لقاء الرئيس الجزائري بالأحزاب: دعوات لإعادة النظر في ملف الحريات قبل الرئاسيات

شبكة الشرق الأوسط نيوز : على مدار أكثر من 7 ساعات، طرحت أحزاب سياسية في الجزائر على الرئيس عبد المجيد تبون انشغالاتها بخصوص الوضع العام في البلاد، مع تركيز المعارضة على ملف الحريات قبل الانتخابات الرئاسية المنتظرة شهر أيلول/سبتمبر، وذلك في أول لقاء يجمع الرئيس على مائدة مستديرة كل زعماء الأحزاب الممثلة في المجالس المنتخبة الوطنية والمحلية.

ووفق ما أظهره التلفزيون الرسمي، فقد بدأ اللقاء في حدود الساعة الحادية عشر صباحا بقصر المؤتمرات في الضاحية الغربية للعاصمة، بكلمة افتتاحية من الرئيس تلت طوافه على المشاركين ومصافحتهم فردا فردا. ليبدأ بعد ذلك، تداول رؤساء الأحزاب الذين ظهر منهم مرشحان للرئاسة هما بلقاسم ساحلي ولويزة حنون، على الكلمة، حيث أخذ كل واحد 15 دقيقة.

وتراوحت التدخلات التي كانت في جلسة مغلقة لم يحضرها الإعلام، بين إشادة بحصيلة الرئيس عبد المجيد تبون من قبل الموالاة وبعض النقد الذي جاء في صيغة دبلوماسية لدى أحزاب أخرى في المعارضة. وكان الإجماع بين أغلب من تحدثوا على ضرورة الحفاظ على السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني مع اعتراف الكل، سواء في الموالاة أو المعارضة بوجود تهديدات تستهدف البلاد.

وفي هذا السياق، أكد يوسف أوشيش السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في البلاد، أن “إرساء حياة سياسية وإعلامية ديمقراطية، من خلال تقوية دور الأحزاب، هو ضمانة لاستقرار سياسي مستدام وضروري لرفع التحديات الهائلة التي تواجهها بلادنا، وهو ما يعد أيضاً حصناً تتكسر أمامه كل المحاولات الرامية إلى المساس بسلامتنا الترابية وبسيادتنا الوطنية”. وأضاف قائلا  “إذ ندرك مدى أهمية المسائل المتعلقة بأمننا القومي ضمن سياق تواجه فيه البلاد تصرفات عدائية من طرف بعض الأطراف الأجنبية أين نتعرض لضغوط هائلة بهدف تحييدنا عن عقيدتنا التاريخية لعدم الانحياز، فإن احترام مبادئ دولة القانون، الحريات الأساسية والتعددية لا تقل أهمية عنها”.

وفي كلامه الذي يمزج بين النصح والنقد، دعا أوشيش إلى “اتخاذ تدابير تهدئة تتجه نحو تحرير المجالات السياسية والإعلامية”، ولفت إلى مسائل إطلاق معتقلي الرأي والأمر بوقف كل التحرشات التي يتعرض لها المواطنون بسبب منشورات نقدية بعيدة عن الافتراء أو التضليل، وسحب أو إعادة صياغة بعض القوانين التي تتنافى مع روح الدستور وتتناقض مع المبادئ الأساسية لدولة القانون والديمقراطية لا سيما المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، قانون النقابات، قانون الإعلام وقانون الانتخابات بالإضافة إلى ضرورة الحد من اللجوء المبالغ فيه للحبس المؤقت الذي من المفترض أن يكون استثناءً لا قاعدة “مكرسة” وعقيدة سائدة في الهيئات القضائية للبلاد”. كما طالب أيضاً بإشراك الأحزاب في إعداد القانون المؤطر لنشاطهم.

واعتبر المسؤول الأول في جبهة القوى الاشتراكية أن “هذه التدابير من شأنها أن تخلق مناخاً سياسياً هادئاً يعيد الثقة ويشجع النقاش الديمقراطي والتنافس السليم بين المشاريع السياسية فيتعزز الاستقرار السياسي للبلاد من خلال خلق ديناميكية سياسية إيجابية”.

وقاسمت لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال، نفس هذه المطالب ودعت فضلا عن الإفراج عن سجناء الرأي إلى إطلاق سراح سجناء قانون المضاربة وهي الفئة التي تعرضت لمحاكمات في أعقاب فترة كورونا بسبب ارتكاب مخالفات تتعلق برفع أسعار المواد المدعمة وتخزينها مما أدى لخلق ندرة في السوق. وتحدثت حنون عن الوضع الاجتماعي وضرورة تعزيزه وعن الكثير من القطاعات التي تعاني مشاكل اجتماعية تتطلب المعالجة. كما طرح بلقاسم ساحلي الأمين العام للتحالف الوطني الجمهوري، مسألة إعادة الاعتبار للعمل السياسي، مطالبا بدعم الأحزاب حتى تقوم بواجبها في تأطير المجتمع.

وركّز من جهته رئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان، على التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع الجزائري والتي تنتج عنها بشكل مباشر توترات بين مكوناته المختلفة.  وأكد أن هذه المرحلة، لا بد فيها من تقييم دور الأحزاب السياسية وإدماجها في خدمة تنظيم المجتمع. ولذلك، فهي تحتاج، حسبه، إلى قنوات مختلفة للتعبير تكون مُكتسبة بموجب القانون.  بالمقابل، اعتبر رئيس جيل جديد أن “أي محاولة لبسط الأحادية من خلال الإكراه سيخلق ردة فعل من عدم الثقة بين المواطنين،  وإذا تم تقليص هوامش حرية التعبير، فعندها يمكن أن يصبح التعبير والكلام تآمرية تخريبية”. علاوة على ذلك، يضيف، فإن ضمور التنظيمات السياسية وتراجع الديناميكية في الطبقة السياسية يخلقان تأثيرًا سلبيًا مزدوجًا: تكاثر الفاعلين الانتهازيين و تثبيط معنويات الأمة وإحباطها.

وأكد جيلالي سفيان الذي سبق له قبل أيام دعوة الرئيس للاكتفاء بعهدة واحدة، أن “توضيح قواعد اللعبة السياسية واحترامها سيدفع الفاعلين السياسيين إلى القيام بواجبهم وممارسة حقوقهم ضمن إطار قانوني وبما يخدم مصلحة الوطن”، مبرزا أن “اختلاف المقاربات لتقدم البلد لا يشكل خطرا بل على العكس، فهو يحسن الأداء و يتطلب منك تقديم أفضل ما لديك دائما”. ومن هذا المنطلق، قال إنه يأمل أن يتم فتح باب النقاش العمومي على نطاق واسع، بما يسمح بمواجهة الأفكار والمشاريع في وسائل الإعلام الوطنية من أجل تعزيز الروابط بين المواطنين والطبقة السياسية، سواء في السلطة أو في المعارضة.

من جانبه، امتدح عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني المشارك في الحكومة، ما وصفها بـ”حالة التماسك في الجبهة السياسية”، معتبرا أننا أمام تحديات دولية لا ترحم، تعكسها صورة الحرب في أوكرانيا والتحالف الغربي الذي تشكل بعد أزمة أوكرانيا،و مثلما تعكسها الحرب على غزة والتحالف الجائر ضد المقاومة والشعب الفلسطيني”.

وهاجم بن قرينة ما قال إنه الدور المغربي في محاولة توتير المنطقة، مبرزا أن “تعدد البؤر والتوترات واتساع الفوضى في الإقليم وفي العالم، وكذا توتر كل الجوار الجزائري، والمبادرة الخطيرة التي سماها المغرب مبادرة الأطلسي وغيرها من التحديات والمخاطر التي تفرض علينا يقظة مضاعفة، بالشكل الذي يفشل كل تلك المخططات وكذلك بالذكاء”.

واعتبر أن مبادرة الرئيس تبون ببناء فضاء مع دول الجوار يستجيب لطموحات الأشقاء ويؤمن أوطان الشركاء و يصنع التكامل والاندماج الاقتصادي لاسيما مع تونس وليبيا وكذا الخط الرابط مع موريتانيا الشقيقة، سيجعلهم يتألمون، على حد وصفه، وهو ما ظهر ذلك جليا في مرافعتهم أثناء قمة البحرين الأخيرة، في إشارة إلى كلمة الوفد المغربي.

وفي ردوده، ركز الرئيس على السياق الإقليمي العام الذي تعرفه المنطقة وتأثير ذلك على الجزائر، كما تحدث عن التحديات التي تعيشها البلاد في علاقتها بالجوار وتدخل أطراف أجنبية لمحاولة ضرب استقرار البلاد وافتعال أزمات مع دول جارة. ونفى وفق ما نقلت عنه مصادر حزبية لـ”القدس العربي”، تماما وجود سجناء رأي في البلاد، معتبرا أن كل من عوقبوا توجد ملفات تدينهم عالجها القضاء. كما أكد أن بعض القوانين سيتم إعادة النظر فيها بعد الرئاسيات القانون العضوي المتعلق بتنظيم الانتخابات. كما أبدى تبون تفاؤله بوضع الاقتصاد الجزائري مستعرضا المؤشرات الإيجابية المتعلقة بالنمو والصادرات خارج المحروقات وغيرها.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا