من يقول إن السعودية ليست دولة محورية في المنطقة والأقليم فهو واهم

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات .. . 

 

إن المملكة العربية السعودية تجرب حظها في حلحلة أصعب أزمة في عالم اليوم : إن الحقيقة تقول بأنه في عالمنا كانت دولتان تعتبر محوريتان وهما أم الدنيا مصر ودولة الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية.
وفي السنوات الأخيرة كانت مصر نظراً لظروف عاشتها و تعيش اليوم من مشاكل داخلية وظروف أقتصادية صعبة جدا تضاءل دورها، وبقيت المملكة العربية السعودية، ترى هل تستطيع المملكة العربية السعودية اليوم أن تنجح في إيقاف الحرب الروسية – الأوكرانية المستعصية ..؟ هذا وكانت السعودية قد بنت علاقات متوازنة مع روسيا وأوكرانيا وانتزعت فتيل التفجير مع إيران وعززت روابطها الإقتصادية مع الصين.
ويقال اليوم بأن السعودية ستستضيف في الفترة القادمة جولة أخرى محادثات للسلام تجمع أطرافاً متعددة لوقف الحرب في أوكرانيا.
وتعد هذه أول مبادرات عربية عملية لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ويقال ايضاً بأن هذه المحادثات ستتخذ شكل طاولة مستديرة سياسياً، أي إن الرعاية ستكون واسعة وتشارك فيها أطراف دولية متعددة، إلا أن السعودية ستلعب دور الميسر والمسهل في جدة، بين قوى عظمى ومتحاربيين، في أدق ملف حربي في زمننا الحالي.
وبهذا ستستضيف السعودية قمة مهمة، وهي قمة الجلوس مع كبار العالم وإدارة مسيرة السلام الدولي من الوسط، وهذا أمراً بدأ غير منتظر لبعض الأوساط العامة والإعلامية والسياسية، بخاصة بعد بضع سنوات من محاولات لقوى ضغط في أميركا لإضعاف القيادة السعودية الإصلاحية وألتي يقودها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه، والنتيجة كانت معكوسة، فوصلت هذه القيادة إلى الطرف النقيض، أي إلى موقع قوة معنوية ستلجأ إليها أميركا والقوى الكبرى، ولكن ، ألم يرى البعض قدوم تطور كهذا ..؟ نعم بالطبع، فالقلائل الذين تابعوا تطور السياسة السعودية الجديدة منذ أكثر من نصف عقد وأنا واحداً منهم أدركوا أن التموقعات الجديدة للدبلوماسية الجديدة المبنية على تحويل الطاقة الطبيعية ليس فقط إلى سيولة، بل إلى صيد معنوي وإنمائي وضع السعودية في بعد مختلف، تطور كهذا على صعيد إطلاق مبادرة سلام تجاه حرب أوكرانيا كان منتظراً، وأنا كوني كمراقب كنت من بين الذين إنتظروه لإيماني القوى ( بنهج وفكر ) صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، فأحد الطروحات الأكثر حظاً في النجاح هو إطلاق إطار تفاوضي تتشارك فيه دول ذات نشاط دبلوماسي دولي وعلى علاقة مع الطرفين بشكل مُوازٍ، لإيجاد معادلة دبلوماسية مقبولة من الجميع، وبعد التوصل إلى نتائج جيدة يتم نقل الإطار إلى مجلس الأمن الدولي، وقد تضم المبادرة دولاً كالسعودية كممثلة عن العالم الإسلامي، والسؤال هل تنجح مبادرة متوازنة كهذه ..؟ لا أحد بإمكانه أن يجزم، ولكن السؤال يبقى : ما لم تطلق مبادرات كهذه هل يعود السلام ..؟ وكان واضحاً للكثيرين بأن مهندسي السياسة الخارجية لدى ولي العهد صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان لن يفلتوا فرصة تاريخية كهذه من بين يدي السعودية، وخرجت المبادرة بالفعل إلى العالم، ولكن الأسئلة ستتكاثف فوراً : هل ستلتحق الأطراف المعنية بالمبادرة ..؟ هل ستنجح المحادثات ..؟ أي دور ستلعبه المملكة العربية السعودية ..؟ هل هناك طرف بإمكانه ينازعها على هذا الدور ..؟ ماذا ستفعل الولايات المتحدة ..؟ أسئلة عديدة ومهمة ستحتاج إلى أشهر للحصول على أجوبة عليها، لكن هذه بعض إستشرافاتها، وكانت قد سارعت القيادة السعودية الحكيمة إلى فهم التطورات الهادرة في السياسة الخارجية الأميركية منذ أنتهاء ولاية دونالد ترامب، ولا سيما بعد قرار إزالة الحوثيين من لائحة الإرهاب في شتاء عام 2021، وكان ذلك بداية الغيث، بعد بضعة أشهر شاهدت الرياض، ومعها العالم أجمع، تسليم أفغانستان لحركة ” طالبان ” بشكل ينم على نهج التخلي عن الحلفاء عبر صفقات غير مدروسة، وبعدها تسارعت خطوات العودة إلى الإتفاق النووي، رافقتها ضغوط على التحالف العربي للتخلي عن الحكومة اليمنية في حملتها لإسترجاع اليمن الشمالي من الحوثي، فبات واضحاً أن الولايات المتحدة الأمريكية تحت إدارة بايدن وكذا أوباما تخلت عن مقررات قمة الرياض، ولا سيما أن جو بايدن كان قد إستعمل عبارة دولة ( منبوذة ) في مرحلة ما لوصف السعودية، والإستخلاص كان سريعاً، فلوبي الإتفاق النووي في عهد بايدن حرّف السياسة الخارجية الأميركية لتبتعد عن عرب الإعتدال وتصر على صفقة مع طهران كما يجري الأن، وشعرت المنطقة بذلك، وبدأت الرياض تتهيئ للتعاطي الجديد مع المجتمع الدولي على ضوء التطورات، وبعد أن إنفجرت حرب أوكرانيا، وصعق العالم، وشُل مجلس الأمن، وانقسم أعضاؤه الدائمون، وتبدلت المعادلات الإقتصادية والمالية، وتفجرت أزمة طاقة في أوروبا، واختلط الحابل بالنابل، فهبت الولايات المتحدة الأمريكية لتجميع حلفائها وسافر بايدن إلى جدة ليلتقي القيادة السعودية والخليجية والعربية ويطلب منها مد الغرب بالنفط والغاز، ولكنه وجد سعودية حازمة وتحالفاً عربياً قد تغير، والمعادلات تبدلت عالمياً، إذ خرج محور آسيا وأمتداداته في أفريقيا وأميركا اللاتينية يقارع الغرب، ولكن محوراً آخر يبدو أن السعودية باتت تقوده معنوياً، وهو كتلة الوسط المتموقعة داخل معادلة علاقات مع الجميع، وظن أركان اللوبي الإيراني أن العرب الجدد لن يخطو خطوات جدية نحو الأستقلالية الدبلوماسية، ولكن سرعان ما نفذت السعودية إستراتيجية الأنفتاح على الجميع إنطلاقا ً من مصلحتها الوطنية ومصلحة التحالف العربي، فاستمرت بعلاقاتها مع روسيا بشكل طبيعي، وعززت روابطها الإقتصادية مع الصين ونوعت خططها للتنمية الداخلية، وعلى رغم الطلبات الأميركية المتتالية، لم تلتزم السعودية وحليفاتها بخط مواجهة مع روسيا، ولكن فتحت قيادتها الحكيمة باب التوسط بين طرفي النزاع، مما دفع بكل الأطراف المعنية إلى التأقلم مع الواقع الجديد، بعد أن كان التحالف العربي بات في الوسط، والقوى العظمى في حاجة إليه للمساعدة على إنهاء حرب خطرة. وعندما أنخرطت السعودية في مبادرة التطبيع مع إيران تحت مظلة الصين، وقبلت إيران فوراً، ظهرت صورة جديد في المنطقة، وهي قدرة السعودية، ومن دون أن تتراجع عن حماية أمنها القومي والأمن الإقليمي والسلام الدولي، بأن تتحول إلى وسيط موثوق بين روسيا والناتو في محاولة لإيقاف الحرب في أوكرانيا، ومنع أمتداتها إلى ساحات أخرى في أوروبا أو الشرق الأوسط، بعد أن كانت قد بنتا القيادة السعودية علاقات متوازنة مع روسيا وأوكرانيآ، وإنتزعت فتيل التفجير مع إيران حتى الآن، وبشكل مُتوازٍ بنت علاقات أقتصادية أقوى مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر عقود كبيرة صفقت لها الشركات الأمريكية الكبرى والبنتاغون، ولجمت من خلالها هجمات اللوبي الإيراني على دورها، فبات أصدقاء السعودية من الإقتصاديين يشجعون الإدارة على الإاتكال على السعودية للمساعدة في إيجاد حل للصراع في أوكرانيا، وربما في بقع أخرى من العالم، ولا أحد بإمكانه التكهن بما يتعلق بإنهاء الحرب الأوكرانية، فالمصالح المعقدة والمتداخلة والتدمير الحاصل وضغوط الحلفاء وأجندات المستفيدين من الحرب والأحلام الأيديولوجية والصناعات العسكرية عند كل الأطراف والعواطف الجرارة، كلها تؤثر في أي تفاوض سلمي، ربما قد تكون هذه المحادثات الأصعب في القرن الـ21 لأن هدفها هو حماية الكوكب من حرب عالمية كارثية، وهنا التحدي الأكبر أمام القيادة السعودية، لأنها قد إجتازت حاجز الثقة الدولي مع روسيا والصين وأوكرانيا والإتحاد الأوروبي، والأهم أنها فرضت الإعتراف الإيجابي بدورها الدولي على شريكتها الولايات المتحدة الأمريكية التي إنتقلت إدارتها من مرحلة البحث عن جسر جديد مبني على إتفاقية تعاون إستراتيجي كبير، فباتت المملكة العربية السعودية تقريباً محاطة بإتفاقيات تعاون مع أطراف متخاصمة بين بعضها، مما أعطى الرياض موقع الحكم في هذا النزاع الدموي الكبير.
ويبقى التحدي أمام السعوديين عميق، وفيه مسؤولية تاريخية وكبيرة، ولكن إطاراً كهذا لا يعمل بتوجيه وأجندة دولة واحدة، بل بتعاون كل الدول.
فالقيادة السعودية وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه جهدت لتوفير الإطار المطلوب، وهو مفقود في أي مكان آخر، ولكنها كغيرها ستؤدي دورها، أما الباقي فسيحدده التاريخ.
ويبقى من حق المملكة العربية السعودية كدولة عربية محورية وإقليمية أن تقوم بواجبها وبدوراها في حل الأزمات والمشاكل ألتي تعصف بالدول في العالم وتدفع ثمنها في النهاية الشعوب .

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
الأردن – عمان 2023/8/15

قد يعجبك ايضا