السودان: سقوط قتلى وجرحى في تظاهرات مليونية… والخزانة الأمريكية تفرض عقوبات على شرطة الاحتياطي المركزي

الشرق الأوسط نيوز : قتل متظاهر وأصيب العشرات برصاص الأجهزة الأمنية خلال مشاركتهم، أمس الاثنين، في تظاهرات مناهضة للانقلاب العسكري ومنددة بارتفاع وتيرة العنف والاعتقالات في البلاد. وبسبب استخدامها القوة المفرطة في مواجهة المتظاهرين، أعلنت الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على قوات الاحتياطي المركزي التابعة للشرطة السودانية، مؤكدة تورطها في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
وفي وقت توجه القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان إلى المملكة العربية السعودية، في زيارة تستمر ليوم واحد، حسب إعلام المجلس السيادي، سيجري خلالها مباحثات مع القادة السعوديين حول العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك. وأكدت مصادر لـ”القدس العربي” أن الزيارة ستناقش إمكانيات التعاون الاقتصادي بين البلدين، فضلاً عن قضايا تخص أمن البحر الأحمر.
وتأتي زيارة البرهان للرياض في ظل أزمة سياسية واقتصادية وأمنية حادة يشهدها السودان، تفاقمت بعد انقلاب العسكريين في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ورغم مضي أربعة أشهر على الانقلاب العسكري في السودان، لم يستطع قادته تسمية رئيس وزراء أو حكومة، بينما اكتفوا بتكليف عدد من الوزراء مؤخراً، بينما يتواصل قمع الأجهزة الأمنية للتظاهرات الرافضة للانقلاب، واعتقال عدد من قادة الحرية والتغيير ولجنة إزالة التمكين.
وعقب اجتماع نظمته السفارة السعودية، الشهر الماضي، في مقرها بحي العمارات وسط الخرطوم بين قيادات في الحرية والتغيير وقادة عسكريين في إطار تسوية كانت تطرحها الرياض، اعتقلت السلطات المدنيين المشاركين في الاجتماع، تباعاً، وكان آخرهم الرئيس التنفيذي للتجمع الاتحادي بابكر فيصل، الأسبوع الماضي.
وندد المجلس المركزي للحرية والتغيير، باعتقال الأجهزة الأمنية لعدد من قيادات قوى إعلان الحرية والتغيير وأعضاء لجنة إزالة التمكين، التي جمدها البرهان عقب الانقلاب. وقالت في بيان أمس، إن “قياداتها رهن الاعتقال السياسي والتعسفي بسجون السلطة الانقلابية، بذريعةِ بلاغاتٍ كيدية، القصد منها توفير غطاء قانوني زائف لهذا الاعتقال”.
وأضافت: “يستمر الاعتقال والحرمان من الحقوق مع عدم التحري مع بعضهم، رغم مرور عدة أسابيع، بينما يتعرض عضو المكتب التنفيذي لقوى إعلان حرية والتغيير وعضو اللجنة العليا للجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال العامة، المُعتقل طه عثمان إسحق، إلى إهدارٍ مُتعمد لحقه في الحصول على الرعاية الطبية لمدة عشرة أيام، مشيرة إلى معاناته من إصابةٍ سببت التهاباً بالقدم والساق تتطلب التدخل الطبي لمعالجتها وربما تحتاج لتدخل جراحي”.
ورغم تفاقم الالتهاب وتراكم الصديد في رجله المصابة، لم توفق الأجهزة الأمنية على الطلب الذي تقدمت به هيئة الدفاع عنه لإحالته للطبيب المختص حتى الآن، يقول البيان.
وحمل المجلس المركزي للحرية والتغيير قادة الانقلاب ومساعديها في الأجهزة الأمنية والعدلية كامل المسؤولية عن سلامة وصحة طه وكافة المعتقلين، مؤكدة أن السجون والمعتقلات وكل أشكال القمع لن تزيد الشعب السوداني إلا إصراراً على مقاومتها وهزيمتها واسترداد مسيرة التحول المدني الديمقراطي.
إلى ذلك، أعلنت لجنة إزالة التمكين، التي جمدها قائد الجيش عقب الانقلاب العسكري، شروعها منذ مساء الاثنين في نشر أبرز قضايا فساد النظام السابق والمتورطين في الانقلاب بعد 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مؤكدة استمرارهم في نهج النظام السابق.
وقالت في بيان، أمس: “سنطلع الشعب السوداني على الكيفية التي كان يدير بها نظام المؤتمر الوطني فساده داخل المؤسسات وصولاً لشرعنة الفساد داخلها، وسننشر جميع المستندات والوثائق مقابل الحيثيات التي استندت إليها اللجنة في قراراتها”. وأضافت: “سيطلع الشعب كذلك على خطورة هذا الانقلاب على مكتسبات الثورة وإعادة ثروات الشعب وموارد الاقتصادية إلى فئة قليلة متنفذة”. وتابعت أنه سيعلم الجميع لماذا يتم محاربة لجنة إزالة التمكين بهذه الصورة ولماذا يقبع قادتها تعسفياً في معتقلات السلطة الانقلابية، مشددة على أن “النظام السابق لن يعود بأمر سلطة الشعب، وأن كل محاولات الانقلابيين لإعادتهم إلى المشهد ستُقبر مع هذا الانقلاب”.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أصدر قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، قراراً بتكوين لجنة إزالة تمكين النظام السابق واسترداد الأموال العامة، وإنفاذ قانون أقره مجلس الوزراء بتفكيك “نظام الإنقاذ” وحظر نشاط حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً، ومصادرة أمواله.
لكنه بعد الانقلاب، جمد اللجنة التي يترأسها العضو العسكري في المجلس السيادي ياسر العطا، بشغل عضو المجلس السيادي محمد الفكي منصب النائب، ويضم فريقها أعضاء من وزارة الدفاع والداخلية، والعدل، والحكم الاتحادي، والمالية، بالإضافة إلى المخابرات العامة، والدعم السريع، والبنك المركزي، وديوان المراجع العام، وقوى الحرية والتغيير.
وبعد الانقلاب، اعتقلت الأجهزة الأمنية معظم قيادات لجنة التفكيك التي نشرت خلال عملها عدداً من ملفات فساد النظام السابق وصادرت أموالاً وممتلكات لقادة سياسيين ورجال أعمال يتبعون حزب المؤتمر الوطني.
وفي وقت يتواصل إضراب المعلمين المفتوح في مدن السودان المختلفة، رفضاً للتعامل العنيف لقوات الاحتياط المركزي مع معلمين في دارفور،
شارك الآلاف، أمس، في تظاهرات غير مركزية في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، رفضاً للانقلاب العسكري والعنف ضد المعلمين وغلاء المعيشة. وواجهت الأجهزة الأمنية التظاهرات التي توجهت من مدينة الخرطوم إلى القصر الرئاسي بإطلاق الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية بكثافة، وكسر الطوق الأمني على امتداد المنطقة من شارع “كاترينا” وسط الخرطوم، وصولاً إلى شارع القصر القريب من القصر الرئاسي.
وتظاهر الآلاف في مدينة أم درمان وبحري، منددين بالعنف ضد المعلمين، واستمرار الانقلاب العسكري.
وشيعت جموع كبيرة صباح أمس الطفل مقام الدين عبد الهادي، الذي توفي مساء الأحد متأثراً بإصابته برصاص الأجهزة الأمنية، في تظاهرات الخميس الماضي. وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية أمس عن مقتل متظاهر في مدينة أم درمان برصاصة في الصدر، في وقت أصيب العشرات برصاص الأجهزة الأمنية.
وأكدت، الأحد، وفاة مقام الدين البالغ من العمر 13 عاماً، بعد معاناة في العناية المكثفة استمرت ليالي قاسية ومتابعات لصيقة إثر إصابته بطلق ناري في الرأس من قبل قوات الأمن في مواكب مدينة أم درمان، ليرتفع عدد القتلى منذ انقلاب العسكريين إلى 89، بينهم 14 طفلاً.
وقالت لجنة الأطباء المركزية في بيان أمس: “استمرت القوات الانقلابية باستخدام العنف والقمع المفرط، واستخدام الرصاص الحي بجميع أنواعه وأشكاله دون أي وازع إنساني أو أخلاقي، وما تزال تواصل انتهاكاتها بحق الشعب السوداني الذي يسير المواكب السلمية باستمرار ويستخدم كل أدوات المقاومة اللاعنفية المكفولة في كل القوانين والدساتير المحلية والدولية”.
وفي الأثناء، دعت السفارة الأمريكية في الخرطوم، للحذر خلال تحركاتهم، متوقعة حدوث أعمال عصيان مدني في الخرطوم وربما في ولايات أخرى خلال الأيام المقبلة، فضلاً عن التظاهرات المركزية واللامركزية.
ولفتت إلى احتمال إغلاق الطرق من قبل المتظاهرين، وإغلاق قوات الأمن الجسور، بينما قد تستمر الاحتجاجات غير المعلنة وأعمال العصيان المدني الأخرى في الأسابيع المقبلة، بالإضافة إلى احتجاجات منظمة بشكل أكبر.
وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على قوات الاحتياط المركزي التابعة للشرطة، متهمة إياها بالتورط في انتهاكات لحقوق الإنسان.
وقالت في بيان أمس: “صنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، أمس، شرطة الاحتياطي المركزي، لارتكابها انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، واستخدامها القوة المفرطة ضد المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية الذين تظاهروا سلمياً ضد الإطاحة بقيادة الجيش للحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون في السودان.
وحدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بموجب الأمر التنفيذي رقم 13818، قوات الاحتياط المركزي كقوات أجنبية مسؤولة ومتواطئة ومشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وبناء على القرار، حظرت الولايات المتحدة جميع ممتلكات ومصالح قوات الاحتياط المركزي الموجودة في الولايات المتحدة أو التي تأتي داخل الولايات المتحدة، أو التي في حوزة الأشخاص الأمريكيين أو تحت سيطرتهم، مؤكدة على ضرورة الإبلاغ عنها إلى مكتب مراقبة الأصول الأجنبية.
وحظرت لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بشكل عام جميع المعاملات التي يقوم بها الأشخاص الأمريكيون أو داخل (أو عبر) الولايات المتحدة والتي تنطوي على أي ممتلكات أو مصالح في ممتلكات الأشخاص المحددين. وقال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، برايان نيلسون: “منذ استيلاء الجيش على السلطة في 25 أكتوبر /تشرين الأول، استخدمت شرطة الاحتياطي المركزية السودانية القوة المفرطة والعنف بهدف إسكات النشطاء المدنيين والمتظاهرين”.
وأكد إدانة واشنطن للأجهزة الأمنية السودانية لقتلها ومضايقتها وترهيب المواطنين السودانيين، لافتاً إلى أن استخدام العنف أدى إلى تفاقم الأزمة في السودان. وأضاف: “ما يحدث من قمع مفرط للمعارضين يناقض بشكل مباشر التزام الأجهزة الأمنية السودانية المعلن بالمشاركة بشكل بناء في عملية مُيسرة لحل الأزمة السياسية في السودان والعودة إلى الانتقال الديمقراطي”.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا