التونسيون يئنون تحت ضغط شُحّ السلع الاستهلاكية في الأسواق

الشرق الأوسط نيوز : في أسواق تونس علقت المتاجر تنبيهات لزبائنها حددت فيها كمية الشراء بالنسبة لبعض المنتجات، ومنها مثلا علبة أو علبتين على الأكثر من الحليب والقهوة والزبدة ومواد أخرى. هذا الواقع الجديد الذي لم يحدث في السوق التونسية في السابق ينذر بفترة مقبلة قد تشتد فيها ندرة عدد كبير من السلع على الرغم من عودة انسيابية سلاسل الإمداد العالمية. وتفتقد الكثير من المتاجر في العاصمة تونس زيت الطهي النباتي والسكر والقهوة، وهي سلع مدعومة، فيما تُشاهَد الرفوف خاوية في مساحاتمحلات تجارية كبرى. ويوم الجمعة الماضي قالت الرئاسة التونسية في بيان أن الرئيس قيس سعَيِّد تجاول في مدينة عوسجة في ولاية بنزرت (شمال)، حيث التقى عددا من الفلاحين الذين يبيعون منتوجاتهم بأسعار تغطي كلفة الإنتاج. وقالت الرئاسة أن أسعار المنتجات من جانب المزارعين مقبولة «ولا وجه للمقارنة بينها وبين الأسعار المعمول بها في عدد من الأسواق، بما يقيم الدليل على أن فقدان بعض المواد لا يعود إلى ندرة الإنتاج بل هو نتيجة لممارسات المحتكرين».

خبراء يحملون المسؤولية لسياسة الدولة وضعف المالية العامة

إلا أن أستاذ الاقتصاد وزير التجارة الأسبق محسن حسن أكد أنه «لأول مرّة في تاريخ تونس نتعرض بهذه الحدّة على مستوى انتظام تزويد السوق وعلى مستوى ارتفاع الأسعار».
واعتبر أن «هذا أمر خطير سيؤدي إلى قلاقل اجتماعية وتدني المقدرة الشرائية للمواطن بأكثر من 21.5 في المئة كما حدث في الفترة بين يناير/كانون ثاني 2020 و30 يوليو/تموز 2022، إضافة لاستمرار تآكل الطبقة الوسطى».
ورأى أن «الأسباب الكامنة وراء عدم انتظام التزويد بالسلع الأساسية، وارتفاع الأسعار، هي الظروف الدولية بعد أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.. ثمة نقص في إمدادات عديد المواد الأساسية وارتفاع الأسعار».
وتستورد تونس جزءاً كبيراً من حاجياتها، بما يشكل 90 في المئة من مجمل الاستهلاك المحلي من حاجياتها من القمح اللين، وتستورد القهوة والسكر. إلا أن السبب الدولي لا يفسر وحده هذه الندرة للمواد الاستهلاكية الأساسية، بل هناك – وفق حسن – سبب داخلي يتمثل في ضعف وضعية المالية العمومية التونسية لأن الدولة تعيش ظرفاً خطيراً على مستوى التوازنات الكبرى وعلى مستوى المالية العمومية. وتابع «هذا الظرف لم يمكنها من الإيفاء بتعهداتها تجاه المؤسسات العمومية المكلفة بالشراء كديوان الزيت وديوان التجارة وديوان الحبوب والشركة التونسية لصناعات التكرير». وأوضح حسن أنه «عندما لا تقوم الدولة بسداد التزاماتها تجاه هذه المؤسسات (العمومية) فإن الأخيرة وجدت نفسها في وضعية خطيرة».
وفي رأيه فإن «وضعية المالية العمومية هي السبب الأكبر في نقص المواد الأساسية من الأسواق لأن المواد الأساسية المفقودة هي أساسا مواد تستوردها الدولة وتحتكر توزيعها وتحدد أسعارها». وإذا كانت وضعية المالية تفسر الندرة، فإن هناك عامل داخلي آخر يتمثل في ضعف الإنتاج الوطني. وهناك كذلك سوء حوكمة للمنظومات الفلاحية، وسوء خيارات على مستوى السياسات القطاعية، وخاصة تلك التي تتعلق بالأمن الغذائي، وفق حسن. أما الأكاديمي والخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان فيتفق مع حسن فيما ذهب إليه، إلا أنه يعتبر أن «السبب الأساسي والأهم هو الوضع الصعب جداً الذي تمر به المالية العمومية». ويضيف «لا بد من التذكير أن الدولة لم تسدد مستحقات المؤسسات العمومية وخاصة تلك المستحقات المتأتية من صندوق التعويض…أو فواتير أشغال تم إنجازها لفائدة الدولة، وهذا ما جعل المؤسسات العمومية مع الأسف تفقد تماما ثقة المزودين الأجانب وتفقد ثقة البنوك الداخلية والخارجية».
يذكر أن القطاع الخاص والمزودين الأجانب بدأوا يشترطون الدفع المسبق مقابل أي عملية استيراد، وهذا يزيد الضغط على المالية العمومية. وقال سعيدان «يجب أن نفهم أن الدولة هي التي أوصلت مؤسساتها العمومية إلى هذا الوضع». وأضاف «ربما حان الوقت للتفكير في خروج الدولة من هذه الأنشطة الاقتصادية، التي لا تليق بالدولة في القرن 21.. أن تكون الدولة تاجرا في السكر والشاي والقهوة، بينما دورها الأساسي هو في الصحة والتربية والأمن والعدالة والبنية التحتية».
واعتبر أنه «في هذا الدور لا يوجد أي طرف يمكن أن يعوّض الدولة، بينما هناك أطراف عديدة يمكن أن تعوّضها في أنشطة اقتصادية بسيطة وهنا دور الدولة في وضع القوانين والترتيب والتأطير والمراقبة». وحول ما إذا كان التصنيف الإئتماني الأخير للاقتصاد التونسي من قبل وكالة «فيتش» له دور في نظرة المزودين للدولة، قال وزير التجارة الأسبق «هذا مؤكد».
وفي مارس/آذار الماضي خفضت وكالة «فيتش» الدولية للتصنيف تصنيف تونس السيادي من مرتبة « بي ناقص» إلى «سي.سي.سي». وقالت «هذا التصنيف يعكس مخاطر السيولة المالية والخارجية المتزايدة في سياق المزيد من التأخير في الاتفاق على برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي». وتوقعت أن يستمر العجز في ميزانية تونس عند مستويات مرتفعة في حدود 8.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، مقارنة بنسبة 7.8 في المئة العام الماضي.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا