هل يشهد مونديال قطر الانفجار الثاني العظيم؟
عادل منصور ……
رغم مرور أكثر من عقدين من الزمان على مباراة تحديد المركز الثالث في أول كأس عالم خارج أوروبا والأمريكيتين، إلا أنني ما زلت أتذكر دهشة وتعجب معلق التلفزيون المصري، وكأنه بالأمس القريب… كان يضرب أخماساً بأسداس، في توثيقه ومقارنته بين أبرز نجوم وأساطير مونديال فرنسا 1998 وبين قائمة نجوم نسخة 2002، بجملته الشهيرة “بعد زيدان، تيري هنري، سوكر وباقي مشاهير النسخة الماضية، سنخبر الأجيال القادمة أن أهن غونغ هوان، إلهان مانسيز وحسن شاش كانوا من رجال هذه النسخة”.
آنذاك في مونديال كوريا الجنوبية واليابان، كانت التوقعات والمراهنات تصب كالعادة في مصلحة كبار وزعماء الحقبة، ولعل مواليد عقد الثمانينات وما قبل، يتذكرون الهالة الإعلامية الاستثنائية على منتخبات الصفوة، التي سافرت إلى أقصى شرق الأرض، بهدف العودة إلى الوطن بالكأس والميداليات الذهبية، مثل الجيل العظيم للأرجنتين في أوج طغيان وعنفوان المدفعجي غابرييل باتيستوتا، وشريكه هيرنان كريسبو وفيرون والبقية، وإيطاليا الأنيقة المدججة بالأساطير على رأسهم باولو مالديني، أليساندرو نيستا، توتي وديل بييرو والرفقاء، ناهيك عن السمعة التي سبقت حامل اللقب قبل وصوله إلى المونديال، وبدرجة أقل المرشحين الكلاسيكيين إنكلترا والبرتغال وغيرهم من الكبار، لكن على أرض الواقع، حدث الانفجار الأول العظيم في لعبة البسطاء، بوصول اثنين من دول العالم الثالث على مستوى اللعبة، إلى نصف النهائي، تركيا والبلد المنظم كوريا الجنوبية.
الشيء الثابت والموثق في سجلات الفيفا، أن المربع الذهبي في كأس العالم ظل حكرا، وفي رواية أخرى، حقا مُكتسبا لأثرياء أوروبا الغربية وسحرة أمريكا الجنوبية، لكن بمجرد حدوث التلامس الأول بين العولمة والانفتاح وبين اللعبة الأشهر على هذا الكوكب، تحديدا بعد 3 سنوات من التصديق على قرار حرية اللاعبين، بما نسمعه ونردده يوميا في سوق الانتقالات الصيفية والشتوية “قانون بوسمان”، ذاك الحكم التاريخي، الذي قضت به محكمة العدل الأوروبية في 1995، لتحرير اللاعبين من عبودية الأندية بعد انتهاء التعاقد بينهما، ظهرت المؤشرات الأولى، بصعود صاروخي لأحدث مولود في أوروبا الشرقية في تلك الفترة، منتخب كرواتيا، الذي أحرج البلد المنظم فرنسا، بالتقدم عليه في قلب “سان دوني” بهدف هداف البطولة سوكر في نصف النهائي، قبل حدوث ما تُعرف بمعجزة لليام تورام، بتسجيل أول وآخر هدفين في مشواره الدولي، لتنتهي الصحوة الكرواتية بانتزاع الميدالية البرونزية والمركز الثالث من هولندا.
وبعد 7 سنوات عولمة حقيقية في كرة القدم، وتمرس اللاعبين الدوليين من مختلف قارات العالم على رؤية بعضهم البعض كل أسبوع في الدوريات الأوروبية المحلية والأوروبية الكبرى، حدث ما أشرنا إليه أعلاه “أول وآخر انفجار” في أم البطولات، بتحطم المقدسات والأساطير القديمة، بخروج الكبار والعظماء واحد تلو الآخر، بداية من انتكاسة التانغو في مرحلة المجموعات، نهاية بخروج الماتادور الإسباني على يد الشمشون الكوري في ربع النهائي، وبين هذا وذاك، كانت هناك حكايات يُقال عنها “من زمن كان”، كفوز السنغال على فرنسا في اللقاء الافتتاحي، واقتراب حج ضيوف ورفاقه من نصف النهائي، لولا الإفراط في الاستعراض أمام ثالث العالم في تلك النسخة المنتخب التركي في موقعة ربع النهائي، ولنا أن نتخيل أنها كانت المشاركة الثانية والأخيرة لأحفاد العثمانيين في كأس العالم.
