“قانون تأجير المستشفيات” يثير غضب الأطباء والمعارضة في مصر
وافق مجلس النواب المصري نهائيا بداية الأسبوع الجاري على مشروع تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، المعروف إعلاميًا بقانون “إدارة القطاع الخاص للمستشفيات العامة”، وسط اعتراضات من نقابة الأطباء ونواب وأحزاب معارضة.
وكان عدد من نواب المعارضة المصرية، أعلنوا رفضهم لمشروع القانون برمته وأكدوا أنه يمثل تخلي الحكومة عن مسؤوليتها برعاية المواطن وخدماته الصحية، فيما أبدى بعض النواب اعتراضهم على المادة الرابعة من القانون، التي تحدد نسبة العاملين الأجانب من أطباء وتمريض وفنيين في المستشفيات التي سيديرها القطاع الخاص، التي حددها القانون بـ25 في المئة.
وكان نقيب الأطباء المصريين الدكتور أسامة عبد الحي، خاطب كلا من المستشار حنفي الجبالي، رئيس مجلس النواب، والدكتور أشرف حاتم، رئيس لجنة الصحة في المجلس، مؤكدا رفضه تأجير المستشفيات الحكومية للقطاع الخاص.
وحدد عبد الحي في خطابه، اعتراضات نقابة الأطباء، في أنه يضر بالمواطن المصري محدود الدخل، لافتا إلى أن الهدف الرئيسي للمستثمر هو الربح والذي فكت الحكومة قيوده في مشروع القانون ليقدم الخدمة الصحية للمواطن بدون حد أقصى بسعرها.
ولفت نقيب الأطباء إلى أن قانون الحكومة يهدد استقرار 75 في المئة من العاملين في المنشآت الصحية التي تنوي الحكومة تأجيرها، حيث أن القانون أتاح للمستثمر أن يستغني عنهم وأن يعاد توظيف هؤلاء العاملين من الأطباء والتمريض والإداريين بمعرفة وزارة الصحة في أماكن أخرى.
التأمين الصحي
وقال نقيب الأطباء في خطابه، إنه لا يوجد بمشروع قانون الحكومة أية ضمانات لالتزام المستثمر بالنسبة المحددة لعلاج مرضى التأمين الصحي ونفقة الدولة، متسائلاً هل ستلزم الحكومة المستثمر أن يبقي على الدوام هذه النسبة شاغرة لهؤلاء المرضى.
وعبرت نقابة الأطباء من مخاوفها من جلب المستثمر لأطباء من خريجي جامعات غير معترف بها من المجلس الأعلى للجامعات، والتي قررت نقابة الأطباء في جمعيتها العمومية عدم قيدهم بسجلاتها، مبينا ذلك بأن مشروع القانون أجاز لوزير الصحة أن يمنح ترخيص مزاولة مهنة الطب للأطباء الأجانب للعمل فقط داخل المنشأة التي يستأجرها المستثمر، متخطيا بذلك الإجراءات المعمول بها في منح ترخيص مزاولة مهنة الطب للأجانب والمنصوص عليها في القوانين السارية المتعلقة منها قانون نقابة الأطباء وقانون مزاولة مهنة الطب رقم 415 لسنة 1954 وتعديله بالقانون 153 لسنة 2019.
بدورها أعلنت حملة مصيرنا واحد، أن مشروع قانون تأجير المنشآت الصحية الحكومية يهدد استقرار القطاع الصحي والخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، حيث أن القانون أتاح للمستثمر تحديد أسعار الخدمات الصحية دون التقيد بحد أقصى، كما أتاح للمستثمر التخلي عن نسبة 75% من العاملين المصريين بالمنشأة وجلب 25% من العمالة الأجنبية.
وتابعت أن تشجيع القطاع الخاص والأهلي للمشاركة في تقديم الخدمات الصحية والتي تتخذه الحكومة تبريرا لهذا القانون، لا يكون بالتخلي عن المستشفيات الحكومية للقطاع الخاص، وإنما بتسهيل الإجراءات للمستثمرين لإنشاء وإقامة منشآت صحية خاصة تضيف إلى عدد المنشآت الصحية الموجودة ولا تنتقص منها.
وطالبت الحملة في حملة توقيعات بتنفيذ المادة 18 من الدستور التي تنص على التزام الدولة بالحفاظ على المنشآت الصحية ودعمها وتقديم الخدمات الصحية طبقا لمعايير الجودة وإنفاق ما لا يقل عن 3 في المئة من الناتج القومي على الصحة.
تسليع الخدمات
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية- منظمة حقوقية مستقلة- اعتبرت القانون خطوة إضافية في عملية تسليع وتحويل الخدمات العامة إلى نشاط يستهدف الربح، والتي تشمل أيضًا خدمات كالنقل العام والتعليم.
ودعت المنظمة الحقوقية الرئيس عبد الفتاح السيسي لعدم التصديق على القانون.
ورأت المبادرة أن هناك خمسة أسباب رئيسية تدعو لرفض هذا المشروع، منها أن القانون يعطل تنفيذ قانون التأمين الصحي الشامل، ويشكل انحرافا عن مسار التوسع التدريجي في تطبيقه، لأن البنية التحتية لمنظومة التأمين الصحي الشامل هي مستشفيات ومنشآت الحكومة، ويفترض أن أي دور للقطاع الخاص هو الإضافة لهذه البنية التحتية عبر زيادة أعداد الأسرة والمنشآت ومقدمي الخدمة من أطباء وممرضين وفنيين. إلا أن القانون الجديد وبدلا من ذلك، سيسمح بإخراج عدد من المستشفيات الحكومية خارج منظومة التأمين بما يعطل تطبيقه.
منظمة حقوقية تدعو السيسي لعدم التصديق عليه ورأت أن هناك خمسة أسباب رئيسية تدعو لرفض المشروع
وبينت المبادرة، أن الصياغة الحالية لمشروع القانون تؤكد أن الغرض الوحيد منه هو تحويل المنشآت الصحية المملوكة للدولة من هيئات لتقديم الخدمة العامة إلى كيانات هادفة للربح، ويكرِّس لانسحاب الدولة، ليس فقط من تقديم الخدمة، ولكن أيضًا من الالتزام بنسب الإنفاق المحددة دستوريًا لقطاع الصحة.
يذكر أن مخصصات الصحة في الموازنة العامة بلغت 200 مليار جنيه في الموازنة الجديدة للعام المالي للعام 2024/ 2025، وهو ما مثل تراجعًا في الإنفاق الحكومي على الصحة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 1.24% إلى 1.17%، وهو ما يقل عن نصف النسبة الملزمة دستوريا للإنفاق على الصحة.
وواصلت المبادرة: القانون يلزم المستثمرين والدولة فقط بالاتفاق على “أسس تسعير الخدمات الصحية” في هذه المستشفيات الحكومية بعد إسنادها للقطاع الخاص، وتحدد بقرار من رئيس الوزراء بناء على اقتراح وزير الصحة (وهي الجهات التي أصدرت القانون من الأصل، وأصحاب المصلحة في إسناد المستشفيات للمستثمرين). كما أنه يعفي الدولة من تحديد أسعار الخدمات نفسها، ومن إلزام المستثمرين بها.
وبحسب المبادرة: لا يوجد ما يضمن التزام المستثمر بتقديم الخدمات الصحية التي تحددها الدولة بكل منشأة، أو حتى التي تقوم المستشفيات بتقديمها حاليًا بدون انتقاص أو تغيير في الخدمات المقدمة، أو تقليص في عدد الأسّرة.
الحق في الصحة
إلى ذلك حذر حزب التحالف الشعبي الاشتراكي من مخاطر سياسات الحكومة في انتهاك الحق في الصحة، خاصة مع الموافقة البرلمانية المبدئية على مشروع قانون يفتح الباب لخصخصة المرافق الصحية العامة، عن طريق منح القطاع الخاص سلطة إدارتها وتشغيلها، فضلا عن رفع أسعار الخدمات العلاجية، واصفا هذه السياسات بأنها حكم بالإعدام على ملايين الفقراء وعدوان جديد على الحق في الصحة
وقال الحزب في بيانه: دأبت الحكومة المصرية منذ عقد كامل ورغم النصوص الدستورية الخاصة بالحق في الصحة بالمادة 18 من دستور 2014 على انتهاك الحق في الصحة بأشكال متنوعة، بدايةً بالاحتيال على الوفاء بالنسب الدستورية للإنفاق على الصحة، إلى إصدار قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل رقم 2 لسنة 2018، والذي لم يطبق بالكامل سوى في محافظة بورسعيد وبدأ الجباية من الشعب الفقير والمريض في جميع المحافظات، حتى كون فائض يزيد على 85 مليار جنيه ثم يتبجحون بارتفاع تكلفة العلاج.
وأضاف الحزب أنه تم إهدار المليارات من أموال الشعب المصري عند تحويل مستشفيات التكامل إلى مراكز رعاية صحية أولية، وعجزت الدولة بقبضتها القوية على فرض تسعيرة للخدمات الصحية في القطاع الخاص خلال وباء كورونا وتركتنا فريسة للقطاع الخاص، وابتدعت كادرا خاصا جمَد أجور الأطباء والفريق الطبي لنشهد بسببه أكبر هجرة جماعية للفرق الطبية في تاريخ مصر الحديث، بحيث أصبح القائمون بالعمل هم 35% والباقي في إجازات خاصة أو استقالات.
وتابع: “تستمر موجة سلب المصريين لحقهم في الصحة من خلال إقرار “تسعيرة للكشف والعلاج” في المستشفيات العامة التي تمول من أموال الشعب المصري بتعديل لائحة العلاج في المستشفيات الحكومية، والاكتفاء بصرف صنف دواء واحد للمرضى بالمجان، في الوقت الذي يعاني المصريون منذ شهور أزمة توفير الأدوية الحيوية للأمراض المزمنة ولعل طوابير الانتظار أمام صيدلية الإسعاف في القاهرة خير دليل على فشل كل هذه السياسات الحكومية”.
وواصل البيان: “أخيراً تفتقت عقلية الحكومة الكارهة للفقراء ولصحة المصريين عن قانون تأجير المستشفيات العامة لشركات من القطاع الخاص المصري والعربي والأجنبي، وهي جريمة وانتهاك للدستور والاتفاقيات الدولية للحق في الصحة، بعد أن فشلت في عمل تسعيرة لخدمات القطاع الخاص كما هو معمول به في أوروبا وأمريكا، وبعد أن فشلت في الاستفادة من هذا القطاع خلال وباء يجتاح البلاد، وبعد أن صمتت على بيع المستشفيات ومعامل التحاليل والأشعة للأجانب وفرض أسعار تفوق قدرات المصريين، وخرج علينا الرئيس يحدثنا عن السياحة العلاجية وتحويل معهد ناصر إلى مركز دولي لكي يفقد المريض المصري إحدى المراكز الهامة للخدمة الصحية والعلاجية”.
وزاد الحزب في بيانه: أعلن المسؤولون أنه لن يحدث بيع ولكن تأجير مع إلزام المستأجر بالإبقاء على 25% من العمالة (أي التخلص من 75% من العمالة)، وعدم زيادة نسبة الأطباء والتمريض والفنيين الأجانب عن 25% من العاملين بالمنشأة ليفقد الفريق الطبي المصري فرصة العمل في بلده لخدمة مواطنيه، ولكي تجمل للشعب الصفقة الفاسدة وضعت نصا بعلاج نسبة من مرضى نفقة الدولة والتأمين الصحي في المستشفيات المباعة، وفقا للبيان.
وشدد التحالف الشعبي على أن إسناد إدارة وتشغيل المنشآت الصحية الحكومية لشركات استثمار أجنبية (أو حتى مصرية) هو أمر خطير، وسيؤثر سلبا على المواطن غير القادر الذي يبحث عن علاج مجاني أو منخفض التكاليف، كما سيكون له تأثير سلبي على الأطباء والطواقم الطبية الذين سيعملون تحت إدارة المستثمرين بهذه المنشآت. وهي قضية أمن قومي بالدرجة الأولى، مؤكدا أنه عدوان سافر جديد على صحة الفقراء وحقهم في العلاج وفقا للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر وتعد جزءًا من القانون المصري، لذا نضم صوتنا لأصوات عدد من أعضاء البرلمان الذين قالوا إنه يوم أسود في تاريخ مصر.
وطالب حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، بعدم التصديق عليه لكي لا يكون حكما بالإعدام على ملايين الفقراء، كما طالب بتطبيق الاستحقاقات الدستورية في الإنفاق الحكومي على التعليم والصحة، رافضا لائحة المستشفيات الجديدة وما تفرضه من أعباء على دولة أكثر من 35% من سكانها فقراء.
وختم الحزب بيانه: “إذا كنتم عاجزين عن إدارة القطاع الصحي وإدارة مصر، فاستقيلوا يرحمكم الله، ومصر لديها من الخبراء والمتخصصين الآلاف ممن تم إقصاؤهم عن صنع القرار لصالح الفسدة والعاجزين”.
ويأتي الاتجاه إلى تأجير المستشفيات الحكومية، بعد أن اشترت الإمارات عدد كبير من المستشفيات المملوكة للقطاع الخاص في مصر.
هيمنة من المستثمرين الإماراتيين القطاع الصحي المصري، ما حذر منه أطباء وخبراء مصريون في مجال الصحة.
وعلى مدار الأعوام الأخيرة، نجحت شركة “أبراج كابيتال” الاقتصادية الإماراتية العملاقة، والمتخصصة في إدارة الملكيات الخاصة، في إتمام أكثر من صفقة استحواذ لها على أكبر كيانات طبية داخل مصر، نقلتها من مجرد مستثمر إلى محتكر لهذا القطاع الطبي الذي يخدم الملايين من المواطنين.
وشملت صفقات الاستحواذ للشركة الإماراتية شراء 12 مستشفى خاصًا، أبرزها مستشفى “القاهرة التخصصي” و”بدراوي” و”القاهرة” و”كليوباترا” و”النيل” بجانب معامل التحاليل الأشهر: “المختبر” و”البرج” وتأسيس شركة جديدة تضم المعملين، وإتمامها صفقة شراء شركة آمون للأدوية.
تظهر المعلومات المتاحة عن الشركة الإماراتية، التي تأسست في 1999، أن قيمة الأصول التي تديرها الشركة تصل نحو 5.7 مليار دولار، عبر أكثر من 20 صندوقاً استثمارية، موزعة على أكثر من.
المصدر : القدس العربي