لماذا إيران تفكر في الإقتراب من روسيا ..؟

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات ….

 

أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تريد أن تظل في نادي الدول المفروض عليها عقوبات دولية مثل روسيا، وألا تستثير أية توترات في العلاقة معها، إذ يتصور المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد خامنئي ورجال الدين المقربين منه أن العلاقات الوثيقة مع روسيا أفضل، وتوافر فرصاً أكثر من محاولة منافستها في قطاع الطاقة والأنفتاح على الجانب الغربي، وكانت قد لعبت مجموعة من العوامل مثل الجغرافيا والدين والمخاوف في شأن السلامة الإقليمية والتجارب السابقة والرغبة في التفوق الإقليمي وتدخل القوى العالمية والديناميكيات في السياسية الداخلية وثروات الموارد، دوراً حاسماً في تشكيل السياسة الخارجية لإيران وألتي يقودها عميد الدبلوماسية السيد حسين أمير عبد اللهيان وبتوجيه مباشر من رئيس الجمهورية الدكتور إبراهيم رئيسي تحت مصطلح سياسة (حسن الجوار )، ووفقاً للدستور الإيراني فسلطة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران بعيدة المدى وتمتد لكل مستوى تقريباً من مستويات عملية صنع القرار ومؤسساته، إذ يتولى إتخاذ القرارات النهائية في شأن التوجهات الأساس للسياسة الخارجية وقضاياها الرئيسة، مثل العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وموقف طهران من الصراع العربي – الإسرائيلي والملف النووي، ومع ذلك تعد عملية صنع القرار معقدة لتفاعل عدد من العوامل ومنها التنافس بين الأجنحة المختلفة، إذ يحاول كل جناح فرض وجهات النظر الخاصة به للتأثير في قرارات المرشد الأعلى السيدخامنئي، كما أن الأوضاع المتغيرة تتطلب إعادة تقييم دوري للسياسات حتى في النظام السياسي الأيديولوجي مثل إيران، وفي أعقاب الحرب العراقية المفروضة على إيران بدأ القادة في إيران في تنفيذ نهج أكثر عقلانية وبراغماتية، وأسهمت الإعتبارات الإقتصادية والرغبة في بناء الدولة في الدافع للتعاون مع الشركاء والحلفاء الدوليين على حساب سياسة الراحل السيد الخميني الخارجية الأكثر إنعزالية وثورية، ومع مجيء المحامي والأكاديمي والدبلوماسي المخضرم الشيخ حسن روحاني الذي وعد بحل النزاع النووي سلمياً والأزمة الإقتصادية الناجمة عنه، وقد صورت إدارته على أنها براغماتية، ونظر ناخبوه وقطاعات كبيرة من المجتمع الدولي إلى رئاسته بإعتبارها لحظة تغيير رئيسة في إيران ما بعد الثورة، وبالفعل نجحت الإدارة في إتمام خطة العمل الشاملة المشتركة مع الغرب، ولم يكن الأتفاق ليتم لولا ضوء أخضر من المرشد الأعلى الإيراني، وفي نيسان/ أبريل 2021 سربت مقابلة مسجلة مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، كشف فيها عن نقاط مثيرة للجدل تشير إلى وجود صراع على السلطة داخل النظام السياسي حول صنع السياسة الخارجية، ويبدو أن هذه التصريحات أكدت بعض التكهنات السابقة حول درجة تأثير وزارة الخارجية في إتخاذ قرارات السياسة الخارجية، وسلط “ظريف” الضوء على قوة الحرس الثوري الإيراني في السيطرة على وزارة الخارجية وتقويضها، وأدعى أنه خلال مناسبات عدة تم التنازل عن الدبلوماسية، أي مسارات وزارة الخارجية، لمصلحة إنتهاج إستراتيجيات يتبعها الحرس الثوري، وتأتي تصريحات المرشد الأعلى السيد خامنئي بأنه لا يوجد أي مكان في العالم تكون سياسته الخارجية نتاج صياغة وزارة الخارجية، وأن الجهاز الدبلوماسي مجرد منفذ للقرارات ألتي تتخذ على المستويات العليا، وهنا أعاد الجدل بين ظريف والسيد خامنئي إشعال الجدل حول من يدير السياسة الخارجية الإيرانية، وهو ما كان موضوع نزاع عام