إيران كيف تعاملت مع روسيا والصين وتركيا فى أوقاتها الحرجة
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات…
إيران كيف تعاملت مع روسيا والصين وتركيا فى أوقاتها الحرجة
لقد ظلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ حرب الخليج الثانية تحاول بشكل كبير الأحتفاظ بعلاقات ودية مع روسيا ، وتوقع العقود التجارية معها من أجل ضمان الفيتو الروسي في مجلس الأمن الدولي ، بالإضافة إلى تأمين مصدر ثابت لتسلحها، لكن هذه العلاقة بدأت اليوم تتعرض لتراجع كبير تحت حكم المحافظين الجدد في طهران ، والسبب يعود إلى التأخر الروسي في تزويد إيران بصواريخ ( 5300 ) وكذلك بسبب تأخير تشغيل محطة بوشهر ، وهذا ما جعل النظام الإيراني يلوح للروس بالورقة الصينية كنوع من الضغط حينما تصل المفاوضات المتعلقة بالملف النووي إلى طريق مسدود ، إيران اليوم تدرس إمكانية الإستعاضة عن الصفقة الروسية بأخرى صينية يطلق عليها صواريخ (9 ح Q ) وهذا مما أغضب إدارة الكرملين في وقت تجرأت فيه إيران على مناورة روسيا بهذه الطريقة مع منافستها التجارية الصين ، ومع أن النظام الصاروخي بالتحديد هو واحد من الأسلحة التي تتهم فيها روسيا الصين بسرقة ملكيتها الإبتكارية عبر تقليدها دون رخصة ، لكن تنامي العلاقات الإيرانية الصينية ليس جديدا ، فالبلدان يعملان على تعزيز التبادل التجاري والعسكري بينهما بشكل كبير لاسيما منذ أواخر التسعينيات ، واليوم الصين هي أكبر شريك تجاري لإيران بتبادل تجاري يتجاوز 40 مليار دولار سنويا مقارنة ب 4 مليار هي نصيب روسيا التجاري أيضا ، ولا ننسى بأن إيران هي ثاني أكبر مصدر للنفط إلى الصين ، كما أن الصين هي أكبر مورد لوقود المحركات إلى إيران ، هذا ، وفي الوقت الذي إنخفضت فيه صادرات البترول الإيرانية زادت نسبة التجارة بين الصين وإيران ، لكن إيران ربما سوف تتدارك الموقف وتتراجع وتعود إلى علاقاتها الإستراتيجية مع الروس ، هذه الإستراتيجية التي مكنت إيران من تأمين مناوراتها السياسية في المنعطفات الصعبة واللحظات الحرجة، والقادة الإيرانيون يدركون كم يكون الأمر مكلفا لإيران في حالة تحدي قوتين عظيمتين في وقت واحد ، لقد عاشوا هذا الوضع أيام الإمام الراحل الخميني حين عادى الإتحاد السوفياتي من منطق إيديولوجي ديني والولايات المتحدة الأمريكية الشيطان الأكبر ، فتعاون الروس وأمريكا مع العراق عسكريا طيلة الحرب العراقية المفروضة على إيران مما دفع بإيران في التسعينيات من إستعادة دورها في جنوب شرق آسيا ووفر لها حليفا قويا في وجه عدوين شريسين هما طالبان في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق .
واليوم يغامر المحافظون الجدد في طهران بالعلاقات مع روسيا لأنهم يرونها أصبحت دولة صغيرة وغير قادرة على تلبية مطالبهم وتطلعاتهم الإيديولوجية المبالغ فيها ، ولذلك هم الآن يغازلون الصين على حساب روسيا ، وهذا معناه أنهم في غفلة من أمرهم ، فروسيا برغم الضغوطات الدولية وخاصة الغربية عليها نتيجة حربها مع أوكرانيا ما تزال دولة عظمى لها مصالح كبرى ليس من ضمنها إيجاد دولة نووية متطرفة سياسيا في المنطقة ، هذا في وقت أصبحت فيه العلاقة بين تركيا وإسرائيل كذلك على فوهة بركان في وقت كان فيه بالإمكان زيادة على التبادل التجاري وهناك خطط لإقامة مشاريع في مجال الطاقة والزراعة والمياه بين تركيا وإسرائيل ، وهذا بسبب أعتراض البحرية الإسرائيلية قافلة المساعدات الإنسانية التي كانت في طريقها إلى قطاع غزة قبل عدة سنوات وإتخاذ تركيا لعدة مبادرات خلال الشهور الماضية منها تبادل السفراء بينها وبين إسرائيل لتحربك عملية السلام في الشرق الأوسط ومباحثات غبر مباشره مع سوريا من أجل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم ، وهذا ما أعتبره الكثيرين السبب في رد فعل إسرائيل العنيف على قطاع غزة مؤخراً ، وقد يكون رد الفعل هذا ليس بسبب حصار غزة فقط ولكن لدور تركيا المتنامي في المنطقة خاصة تجاه إيران ، وهذا معناه أن إسرائيل لا تريد السلام ، فإسرائيل تتصرف من منطق غطرسة القوة ، ولا ترى حاجة للسلام والتنازلات التي يتطلبها خصوصا في ظل حالة التشرذم الفلسطيني وضعف الموقف العربي ، كما أنها ترى نفسها فوق القانون والشرعة الدولية لأن المجتمع الدولي لا يقاطعها ولا يحاسبها على كل إنتهاكاتها للقوانين والأعراف الدولية والقانون الدولي الإنساني ، وفي هجومها الأخير على غزة وتدمير المباني وقتل الأبرياء واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا ، تكون إسرائيل قد أنتهكت القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني لمرتين متتاليات أو نستطيع القول في نفس الوقت المرة الأولى : الجنود الإسرائيليون استخدموا القوة المفرطة في مواجهة المدنيين في قطاع غزة ، وهو أمر يخالف مبادئ الأمم المتحدة .
الثانية : الحصار على غزة بإعتباره مخالفة صريحة وواضحة لميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر مبدأ العقوبة الجماعية ويشدد على الحماية والضمانات الإنسانية للمدنيين في مناطق الحروب والنزاعات ، هذا ما يتطلب اليوم قبل الغد إنهاء الحصار على غزة وإنهاء معاناة ومأساة شعبها وأبنائها ، فهناك تقريبا مليون وخمس مائة ألف فلسطيني يعيشون في ظروف غير إنسانية يحرمون فيها من أبسط الإحتياجات التي تكفلها كل الأعراف الإنسانية والمواثيق الدولية وإحصائيات وتقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من 80% من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر ويعتمدون على المساعدات الإنسانية لتلبية إحتياجاتهم وأكثر من 60% ليس لديهم إمدادات مياه ولا صرف صحي ، بينما تفتقد المستشفيات والمنشآت الصحية إلى كثير من الأدوية والمتطلبات العلاجية وغرف العمليات وسيارات الإسعاف ولولا المستشفيات العسكرية المقدمة من الأردن وغيرها من دول الخليج والعاملة هناك منذ سنوات لأصبح الوضع الصحي من سيء لأسواء ، ولا تسمح إسرائيل إلا بإمدادات تغطي ربع إحتياجات سكان قطاع غزة وهذا وفقا لتقرير منظمات دولية متخصصة وأنا كمحامي دولي وخبير في القانون الدولي مطلع عليها وأتابعها ، هذا في وقت تتهم فيه حركة حماس بتقديم مصالحها وحساباتها السياسية على معاناة أهل غزة وتعطيل جهود توحيد الصف الفلسطيني ، وبالتالي إضعاف الموقفين الفلسطيني والعربي ، لكن هذه المشكلة لا يجب أن يدفع ثمنها أطفال ونساء وشيوخ غزة ، وهذا معناه أن تبرير الحصار لم يعد مقبولا أخلاقيا أو إنسانيا والواجب الآن رفعه بشكل دائم والبحث عن أسلوب آخر لحل الإشكالات القائمة مع حماس ، خاصة وأنه قد مرت عدة سنوات ولم يحقق الحصار الظالم سوى زيادة معاناة أهلنا في قطاع غزة .
لقد أندلعت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وهنا أريد أن أتحدث عن شخصية إيرانية من خلال هذا المقال المتواضع أحترمها جدآ ألا وهو الدكتور أحمدي نجاد ، وكان عمر أحمدي نجاد إبن الحداد 23 عاما ، كان طالبا في جامعة طهران آلتي التحق بها عام 1975 بكلية العلوم والصناعة ، ثم أستطاع أن يحصل على الماجستير من الجامعة نفسها ، غير أن الحرب العراقية المفروضة على إيران أوقفت طموحه العلمي وكان آنذاك منضماً إلى طلاب خط الأمام وهم مجموعة الطلاب الذين ينتهجون منهج الإمام الراحل الخيمني ويترسمون خطاه ، وهم المجموعة نفسها التي أحتجزت مجموعة الرهائن الأمريكيين بمقر السفارة الأمريكية بطهران 444 يوما ، ومن هنا أتهم الأمريكيون أحمدي نجاد بأنه كان ضمن الذين أحتجزوا الرهائن ، وعندما أندلعت الحرب العراقية الإيرانية (1980 / 1988) دخل أحمدي نجاد ضمن المتطوعين وظل يحارب قرابة الخمس سنوات ، وقيل إنه تعرض للموت أكثر من مرة ، وأنه كان من المجموعة التي دخلت إلى الفاو ، وقيل إنه كان من الذين كلفوا بمهام حساسة وخاصة ، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وأعلن الإمام الراحل الخميني أنه سيتخذ قرار وقف الحرب ، عاد أحمدي نجاد مجددا إلى طلاب خط الأمام لينخرط مرة أخرى في العمل السياسي الثوري إلى أن توفي الإمام الخميني والتحق أغلب هؤلاء الطلاب بأعمال سياسية وعسكرية وعلمية ، وفي منتصف التسعينيات عاد إلى جامعة طهران ليستكمل دراسته ، فاستطاع أن يحصل على الدكتوراه بدرجة إمتياز في هندسة النقل عام 1997 وبدأ يدرس الطلاب في كلية الصناعة والتكنولوجيا بجامعة طهران ، وفي الوقت نفسه إنخرط بشكل ميداني في العمل السياسي ، فعمل مستشارا في المؤسسات الحكومية والأكاديمية لعدة سنوات حتى أصبح حاكم مقاطعة أردبيل الواسعة التي تقع في الشمال الغربي الإيراني ، وهو المنصب الذي فاز فيه بموقع الحاكم المثالي ، بسبب تفانيه في عمله وخدمة الجماهير وإنخراطه معهم وبينهم وعاش وسط الناس وعاش همومهم ومشكالهم وظروفهم الصعبة ، فصار يُضرب به المثل لتواضعه ولبساطته ، وعلى أثر هذه النجاحات أسندت إليه رئاسة القوات الخاصة للحرس الثوري ، وفي عام 2003 أنتخب عمدة لمدينة طهران ، وظل في هذا المنصب أقل من سنتين نجح فيهما بشكل واضح في تحسين أحوال المرور الذي يعتبر من أكثر المشاكل التي تواجه أهالي طهران ، وأصبحت شوارع طهران ممهدة ومعبدة ومنظمة بشكل جيد ، واتسمت بالنظافة وازدادت المناطق بعد أن زرع ملايين الأشجار في الشوارع والحدائق والميادين وعلى الطرقات ، كما نجح في تحقيق إستقرار للأسعار في العاصمة طهران التي كانت ترتفع فيها أسعار الخدمات بشكل ملحوظ ووضع مشروعا للقضاء على التلوث والتضخم ، وهما أكبر مشكلتين يعاني منهما سكان طهران ، وكان لهذه الجهود المتصلة والمتواصلة والتغلغل وسط الجماهير أكبر الأثر في أن يصبح الرجل محط أنظار سكان طهران الذين شعروا في عدة أشهر فقط بخدمات كثيرة ، وكانت هذه واحدة من أسباب اتساع رصيد أحمدي نجاد الجماهيري ، لقد عرفته الجماهير في إيران بسيطا متواضعا يخدم بلا كلل يميل إلى الفقراء والضعفاء وأصر على أن يظل ، وهو الأستاذ الجامعي المرموق وعمدة مدينة طهران يسكن شقة متواضعة في أحياء شعبية واقعة في مناطق مهمشة وفقيرة جدا جنوب طهران ، وهي المنطقة التي أنتقل إليها والده بعد عام واحد من مولده وظل يعمل فيها حدادأ ، كما أصر أحمدي نجاد على أن يظل مستخدما سيارته المتواضعة ، فلم يستخدم سيارات بلدية طهران ولم يتقاضى راتبا نتيجة عمله عمدة لمدينة طهران ، فقط كان يأخذ راتبه من الجامعة ، وقال إن راتبه يكفيه وليس في حاجة إلى غيره ، والغريب أو لنقل الطريف أن كل المؤسسات الحكومية والخاصة في إيران تصرف غذاء عمل لكل العاملين فيها ، وهذا عُرف سائد قديم وموجود في الساحة الإيرانية ، ويعتبر هذا العرف نوعا من التخفيف عن العاملين ماديا ، ومع هذا فإن أحمدي نجاد كان يطلب من زوجته أن تعد له طعاما يأخذه معه إلى مكتبه حتى إذا أكل العاملون شاركهم ، لكنه يشارك بما صنعت له زوجته من ماله وعرق جبينه ، وقد حدث هذا في كل الأماكن التي تقلد فيها مناصب ، من حقي أن أتحدث عن هذا الإنسان الذي أبهرني تواضعه وبساطته وإخلاصه في عمله وأنتمائه لوطنه في جزءاً من مقالي هذا .
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
الأردن / عمان : 19/8/2022