الأردنيّون يحيون اليوم الذكرى 54 لمعركة الكرامة

الشرق الأوسط نيوز : تُصادف اليوم الاثنين، ذكرى معركة الكرامة التي بدأت فجر 21 مارس/ آذار، عام 1968 بين الجيش الأردني، وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وانتصر فيها الأردن بعد قتال استمر 15 ساعة.

معركة الكرامة أسفرت عن استشهاد 86، وجرح 108 آخرين، وتدمير 13 دبابة، و39 آلية مختلفة للأردن، كما تفيد إحصاءات للجيش العربي.

لكن في المقابل قٌتل في المعركة 250 من القوات “الإسرائيلية”، وجرح 450 آخرون، ودمرت 88 آلية مختلفة، شملت 47 دبابة، و18 ناقلة، و24 سيارة مسلحة، و19 سيارة شحن، وأسقطت 7 طائرات مقاتلة.

ووفق مديرية الإعلام العسكري في القوات المسلحة الأردنية، فإن يوم الكرامة من الأيام الخالدة في تاريخ الأمة، وله في نفوس أبناء الأسرة الأردنية الواحدة أعظم الذكرى والاعتزاز والفخار، حين سطّر نشامى الجيش العربي بدمائهم الزكية وأرواحهم النقية أروع ملحمة بطولية.

وسجل النشامى أول نصر تاريخي على الجيش” الإسرائيلي” المتغطرس، وحطموا أسطورته وأذلوا كبرياءه وغروره، ونقشت الكرامة الخالدة بطولات الجيش العربي على صفحات التاريخ المشرق، فعانقت أمجاد أجدادنا في حطين واليرموك وعين جالوت، وظل الجيش العربي عبر تاريخه المجيد المثل في التضحية والبطولة، تفخر الأمة وتتباهى بمواقفه الكبيرة في الذود عن حياض الوطن والعروبة.

معركة الكرامة سجل المجد وكتاب الخالدين سطّر خلالها البواسل الأبطال أنصع البطولات وأجمل الانتصارات على ثرى الأردن الطهور، وظلت أرواح الشهداء ترفرف في فضاء الأردن، فوق سهوله وهضابه وغوره وجباله، وتسلم على المرابطين فوق ثراه الطهور، ويتفتح دحنون غور الكرامة على نجيع دمهم الزكي، وتسري في العروق رعشة الفرح بالنصر ونشوة الافتخار بهذا الجيش العربي الهاشمي.

وأهداف “إسرائيل” من غزوها للأرض الأردنية يمكن تلخيصها، بمحاولة تحطيم القدرات العسكرية للقوات والقيادة الأردنية وزعزعة الثقة بنفسها بعد حرب حزيران، حيث بقيت قواتنا ثابتة بحيويتها ونشاطها وتصميمها على الكفاح من أجل إزالة آثار العدوان، وكانت القيادة “الإسرائيلية” تعتقد أن الجيش الأردني أصابه الوهن بعد حرب حزيران، فأخطأت التقدير لأن القيادة الأردنية عملت على إعادة التنظيم وبسرعة فائقة، واحتلت مواقع دفاعية جديدة على الضفة الشرقية لنهر الأردن، لتبقى روح القتال والتصميم في أعلى درجاتها.

ومع أن “إسرائيل” أعلنت أنها قامت بالهجوم لتدمير قوة المقاومين العرب في بلدة الكرامة، إلا أن الهدف من هذا العدوان كان مغايراً تماماً لهذا الإعلان، فالهدف كان احتلال المرتفعات الشرقية من المملكة (البلقاء)، والاقتراب من العاصمة عمّان للضغط على القيادة الأردنية لقبول شروط الاستسلام التي تفرضها إسرائيل، والعمل على توسيع حدودها بضم أجزاء جديدة من الأردن إليه.

