أوقاف «الوزير» في مواجهة «مسلمي الإخوان»… الأردن بعد معركة «تحفيظ القرآن» يسأل: أيهما «يهاجم بشراسة» الآخر؟
الشرق الأوسط نيوز : أي قراءة ولو على سطح الحدث في الاشتباك الذي ينتجه الآن وزير الأوقاف الأردني الدكتور الشيخ محمد الخلايلة، تظهر مجدداً مسألتين: الأولى، صعوبة التدقيق في الروايات عندما تتحرش السلطة بالمعارضة الوطنــية أو العــكس.
والثانية توفر مادة سياسية أو عابرة للقرار البيروقراطي السياسي تشير إلى أن بعض الأطراف في المعادلة الرسمية المحلية لديها رغبة ما، ولغرض مجهول، في العودة لمربع الاشتباك مع جماعة الإخوان المسلمين رغم أنها اليوم جماعة أميل إلى الهدوء الشديد والنعومة وترشيد الاشتباك في القضايا الشعبية أو الشعبوية والزهد بالعمل السياسي خلافاً لأنها ترسل، ولو عن بعد، رغبات الحوار والتلاقي مع الإدارة العليا للدولة ومع الحكومة وحتى مع المستوى السيادي والملكي.
يبدو أن الطاقم الذي يدير الشؤون الدينية حصرياً لديه تصور مختلف، لكن غير معروف حتى اللحظة ما إذا كان هذا التصور يمثل الحكومة الحالية أو متوافق عليه أو لديه أجندة أبعد وأعمق مما يقال على سطح الاشتباك الجديد، حيث وزارة الأوقاف تهاجم وبخشونة بيروقراطية واضحة الملامح الحركة الإسلامية الأردنية وترسل الاتهامات حصراً للجزء المتعلق بجماعة الإخوان المسلمين منها.
تحصل بطبيعة الحال مثل هذه المماحكات بسبب، في الأردن، وأحياناً دونه. لكن وفي الجولة الأخيرة من افتعال مواجهة مع الإسلاميين تحت عنوان شرعي ديني ووقفي تنظيمي هذه المرة، تبدو الأسباب غامضة حتى اللحظة على الأقل.
التعاطي بإيجابية
والتعبير الحزبي المباشر عن الحركة الإسلامية ممثلاً بحزب جبهة العمل الإسلامي، لا يرد ولا يشتبك أو يعلق على مسار الاتهامات وسط انطباع بأن عودة طاقم الأوقاف حصراً إلى مربع الصراع مع الإخوان المسلمين أو غيرهم في توقيت حساس وحرج، لا بل يمكن الاستغناء عنه ليس فقط بسبب حساسية الأوضاع في الإقليم ولا تلك الكيمياء التي بقيت رابطاً بين الدولة والتيار الإسلامي، لكن أيضاً بسبب صعوبة تفكيك ألغاز المواجهات عندما تفتعلها أو تركب موجهتها بعض التعبيرات البيروقراطية في الحكومة، مع أن المناخ الوطني العام يؤشر على حكومة محظوظة وفقاً لتعبير عضو مجلس الأعيان الدكتور محمد المومني، وهو يصر على لفت نظر «القدس العربي» وغيرها إلى وجود خطط ومشاريع وطنية أفقية اليوم منتجة، من بينها مشروع تحديث المنظومة السياسية، وآخر تحت عنوان الرؤية الاقتصادية، وثالث يطهى على نار هادئة بعنوان القطاع العام والإصلاح الإداري.
يميل المومني وغيره إلى التعاطي بإيجابية مع التحذير من أي محاولات لاستغلال الظرف العام ومن جهة أي مكون سياسي في الشارع. في المقابل، فجأة وبدون خلفيات أو سندات بملامح واضحة أو تفصيلية، يقرر الوزير الخلايلة توجيه اتهام علني للإخوان المسلمين؛ فهم – برأيه – «يهاجموننا»، ويقصد وزارته وشخصه، وهم يقومون بهجمة شرسة على الوزارة وشخص الوزير. وأعلن الخلايلة ذلك، لكن المراقب العام يحاول استكشاف مظاهر تلك الهجمة الشرسة وسط الانطباع بحصول أداء رسمي عكسي تماماً، حيث لا بيانات حتى اللحظة باسم جماعة الإخوان المسلمين ضد الحكومة أو الوزارة أو الوزير، ولا وقفات احتجاجية، ما يعني ضمناً وجود خلفية سياسية ضمن احتياجات الاشتباك الذي قد يكون مشروعاً لتسليط الضوء على مثل هذه الاتهامات بعد سلسلة مبادرات ورسائل من الحركة الإسلامية تنشد الحوار والتلاقي في ظرف حرج وحساس يحتاج فيه الوطن للجميع، ولنبذ الخلافات والخلافات الشخصية، كما يلاحظ القيادي الإخواني الشاب الدكتور رامي العياصرة، وهو يتحدث لـ«القدس العربي» عن هجوم شرس من «أوقاف الوزير» على الإسلاميين والمجتمع وليس العكس.
طبعاً، تشمل المفارقة اللغوية الحديث عن «مسلمي الإخوان» بالتوازي لأن بعض دور تحفيظ القرآن الكريم المستهدفة لا صلة تربطها بالإخوان.
في كل حال، قد تكون لوزير الأوقاف وجهة نظر واعتبارات وظروف أو توجيهات متفق عليها.. هذا وضع لا ينازعه فيه أحد، لكن السؤال ينتقل للوسطين الإعلامي والسياسي فوراً: في زمن تحديث المنظومة، هل البروز بإشكالية جديدة مع جماعة الإخوان والبحث عن صدام، أمر مطلوب أو متوافق عليه في الدولة؟
طبيعي أن يبحث العياصرة ورفاقه عن إجابة على هذا السؤال الآن. وطبيعي أن يصر الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة دوماً ومجدداً على أنه لا مصلحة لأي طرف بالعودة لمناخات التصعيد مع مكونات ونسيج المجتمع، وأن الحاجة ملحة وجداً للتنفيس عن الاحتقان وسط الناس وتوفير ملاذات الحماية الوطنية حتى للمؤسسات التي تحتاج لإصلاح أكثر وقبل غيرها، حيث سيناريو التضييق والتصعيد والتدخل ضد الحريات كان ويبقى عدمياً بامتياز.
أصل الخلاف
أصل الخلاف برز مع إعلان وزارة الأوقاف عن رصدها لمخالفات مالية وإدارية ولشكاوى من المجتمع بخصوص مراكز تحفيض القرآن الكريم، وبخصوص جمعية يعلم الجميع أنها تتبع الحركة الإخوانية، فيما وصفها الوزير الخلايلة بأنها تتبع تياراً معيناً.
يقول طاقم الأوقاف إنه لا ينشد إلا مواجهة التجاوزات والمخالفات والتنظيم والإشراف وخضوع جميع المؤسسات ذات الطابع الديني إلى مجريات القانون واللوائح. ويقول من ينتقدون إجراءات الوزارة بأن الهدف قد يكون أبعد وأعمق، لا بل سياسياً أخطر، ورسالته مقلقة وتحاول التستر تحت هتاف تنظيم الأمور في الجمعيات والمراكز المعنية بتحفيظ القرآن الكريم أو ببعض النشاطات الخيرية.
كلا الطرفين لا يقدم أدلة وقرائن مقنعة على السرديتين، لكن المهم الانتباه إلى أن الاشتباك مع مراكز دينية أهلية صغيرة في الأحياء والقرى والمحافظات مسألة قد تثير حفيظة المجتمع. وقد يربطها كثيرون، ولو من باب الوهم السياسي، بمشاريع دولية أو إقليمية سياسية الطابع ولو دون رابط حتى اللحظة.
توقيت حرج
والأهم أن سعي وزارة الأوقاف لتنظيم شؤونها ضمن صلاحياتها ولأسباب غامضة بدأ يصعد في توقيت حرج بملف الخلاف مع الحركة الإسلامية أو العودة لمربعات الصدام السياسي، وأحياناً الأمني معها، الأمر الذي اعتقد الجميع أنهم تجاوزوه بعد مشاركة حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض باللجنة الملكية لمشروع تحديث المنظومة السياسية.
ثمة غبار في مواجهة يمكن الاستغناء عنها بالتأكيد الآن، لكن إثارة هذا الغبار على الأقل تبدو مقصودة من جهة الحكومة في جزئية الأوقاف، والتداعيات من الصعب التكهن بها.
المصدر : القدس العربي