بالنظر إلى الأسباب التي جعلت الرؤوس تبدو متساوية بين الجميع في كوريا الجنوبية واليابان، باستثناء سحر رونالدو الظاهرة مع البطل البرازيلي ودور الحارس الأسطوري أوليفر كان في وصول ألمانيا إلى النهائي، سنجد أنها لا تختلف كثيرا عن أوضاع مونديال قطر، خاصة عاملي “الظروف والأجواء” المختلفة عن الطقوس والثقافة الأوروبية والأمريكية، والميزة المختلفة في المونديال العربي عن باقي النسخ، بما في ذلك النسخة الآسيوية الأولى، أنها ستكون المرة الأولى وربما الأخيرة في كل العصور، التي سيُقام فيها كأس العالم على أرض محايدة بالنسبة لكل دول وقارات المعمورة، والأمر لا يتعلق فقط بالموقع الجغرافي الإستراتيجي وسهولة السفر إلى الدوحة، بل للتنوع الثقافي الفريد من نوعه في قطر وأثرياء الخليج، بوجود مئات الألوف من العاملين والمقيمين من مختلف الجنسيات والعرقيات، ما سيوفر عنصر “التكافؤ” بين الجميع، على الأقل في المدرجات، ونعرف جميعا قيمة وتأثير اللاعب رقم 12 (الجماهير) في مثل هذه المناسبات العاطفية.
قبل أن تذهب بخيالك عزيزي القارئ إلى شطحات رئيس الاتحاد الكاميروني صامويل إيتو، ومزاحه الثقيل بشأن توقعاته بفوز منتخب بلاده على المغرب في يوم العيد الوطني لدولة قطر، فنحن قطعا لا نذهب في الاتجاه، لكن التجارب القديمة، وما يحدث في عالم الساحرة المستديرة في الألفية الجديدة، تُثبت أنه كلما أقيم المونديال خارج أوروبا والأمريكيتين، يبقى قابلا لكل الاحتمالات والسيناريوهات، ولعلنا نتذكر ما حدث في نسخة “واكا واكا” في جنوب أفريقيا 2010، التي كادت تشهد الانفجار الثاني العظيم في البطولة، بوصول أول منتخب أفريقي إلى المربع الذهبي، تكرارا لإنجاز كوريا في 2002.
والحديث عن المنتخب الغاني، الذي أزاح صربيا وأستراليا من الدور الأول، ثم أطاح بالولايات المتحدة من دور الـ16، ولولا يد السفاح لويس سواريز وسوء طالع جيان أسامواه في تنفيذ ركلة الجزاء في الأشواط الإضافية، لما تأهلت أوروغواي لنصف النهائي على حساب منتخب النجوم السوداء بمساعدة ركلات الترجيح، لكن الشاهد من هذه المغامرة، أن عاملي الأرض والجمهور، ساهما في تقليل الفوارق الفنية والفردية بين ممثل الماما أفريكا وبين خصومه في البطولة، حتى بطل النسخة، وهو المنتخب الإسباني، توج باللقب للمرة الأولى في تاريخه، كثامن العظماء المحظوظين بمعانقة كأس العالم، ومنذ ذلك الحين لم يظهر البطل التاسع.
بالإضافة إلى كل ما سبق، تُظهر المنافسات سواء على مستوى الأندية أو المنتخبات العالمية، تقاربا ملحوظا على مستوى الأفراد، بعد الطفرة الكبيرة في نسبة ذكاء اللاعبين، تأثرا بمحاضرات محللي الأداء، إلى جانب موضة الاهتمام الجماعي بالعامل البدني والعمل مع أخصائي الصالات الرياضية، لتقوية عضلات ورفع معدلات اللياقة البدنية، كواحد من الجوانب المضيئة في ذروة عولمة كرة القدم، التي قربت المسافات بين اللاعبين الدوليين أكثر من أي وقت مضى، وبالتبعية أزالت الكثير من الفوارق والحدود بين منتخبات العالم الكبيرة والناشئة في كرة القدم، أشبه بما يحدث الآن على الطاولة السياسية، بالتحول إلى عالم متعدد الأقطاب بعد عقود من هيمنة القطب الواحد، وهذا جعلنا نشاهد الهلال السعودي يقارع تشلسي على طريقة “الند بالند” في كأس العالم للأندية الأخيرة، وقبله فاز الأهلي المصري على بالميراس البرازيلي في مباراة تحديد المركز الثالث في نسخة 2020، ناهيك عن التغير الكبير في خريطة الأندية الأوروبية، كما تابعنا مفاجآت دوري مجموعات أبطال أوروبا، وغيرها من التحولات الدرامية في اللعبة، تُنذر باقتراب هبوب التغيير، أو على الأقل إعادة هيكلة موازين القوى في عقد العشرينات في القرن الجديد، والسؤال الآن: هل تتفق معنا أنها مؤشرات لحدوث مفاجأة مدوية جديدة بذهاب واحد من منتخبات دول العالم الثالث (كرويا) إلى أبعد مكان في المونديال القطري؟ دعونا ننتظر ونستمتع بالمشاهدة.