ومن أهداف إسرائيل للغزو أيضا، محاولة احتلال أراض أردنية شرقي النهر والتشبث بها بقصد المساومة عليها، وذلك نظراً للأهمية الاستراتيجية لهذه المرتفعات الأردنية ولزيادة العمق الاستراتيجي “الإسرائيلي”، وضمان الأمن والهدوء على طول خط وقف إطلاق النار مع الأردن، وتوجيه ضربات مؤثرة وقوية للقوات الأردنية التي كانت توفر الحماية والدعم والمساندة للمقاومين العرب، وزعزعة المعنويات لدى الأردنيين القاطنين في منطقة الأغوار، من أجل نزوحهم من أراضيهم ومزارعهم ليشكلوا أعباء جديدة على الدولة، وحرمان المقاومة العربية من وجود قواعد لها بين السكان، بالإضافة إلى المحافظة على الروح المعنوية للجيش والشعب الصهيوني، بسبب عدم التجانس بين الغالبية العظمى منهم في التركيبة السكانية التي جاءت على شكل هجرات صهيونية إلى أرض فلسطين، والتخوف من إحاطة العرب بهم، فأراد العدو أن يقوم بهذه العملية لإزالة حالة الرعب السائدة بين قطاعات الجيش والشعب اليهودي.

ومن أهداف إسرائيل لغزو الأراضي الأردنية، الأطماع الصهيونية بالمرتفعات الشرقية من الناحية العسكرية والاستراتيجية والاقتصادية، فمناطق الأغوار غنية بالمصادر المائية والزراعية وتشكل مصدراً اقتصادياً استراتيجياً مهماً بالنسبة للأردن.

لموقع معركة الكرامة أهميةٌ من الناحية الدينية، فهي تمثل أرض الرباط في سبيل االله ضمن منطقة بلاد الشام، امتثالاً لقول الرسول صلى االله عليه وسلم “بلاد الشام في الرباط إلى يوم القيامة”، بالإضافة لوجود العديد من المساجد وأضرحة الصحابة رضوان الله عليهم في منطقة الأغوار، مثل أبي عبيدة عامر بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ومعاذ بن جبل.

أما أهمية هذه المنطقة الجغرافية والاستراتيجية، فإنها تشكل نقطة المركز في قلب الوطن العربي، فهي أشبه ببوابة تعبر منها الجيوش الذاهبة إلى فلسطين، سواء كانت هذه الجيوش قادمة من الشرق أم من الغرب، والشمال أم الجنوب، وقد كانت مسرحاً لمعارك فاصلة في التاريخ الإسلامي، وبوابة للانتصارات التي حققت للأمة الإسلامية هيبتها وكرامتها ومكانتها ونشر رسالة الحق والعدل والإنسانية كمعركة حطين وعين جالوت. ومنطقة غور الأردن منطقة منخفضة تقع بين سلسلتين جبليتين متناسقتين، هما سلسلة الجبال الغربية وسلسلة الجبال الشرقية، وهي غنية بالمصادر الزراعية والمائية والأشجار، فتنتج الخضراوات والفواكه وهي مناطق رعوية جيدة، أما مصادرها المائية فتتمثل في نهر الأردن – بحيرة طبريا – البحر الميت وقناة الغور الشرقية، إضافة إلى العديد من العيون المائية والبرك والآبار، فالغور عصب الحياة الزراعية والاقتصادية بالنسبة للأردن.

ويقع في الغور طريق عرضي يمتد من الحمة الأردنية وحتى العقبة، أما الطرق الواصلة بين المرتفعات الشرقية والغربية فهي الجسور (جسر الملك حسين، جسر الملك عبداالله، جسر الأمير محمد)، وتتميز المنطقة بشقيها الشرقي والغربي بصعوبة المواصلات ووعورة المسالك والارتفاعات الشاهقة ووجود الأشجار والمقاطع الصخرية المنحدرة، وهي منطقة استراتيجية حيث مكامن الأفراد ضد الآليات وإعاقة حركتها في حال أي تقدم من قوات العدو كما حدث في معركة الكرامة.

1- القوات الصهيونية : نتيجة للمعلومات التي توفرت من مصادر الاستخبارات ومشاهدة أرض المعركة، كانت القوات “الإسرائيلية” تقدر بفرقة مدرعة (+) مع أسلحتها المساندة إضافة إلى سلاح الجو وكما يلي: اللواء المدرع السابع، اللواء المدرع 60، لواء المشاة الآلي 80، كتيبة مظليين من لواء المظليين 35، خمس كتائب مدفعية ميدان ومدفعية ثقيلة، أربعة أسراب طائرات مقاتلة ميراج، مستير، عدد من طائرات الهيلوكبتر القادرة على نقل كتيبتين دفعة واحدة، كتيبة هندسة مدرعة.

2- القوات الأردنية: فرقة المشاة الأولى وتدافع عن المنطقة الوسطى والجنوبية ابتداءً من سيل الزرقاء شمالاً وحتى العقبة جنوباً، وكانت موزعة على النحو التالي: لواء حطين يحتل مواقع دفاعية على مقترب ناعور، لواء الأميرة عالية يحتل مواقع دفاعية على مقترب وادي شعيب، لواء القادسية يحتل مواقع دفاعية على مقترب العارضة، يساند لواء الأمير الحسن بن طلال المدرع 60، فرقة المشاة الأولى حيث كانت إحدى كتائبه موزعة على الألوية وكتيبة بدور الاحتياط للجيش في منطقة طبربور، تساند الفرقة 3 كتائب مدفعية ميدان وسرية مدفعية ثقيلة، تساند الفرقة كتيبة هندسة ميدان.

بدأت معركة الكرامة الخالدة عند الساعة (5.30) من صباح يوم 21 آذار 1968، واستمرت 16 ساعة من القتال، ومن خلال مجرى الحوادث وتحليل العمليات القتالية اتضح أن القوات الإسرائيلية المهاجمة بنت خطتها على 3 مقتربات رئيسية ومقترب رابع تضليلي، لتشتيت جهد القوات المسلحة، وجميع هذه المقتربات تؤدي حسب طبيعة الأرض والطرق المعبدة إلى مرتفعات السلط وعمّان والكرك، وكانت المقتربات كالتالي:

1-     مقترب العارضة: من جسر الأمير محمد (داميا) إلى مثلث المصري إلى طريق العارضة الرئيسي إلى السلط.

2- مقترب وادي شعيب: من جسر الملك حسين إلى الشونة الجنوبية، إلى الطريق الرئيسي المحاذي لوادي شعيب ثم السلط.

3- مقترب سويمة: من جسر الأمير عبدالله إلى غور الرامة إلى ناعور ثم إلى عمّان.

4- محور غور الصافي: من جنوب البحر الميت إلى غور الصافي وغور المزرعة إلى الطريق الرئيسي حتى الكرك.

واستخدم “الإسرائيليون” على كل مقترب من هذه المقتربات، مجموعات قتال مكونة من المشاة المنقولة بالآليات نصف المجنزرة والدبابات، تساندهم على كل مقترب مدفعية الميدان والمدفعية الثقيلة ومع كل مجموعة أسلحتها المساندة المقاومة للدروع من مدافع 106ملم والهاون مع إسناد جوي كثيف على المقتربات كافة.

نظراً لغرور “الإسرائيليين” قام الحاكم العسكري “الإسرائيلي” للضفة الغربية بدعوة رؤساء البلديات في الضفة إلى قيادته، وأبلغهم أنهم مدعوون لتناول طعام الغداء معه في عمّان والسلط، وما كان لهذا الهوس أن يقهر، لولا وقفة الجيش العربي في وجه القوات المهاجمة، حيث قاتل رجاله بكل شجاعة وتضحية مستخدماً ما هو متاح له بأفضل السبل، ونجد أن الهجوم الإسرائيلي خطط على أكثر من مقترب.

وهذا يؤكد مدى الحاجة لهذه المقتربات لاستيعاب القوات المهاجمة، وبشكل يسمح بإيصال أكبر حجم من تلك القوات وعلى اختلاف أنواعها وتسليحها وطبيعتها إلى الضفة الشرقية، لإحداث خرق ناجح في أكثر من اتجاه يتم البناء عليه لاحقاً ودعمه للوصول إلى الهدف النهائي، وكانت الغاية من اتساع جبهة المعركة وتعدد المقتربات، تشتيت الجهد الدفاعي لمواقع الجيش العربي وتضليلها عن الهجوم الرئيسي، وهذا يؤكد أن القوات الموجودة في المواقع الدفاعية كانت قوات منظمة أقامت دفاعها على سلسلة من الخطوط الدفاعية بدءاً من النهر وحتى عمق المنطقة الدفاعية، الأمر الذي لن يجعل اختراقها سهلاً أمام المهاجم، كما كان يتصور، لا سيما وأن المعركة جاءت مباشرة بعد حرب عام 1967.

الملك الحسين: “فلقد كنتم جميعاً والله أمثولةً يعز لها النظير في العزم والإيمان”.

لعب سلاح المدفعية والدروع الملكي وقناصو الدروع دوراً كبيراً في معركة الكرامة، وعلى طول الجبهة وخاصة في السيطرة على جسور العبور، ما منع الجيش الإسرائيلي من دفع أي قوات جديدة لإسناد هجومه الذي بدأه، وذلك نظراً لعدم قدرته على السيطرة على الجسور خلال ساعات المعركة، وأدى ذلك إلى فقدان القوات “الإسرائيلية” المهاجمة لعنصر المفاجأة، وساهم بشكل كبير في تخفيف زخم الهجوم وعزل القوات المهاجمة شرقي النهر وبشكل سهل التعامل معها واستيعابها وتدميرها.

واستمر دور سلاح الدروع والمدفعية الملكي وجميع الأسلحة المشاركة وعناصر المشاة بشكل حاسم طيلة المعركة من خلال حرمان” الإسرائيليي”ن من محاولة إعادة البناء على الجسور القديمة، وحتى نهاية المعركة، وهذا يؤكد أن معركة الكرامة خاضها الجيش العربي وهو واثق من نفسه، وأن الجهد الذي بذل خلالها ما كان جهداً ارتجالياً بل كان جهداً دفاعياً شرساً ومخططاً بتركيز على أهم نقاط التقتيل للقوات المهاجمة لكسر حدة زخمها وإبطاء سرعة هجومها.

بدأ الجيش العربي قتاله في معركة الكرامة منذ اندلاع شرارتها الأولى وتقدم القوات المهاجمة، حيث يقول اللواء مشهور حديثة: “في الساعة (5.20) أبلغني الركن المناوب أن العدو يحاول اجتياز جسر الملك حسين، فأبلغته أن يصدر الأمر بفتح النار المدمرة على حشود العدو”، لذلك كسب الجيش العربي مفاجأة النار عند بدء الهجوم على القوات الصهيونية، ولو تأخر في ذلك لأتاح للقوات المهاجمة الوصول إلى أهدافها بالنظر إلى قصر مقتربات الهجوم، في ظل حجم القوات التي تم دفعها وطبيعتها، وسرعة وزخم هجومها بالإضافة إلى سهولة الحركة فوق الجسور القائمة”.

لقد استطاعت القوات الأردنية وخاصة سلاح المدفعية حرمان القوات الصهيونية من حرية العبور حسب المقتربات المخصصة لها، ودليل ذلك أن القوات “الإسرائيلية” التي تكاملت شرقي النهر كانت بحجم فرقة، وهي القوات التي عبرت في الساعة الأولى من الهجوم، وبعدها لم تتمكن القوات المهاجمة من زج أية قوات جديدة شرقي النهر، بالرغم من محاولتهم المستميتة للبناء على الجسور التي دمرت، ومحاولة بناء جسور حديدية لإدامة زخم الهجوم والمحافظة على زمام المبادرة، مما أربك المهاجمين وزاد من حيرتهم، وخاصة في ظل شراسة المواقع الدفاعية ومقاومتها الشديدة.

المصدر : بترا

 

قد يعجبك ايضا