ناصر أبو عون: النُّخبَة نَكبَة والمُتآمرون على العُروبَةِ جواسيس وخونة

ناصر أبو عون
إذا كان السوادُ الأعظمُ من المثقفين العرب أصحاب (مباديء وطنيّة ثابتة)، و(أجندات قوميّة راسخة) فإنه – من المؤسف – أن يكون للقاعدةِ – على اتساع خَارطةِ الثقافةٍ العربيّةِ – (استثناءٌ فَرْدٌ مُتَفَرِّدٌ بالتطبيعِ مع حُكومةِ الليكودِ الصهيونيّة)، وذلك بُعَيْدَ أنْ قضى (التَّطبيعُ) على (شُمُوخِه المبْتَدَع)، ونَخَرَتْ العِمَالةُ (كبرياءَه المصْطَنَع)، وما دَلَّهم على موتِ ضَميرِه وفَسَادِ عَقِيدَتِه الوطنيّة إلا (دَابَّةُ الخِيَانةِ) تأكلُ (عَصَا) عِرضِه المُسْتبَاح؛ فلمّا (خَرَّ) مِنْ بُرْجِهِ العَاجِيّ (تبيَّنَتْ) طوابيرُ الأتباعِ في سائرِ الأصقاعِ أنْ لَو كانوا يعلمون حَقِيْقَتَه (ما استمرأوا عِمَالَتَه) غيرَ أنَّه أخَرَستهم صَدْمَةُ المكاشَفَةِ، وأَكَلَتْ لِسَانَهم القِطَطُ الضَّالة بينَ سِيقَانِ النَّادلاتِ في بَارَاتِ الأدبِ المتَفَرْنِج، وحَانَاتِ الفِكْرِ المؤدلجِ ولَمْ تجرؤ (النَّائِحَةُ المُسْتَأَجَرَةُ)، ولا (الإمَّعَاتُ الثَّقافيّة المسْتَحْمَرَة) على مُخالفةِ (شروطِ المعونةِ الثقافيّة وعَطَايا منظمةِ الثقافةِ الحرةِ الأمريكية)، والخروجِ على (دستورِ الشِّلَليّة)، و(لائحةِ التَّبَعِيَّةِ)، والانصياعِ لـ(شروطِ العبُوديّة) المخطوطة في كتابِ (عِلْمَ الانْبِطَاح)، وعجزتْ عن رَفْعِ (البطاقةِ الحَمراء) في وجُوهِ هذه الشرذمة قليلة العدد، كثيرة الزَّبد، وَطَرْدِهِم من صَدَارةِ المشْهدِ الثقافيّ، {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}. (الأحزاب – 67).
لَقَدْ كَشَطَتْ الحربُ على الجبهتين اليمنيّةِ والسوريّةِ، ومِنْ قَبْلِها القضيةُ الفلسطينية طبقةَ (الزَّرنيخ، والبلادةِ) التي تراكمَتْ وترسَّبَتْ على (سطحِ ضميرِ المثقفين الطفيليّين) وخاصةً تلك التي وَرِثَتْ المشهدَ بعدَ كامب ديفيد 1978 بفعلِ عواملِ (التَّعْريَة السياسيّةِ)، و(غسيلِ الأدمغةِ الممنهجِ) الذي يمارسُه بعض سدنةُ الثقافةِ العربيّة ومُساهمتها في (تخليقِ أجيالٍ من الكائناتِ العربيّةِ الرَخْوَّة)، واشتغالُها بـِ(حَقْنِ جُرثومةِ العِمَالة والتَّجسس والانقلابِ على الوطنِ لصالحِ الأجنبيّ في عُقُولِ المفتونين بأفكارِهم) تحتَ رايةِ (محاربةِ الديكتاتوريّة)، ونجَاحُها في (تلبيسِ أقنعةِ إبليس المخاصمةِ للعروبةِ على وجوهِ السائرينَ في رِكابِهم)، وتمكُّنُها من تمريرِ فكرةِ (تناقضِ الوطنيّةِ والقوميّةِ) داخلَ وجدانِ المسبِّحِين بِحَمْدِهم تحتَ غِطَاءٍ ثقافيّ برّاقٍ، وتمهيدُها الطريقَ لتسطيحِ (الوعي الرَّخْو) للحيلولةِ بينه وبين الحقيقةِ في ذاكرةِ الأجيالِ الشَّابّةِ بغيَةَ دَفْنِ القضيةِ الفلسطينيةِ في (أقبيةِ التاريخِ المنسيّةِ)، وإعلانِ الحربِ على (رافعي راياتِ المقاومةِ)، ونَبْذِ (أنصارِ الممانعةِ)، والتحريضِ على (داعمي المقاومةِ).
إنَّ مأساةَ الثقافةِ العربيّةِ اليوم أنها اغْتِيلَتْ مَرَّتينِ – وفقَ تعبير خالد الأشهب -؛ مَرَّةً بسيوفِ (الجَهَالةِ، ونَزَعَاتِ الرِّدَة، وحروبِ الطوائفِ والقبائلِ)، ومَرَّةً ثَانيةً بِخَنَاجرِ (الخونةِ من حَامِلي جِنْسيتها). بينما مَأْسَاةُ المثقفين العربِ الحقيقيين؛ أنهم يُتَّهمونَ ويُسَاقونَ إلى إِعْدَامِ أربعةِ أرباعِ عُقُولِهم مَرَّتين: مَرَّةً بنصوصِ (محكمةِ البداوةِ، والتَّخَلّفِ وعَلَى يَدِ قُضَاةش الجَهْلِ)، ومَرَّةً أُخْرَى بِـ(شَهَادَةِ زُورٍ مِنْ مثقفينَ) خَانُوا ثقافتهم!‏
وهناكَ مراجعٌ عَدِيدةٌ تَفْضحُ الدَّورَ المشبوهَ (للمثقفينَ العربِ) وتَكْشِفُ عنْ استعدِادِهم لتقديمِ “الغِطَاء السِّياسيّ” والمبرراتِ الثقافيّةِ، والقانونيّةِ والفتاوى الشرعيّةِ المعلّبَة وسابقةِ التجهيزِ لاستقدامِ المحتلّين، تحتَ عنوانِ “إِسْقَاطِ الدّكتاتوريةِ”، والتَّماهي إلى آخرِ الشوطِ، ومشاركةِ المحتلِّ أَنْخَابَ (كَسْر أَوطَانِهم)، و(زَعْزَعَةِ استقرارِ دُولهم)، و(دعوةِ الأجنبيّ لاجتياحِ ترابهِ المقدّس)، وهناك مثقفون «ليبراليون» و«يساريون» معروفون ـــ ارتَقَوا في (سُلَّم تَرْقِياتِ الخِيانةِ) درجاتٍ عُلا، وانْتَقَلُوا من “رُتْبةِ المتعاونِ” مع أعداءِ الوطنِ إلى رُتْبةِ “قِيَادَةِ الخطوطِ الأماميةِ في فَيْلَقِ” إشهارِ إفلاسِ الوطنِ”، و”إِسقاطِ حكومتهِ”، و”غَزوهِ ودعوةِ الأعداءِ لاحتلالهِ”، و”تفكيك مؤسساته الأمنية والدفاعية”. ثم لا يجرؤ أحد، بوصْمِهم بالخيانة؟!
لقدْ كانتْ (هوجاتِ الربيعِ العربيّ) – المسماةُ كَذِبًا بالثوراتِ – (كاشفةً فاضحةً)؛ كَشَفَتْ (نوايا السوءِ) لدى فصيلٍ كبيرٍ من الواجهاتِ الثقافيةِ، والعلاماتِ التجاريّةِ المعتمدةِ في المشهدِ الثقافيّ العربيّ، وفَضَحَتْ تقلّباتِ (أدونيس ومريديه)، وعَرَّتْ تُرّهاتِ (ياسين الحاج صالح ومشايعيه)، وأسقَطَتْ انقلاباتِ (برهان غليون ومسانديه)، وأزاحتْ غِشاوةَ الوطنيةِ المزيَّفةِ عن (عَلاقاتِ فؤادِ السنيورةِ وتيَّارهِ) بقيادات حزب الليكود الدمويّة، وغَسَلتْ (الأصباغ المزيّفة من على الوجوه الثقافية العربيّة الكالحة) التي تدور ماكيناتُ أقلامِها بـ(البترودولار).
ومن الظلمِ والإظلامِ تحميل الحكوماتِ العربيّة أوزارَ (الانحطاط الفكريّ)، وخَطايا (انسدادِ الأفقِ المعرفيّ)، و(سَقَطَاتِ التراجعِ التنمويّ)؛ بل إنّ العديدَ من الحكوماتِ وَقَعَتْ ضحيّة في (براثنِ أدعياءِ الثقافةِ)، وصارتْ (أسيرة في شِبَاك صَيَّادِي الجوائزِ العربِ)، وأضحتْ في مرمى نيرانِ (الباحثين عن منصّاتِ التتويجِ) والذين اتخذوا من (وسائلِ الإعلامِ) (مَدْفَعيّةِ ثقيلةِ)، (يقصفونَ بها قلاعَ الولاءِ والممانعةِ)، ونثروا رمادَ مَعَاركِهم المزيّفةِ على (صَفَحاتِ الأوطانِ الناصعةِ)، وبدَّدوا آمالِ الوطنِ والمواطنين المشروعةِ في مشاريع تزويقيّة وترويجيّة لا تُسْمنُ عقلا، ولاتغني فكرًا).
إنّ مطالعةَ أدبياتِ (الخيانةِ الوطنيّة والمضبوطةِ وِفْقَ معاييرِ الغربِ) صارتْ (فَرْضَ عَينٍ) على كلِّ وطنيّ حُرّ، وذلك ليتمكّنَ من مكاشفةِ الشعوبِ العربيّةِ بما اقترفَه (أدعياءُ الثقافةِ العُروبيّة المخرومةِ)، و(رُفَقَاءُ الذَّاكرةِ القوميّة المثقوبةِ)، و(فُرَقاءُ الحَارةِ الثقافيّةِ المنكوبةِ).
ولمطالعةِ ما اقترفَتْه (الأياديّ الثقافيّةُ الملوثةُ بدماءِ الأبرياءِ وخيانةِ المواطنين الشرفاءِ) تكفي إطلالةٌ واحدةٌ على كتابِ “المخابراتِ في سوقِ الثقافةِ – مَنْ يَدْفعُ للمُزَمِّرين” لفرانسيس ستونورساوندرز مسؤؤلةِ المخابراتِ الأميركيةِ والذي يتحدثُ عن دورِ (منظمةِ الثقافةِ الحرةِ الأمريكية) في تمويلِ البحوثِ والباحثين بهدفِ استغلالِ ثغراتِ (احتلالِ الشعوبِ، وكَسْرِ هَيبَةِ حُكومَاتِها).
ومع استمرارِ الصراعِ الأزليّ بين الحقِ والباطلِ لن يكونَ (أمين المعلوف) الاسم الأخير في قائمة (الكتَبَة المطبّعين) الذين أراقوا ماء وجوههم على (عَتَبَاتِ اللوبيّات الصهيونية)، صاحبة قرارِ (المنْحِ والمنْعِ)، والناطقةِ بالقولِ الفصلِ في جائزةِ نوبل، ولن يكون نهاية الأسماء في قائمة المصافحين للأيادي الليكوديّة التي تغتسل صباحَ مساءَ بدماء الفلسطينيين، ولن يكونَ (أدونيس) آخرَ سَدَنَةِ وخُدّامِ معبدِ (الصهيونيّة العالميّة)، و(المتمسحين بالأصنام المرصوصة حول كعبة المال والأعمال)، و(الساجِدينَ تحت أقدامِ تمثالِ – المغفورِ له – ألفريد نوبل) إله (بعض المثقفين العَرب) الذي لا معبودَ لديهم سواه، و(المتجردين من بُرْقعِ الوطنيةِ الكاذبةِ)، و(المتلوّنين بأصباغِ القوميّةِ المزيّفةِ) بُغْيةَ تلميعِ (وجهِ الإبداعِ العربيّ (المسْتَأسِد) في وسائل الإعلام الغربيّة، و(المستأنَس) في وسائل الإعلام العربيّة، و(المتكلِّس والكالح) قياسًا على نظيره في الآداب العالميّة.
وإذا كان (علي سالم) صاحب مسرحية (مدرسة المشاغبين)، ورافع لواء البجاحة في فيلق المطبّعين الذين أخذوا على عاتقهم (تدجين المواطن العربي)، واشتغلوا على إفساد منظومة القيم الأخلاقية العربية، وشطب مبادئ (النخوة، والبطولة والإغاثة والكرامة) من المعجم الأخلاقيّ لخمسة أجيال عربيّة متتالية؛ فهذا “كمال اللبواني” يستنهض إسرائيل لإسقاط بشار الأسد، مقابل التنازل لها عن “هضبة الجولان السورية”، ومن يطالع «نيويورك تايمز»، و «فورين بوليسي»، ويشاهد أرشيفات C.N.N على قناة (يوتيوب) سيقف مشدوهًا أما وجوه كالحة وخائنة من أمثال (ياسين الحاج صالح)، و(برهان غليون)، حتى (فؤاد السنيورة) يتبجحون ويطالبون أوباما بضرب دمشق. ومن بعد هؤلاء دعا العميد المنشق عن الجيش السوري نبيل الدندل إسرائيل إلى ما أسماه “مد يد العون للشعب السوري في مواجهة الرئيس بشار الأسد”وقال الدندل الذي شغل سابقا رئاسة فرع الأمن السياسي في اللاذقية، وكذلك رئاسة فرع الهجرة و الجوازات في دير الزور إ”نه على استعداد للتفاوض مع إسرائيل من أجل التوصل إلى سلام مع الدولة العبرية”، مشيرا إلى أن موقفه “يعكس موقف غالبية الشعب السوري”.
وأخيرًا وليس آخرًا أدعو القراء من هذا المنبر إلى تأصيل رؤيتهم، وتمتين معرفتهم عن هذه (الطغمة الثقافية) التي انْدَسَّ بعضٌ منها إلى المناهج التعليمية، والكتب المدرسيّة، ونطالع الوجوه الكالحة للبعض الآخر صباحَ مساءَ في جميع وسائل الإعلام العربيّة والدوليّة إلى مطالعة هذه العناوين «أميركا والإبادات الثقافية» لمنير العكش، و«مثقفون وجواسيس» لمصطفى عبد الغني، و«تعليم بهدف الإبادة» لدافيد والس آدامز (1995) وسيعثر على أدلة سقوط بعض المعارضين والمفكّرين في (بئر الخيانة)، و(الصعود إلى الهاوية)، والتمرّغ في (وَحْلِ وهُوّةِ التفكير الطائفيّ والمذهبيّ)، وفي التماهي مع رغبات “الخارج” وشروطه للدعم والمساندة. – وِفْقَ تعبير صبحي غندور- وهناك سعيٌ محموم من جانب بعض المثقفين لتدويل الأزمات الداخلية في المنطقة العربية، ممّا يُعيد معظم أوطانهم إلى حال الوصاية الأجنبية التي كانت سائدة في النصف الأول من القرن الماضي.
إنّ هذه المقالة الطويلة مجرد فاصلة على زاوية في (كتاب خيانة المثقفين العرب) الذي طالت صفحاته السوداء، ويؤرِّخ للسقطات، والتراجعات، والهزائم والنكسات التي ساهم في (رسم خططها والتمهيد النيرانيّ، والكتابيّ لها) مثقفون عرب كانت السِّمة الغالبة والقاسم المشترك بينهم جميعًا (براعتهم في نقل البندقية من كتفٍ إلى كتف)، و(ارتداء الأقنعة وتبديلها على مدار الساعة) بما يتناسب والأوامر الصادرة من أعداء القضيّة العربيّة والمفصَّلة على قياس التعليمات الواردة من الإدارة العليا للتآمر على الأوطان والفارق الوحيد بين خائن وآخر – عُذرًا – أقصد كل كاتب وآخر هو نوعية المواقف التي ينطلق منها في (تعمية الجماهير واستغفالها)، والمبلغ النقديّ المضاف – عن بُعد – إلى رقم حساب الخائن – عفوًا – أقصد المثقف!!
وبمناسبة هذه المقالة الاستثنائية ربما يكون من مِسْك الختام التمعن في لقطة من فيلم أمريكيّ شهير.. لا يحضرني اسمه الآن حيث سأل الجنرالُ مساعده: مَنْ هو العميل النموذجيّ؟ فأجاب: الذي لا ينسى أنّه عَمِيل.. فردّ الجنرال: كلا.. أفضل العملاء على الإطلاق الذي لا يعرف أنّه عميل!!
باحث مصريّ بالمركز العربيّ للاستشارات والبحوث الإعلاميّة والإنسانيّة

قد يعجبك ايضا