في إيران، وكان تصريح السيد خامنئي ليثبت وجود مستويات أعلى وفاعلين أقوى من وزارة الخارجية لتحديد المصالح والسلوك الخارجي لإيران، وهو ما يتمثل في مؤسسة المرشد الأعلى الإيراني والحرس الثوري، ولتجنب هذا الجدل كان توازن القوى الداخلي في إيران يميل لمصلحة التيار ” المتشدد” و” الحرس الثوري “، وهو ما تجلى في نتائج الإنتخابات البرلمانية عامي 2020 و 2024 وإنتخابات الرئاسة وإنتخابات مجلس الخبراء عام 2024، ولا تنفصل توجهات ومسارات السياسة الخارجية عن ديناميكيات السياسة الداخلية بل تنعكس عليها، لذا فإن مؤشرات إستمرار النهج ” المتشدد ” وعسكرة السياسة الخارجية عديدة، ومنها منحت شركة النفط الحكومية الإيرانية عقوداً بقيمة 13 مليار دولار لشركات محلية، مما يظهر سعى طهران إلى تعزيز الصادرات والإنتاج على رغم العقوبات الأميركية الجائرة والظالمة عليها، وإن العقود ستزيد الإنتاج في الحقول بمقدار 400 ألف برميل يومياً إلى 620 ألف برميل يومياً، وستخلق 66 ألف فرصة عمل وتدر 15 مليار دولار سنوياً، أي عبر التهريب وبيع النفط للصين من دون السعي إلى الإنفتاح على الغرب ولا سيما أوروبا، لتكون بديلاً للغاز الروسي، طبعا تريد إيران أن تبقى في نادي الدول المفروض عليها عقوبات مثل روسيا وألا تستثير أية توترات في العلاقة معها، إذ يتصور المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد خامنئي والمعسكر ” المتشدد ” أن العلاقات الوثيقة مع روسيا أفضل وتوفر فرصاً أكثر من محاولة منافستها في قطاع الطاقة والأنفتاح على الجانب الغربي، ويفسر هذا إستمرار العلاقات العسكرية والأمنية مع روسيا على رغم تحديات العقوبات الغربية، فقد زودت إيران روسيا بعدد كبير من الصواريخ أرض – أرض الباليستية القوية، في خطوة تعزز التعاون العسكري بين البلدين، كما تسعى إيران إلى تعميق العلاقات مع روسيا في مجالات عدة ومنها الإقتصاد والطاقة، ففي عام 2022 أعلن أن شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة غازبروم الروسية وقعتا إتفاقاً بقيمة 40 مليار دولار لتطوير قطاعي النفط والغاز الإيرانيين، وإن الإتفاق يهدف إلى تغطية أعمال التطوير داخل مشاريع في عدد من حقول النفط والغاز في إيران، وإن القائمة تشمل إستثماراً بقيمة 10 مليارات دولار في حقل غاز شمال فارس، ومن المقرر أن يسلم الغاز بحلول عام 2026، ومع ذلك فهناك شكوك في جدية روسيا للإستثمار في قطاع الطاقة وتطوير البنى التحتية بما يجعل إيران قادرة على تصدير الغاز المسال إلى أوروبا، فليس من مصلحة إيران أن تكون بديلاً للغاز الروسي إلى أوروبا، كما أنها لا تسعى في هذا الإطار وتكتفي بالشراكة مع الرئيس بوتين، على إعتبار أن الإصطفاف إلى جانب روسيا يتماشى مع رؤية المرشد الأعلى السيد خامنئي والمعسكر ” المتشدد “الذي يرغب في تشكيل تحالف مضاد للغرب، يتشارك مع التوجه نحو نظام عالمي متعدد هياكل القوة، ومن ثم فعلى الرغم من أن روسيا ليست شريكاً موثوقاً به إلا أن الإصطفاف معها يخدم رؤية “المتشددين” في بناء معسكر مناهض للغرب، ويكون بديلاً لرؤية المعسكر البراغماتي الذي كان يرى أن حلول إيران الإقتصادية ترتبط بالغرب ورفع العقوبات، لذا فإن نتائج إنتخابات مجلس الخبراء إلى جانب مجلس الشورى الإسلامي وألتى أسفرت عن سيطرة “المتشددين” على مقاليد السلطة وميل توازن القوى الداخلية لمصلحتهم تماماً، تؤكد إن إستمرار السياسة الخارجية الإيرانية في الإتجاه “المتشدد” وعسكرة تلك الساسة إقليمياً، ولا أدل على ذلك من التوترات المتفجرة في الإقليم على خلفية الحرب البربرية والهمجية غزة.

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.