، “كيف يمكن للشعب ائتمان كبار قضاة سبق لهم أن أقسموا اليمين على احترام الدستور، وهم يقسمون اليوم مجددا على احترام الدستور عند تنصيبهم في مجلس سطو رئاسي على السلطة القضائية خلافا للدستور، وكانت أكدت الهيئات القضائية والحقوقية عدم شرعيته وخرقه للدستور وضربه لاستقلالية القضاء، ليس وطنيا فحسب بل ودوليا كذلك من خلال المواقف الرافضة لحل المجلس الشرعي للقضاء والصادرة عن المفوضة السامية لحقوق الإنسان والاتحاد الدولي للقضاة”.

ودعت “كافة القوى الحية في البلاد للحوار الجدي والبناء لدرء المخاطر الجمة التي تتهدد القضاء التونسي، وللحيلولة دون إرساء قضاء التعليمات الوظيفي ونسف بعض المكاسب التي تحققت، وكيفية تعزيز سلطة قضائية تكون حامية لحقوق وحريات المواطنين، ومستقلة عن السلطة التنفيذية وعن مراكز النفوذ المختلفة، وبصفة أعم من اجل وضع تصور مشترك لوضع حد للحكم الفردي الزاحف، والاستبداد الذي يكشر عن أنيابه ويتهدد الجميع، وسيأتي لا محالة، إن تواصل الأمر على ما هو عليه، على الأخضر واليابس”.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا