نفاق الغرب… عندما تتغير المبادئ كما تتغير الجوارب!

شبكة الشرق الأوسط نيوز : عندما احتضنت روسيا كأس العالم سنة 2018، لم يتحرك المجتمع الدولي، الغربي على الخصوص، للحديث عن الديموقراطية في هذا البلد، ولم ينصب نفسه مدافعا عن المعارضين السياسيين والإعلاميين الذين كانوا يتعرضون لمضايقات شتى من نظام بوتين، كما لم يلتفت أحد لجزيرة القرم التي ابتلعتها روسيا على مرأى ومسمع الجميع، بل وضع الجميع شريطا لاصقا على الأفواه وتم التركيز على جدول المباريات والتكهنات بخصوص الفائز بكأس العالم!
وقبلها بأربع سنوات بالبرازيل، ورغم المظاهرات التي عمّت شوارع العاصمة برازيليا حاملة شعار “اليوم العالمي لمكافحة المونديال” احتجاجا على الإنفاق الكبير على دورة عالمية أبعد ما تكون عن هموم الطبقة الفقيرة، التي كما تعشق المستديرة تحلم بحياة كريمة بأبسط الشروط، رغم ذلك، تعامل الغرب بنفاق كبير وهو يشيد بالضمانات التي أعلنت عنها رئيسة البرازيل ديلما روسيف، ولم يتجاوز حديث الغرب عن بلد السامبا كونه بلد السحر الكروي، بل وحضر بعض زعمائه حفلي الافتتاح والاختتام، وتوارت كل صور الاحتجاج إلى الخلف فاسحة المجال أمام إبداعات كروية ينتظرها الجميع كل أربع سنوات.
مع قطر 2022، تبدو الأمور مختلفة تماما، فرغم بلاغ الفيفا الذي طالب الدول بالتركيز على كرة القدم في الوقت الحالي، والنأي عن الانتقادات المبالغ فيها اتجاه قطر على بعد أيام من انطلاق أول مونديال ببلد عربي، أطلقت 10 اتحادات كروية العنان لانتقادات استحضرت كل الملفات برياء كبير، كما لو أن الزمن توقف عندما احتضن بلد عربي كأس العالم، بل إن الدنمارك أطلقت حملة لجمع التوقيعات على عريضة لمنع منتخبها من حضور المونديال، علما، وهذا هو الواقع، يصعب تصور غياب تلقائي وذاتي من أي منتخب عن المونديال، فهو الموعد الذي يسعى إليه الجميع طيلة سنوات.
المثير أن مضمون انتقادات الدول لقطر كان معروفا مسبقا ومنذ سنوات، وكان بإمكان الدول المنتقدة لسجل قطر في حقوق الإنسان أن تنسحب منذ بداية التصفيات المؤهلة للمونديال، ففي اعتقادي، كانت تدرك أن المونديال سيجري بقطر وليس بنيوزيلندا!
عندما تقوم قطر بعملية تبريد الملاعب في سابقة من نوعها من أجل ضمان مرور المباريات في أجواء ملائمة للاعبين والجمهور، فإن قطر تضر بالبيئة، لكن تناسى “حماة البيئة” عملية التسخين التي تجري منذ سنوات في ملاعب أوروبا في فصل الشتاء البارد، وهي الأخطر على الإطلاق في قارة احتضنت 10 مؤتمرات للتغيرات المناخية. وعندما يلقى عامل حتفه في ورش البناء في الدوحة، فحكومة قطر هي المسؤولة، لكن عندما يقع الحادث نفسه في دولة أوربية أو أمريكية تحتضن منافسة دولية، فالشركة المكلفة بالبناء هي المسؤولة!
وكانت يومية “الغارديان” البريطانية فجرت في السنة الماضية “قنبلة” بسرد عدد الوفيات خلال بناء ملاعب كأس العالم بقطر، إذ أوردت أن العدد بلغ 6500 وفاة في صفوف العمال (الغريب أن الرقم ينتهي بصفر!)، وهو ما حمّس العديد من المنظمات والجمعيات إلى المطالبة بمحاسبة قطر أو دفعها لتخصيص صندوق للتعويض بقيمة 400 مليون دولار. المفاجأة أن عملية احتساب عدد الوفيات تمت من خلال جمع كل الوفيات المسجلة في ثلاث سنوات بقطر، بما فيها تلك التي حدثت بسبب حوادث السيارات والشاحنات أو لأسباب أخرى تتعلق بالمرض وخلافه، وتم ضربها في 10 سنوات. وعندما تم التدقيق في الموضوع بادرت منظمة العمل الدولية إلى نفي رقم “6500 وفاة”، لكن ظل منتشرا في الأوساط الإعلامية رغم أن الجريدة البريطانية اعتذرت عن نشرها له، لكن ليس بنفس حجم وحيز الخبر الأول.
وكانت دول الغرب تقول للعرب وهم يقاطعون مباريات إسرائيل منذ خمسينات القرن الماضي إنه لا يتوجب خلط السياسة بالرياضة، وأن المنافسات الرياضية من المفترض أن تظل مترفعة عن الخلافات السياسية ومكانا للتعايش والمحبة. نفس الدول الآن خلطت وبعثرت وشوهت هذا المبدأ وهي تُقحم السياسة في تصفيات كاس العالم من أجل إقصاء غير مشروع لروسيا، بل إنها لم تجد حرجا في التحريض ضد إيران من أجل إقصائها بحكم أنها تدعم روسيا في حربها، وبطبيعة الحال لهم الحق في دعم أوكرانيا بدون أن يتعرض لهم أحد!
لا يعني هذا اتفاقنا أو اختلافنا مع روسيا في غزوها لأوكرانيا، فهناك مبررات متباينة ومتعارضة، ولا يعني ذلك أيضا تسليمنا بالتجربة القطرية، فهي إن أبدعت في صناعة مونديال غير مسبوق، فإنها لم تبدع بعد في صناعة تجربة ديموقراطية كاملة، لكن الواضح أن هذا الغرب يتعامل مع المبادئ والقواعد كالجوارب يغيرها متى يشاء، ويحتفظ بها متى كانت متلائمة مع مصالحه.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا