هآرتس: هكذا هزمت حماس الجيش الإسرائيلي في رفح

 المشاورات الأمنية التي أجراها رئيس الوزراء ووزير الدفاع وكبار قادة الجيش في قيادة المنطقة الجنوبية، أول أمس، تبشر بانتهاء قريب من المرحلة الأكثر كثافةً في الحرب في قطاع غزة. قريباً سيعلن عن انتهاء العملية في رفح. الاتجاه آخذ في الظهور من الآن فصاعداً: تخفيض القوات في القطاع، والانتقال إلى أسلوب الاقتحامات والانقضاض على أهداف حماس، وإرسال وحدات إلى الحدود الشمالية. أما السؤال الرئيسي فهو كيف سيتم تغليف العملية برواية تقنع الجمهور أن الحكومة والجيش الإسرائيلي حققوا جزءاً كبيراً من أهداف الحرب، على الرغم من عدم هزيمة حماس، ودون استرجاع 120 مختطفاً؟ سيواصل الجيش الإسرائيلي الاحتفاظ بقوات في ممر “نتساريم” الذي يقسم القطاع إلى قسمين، شمالاً وجنوباً، وأيضاً في محور فيلادلفيا على الحدود المصرية، وإحدى المناقشات تتعلق بمسألة أي جزء من محور فيلادلفيا يجب مواصلة الاحتفاظ به. في الوقت الحالي، يبدو أنه لن يكون هنالك انسحاب من معبر رفح بسبب صعوبة التوصل لاتفاق مع المصريين. نشرت وسائل إعلام إسرائيلية تقديرات للجيش الإسرائيلي بشأن حفر 40 نفقاً تحت الحدود، والكشف عن نصفها تقريباً. والحقيقة أن الاستخبارات لم تعرف الرقم على وجه اليقين، ولا يُعرف عدد الأنفاق المكتشفة حتى الآن.

 إسرائيل تعتبر محور فيلادلفيا شريان الأوكسجين لحماس، الذي هُرب عبره وعبر معبر رفح سلاح وبضائع للقطاع طوال 20 عاماً. وتريد التوصل إلى تفاهمات مع مصر حول طبيعة السيطرة على هذا المحور وإخلائه في مرحلة لاحقة، كما أن هنالك مسألة أهم من مسألة العائق المادي الذي يجب إنشاؤه ضد حفر أنفاق أخرى، وهي: ما وسائل الكشف (الحساسات التي سيتم تركيبها بالقرب منه)؟ يهم إسرائيل أن تكون طبيعة هذه الحساسات من إنتاجها، بحيث ترسل معلومات للجيش الإسرائيلي ولـ “الشاباك”، ما يضمن إعطاء إنذار في حالة حفر أنفاق أخرى.

 الرسالة التي يريد غالنت وهليفي نقلها هي أن هجوم رفح يشير إلى تفكيك الذراع العسكري لحماس في إطاره الحالي. فقد تم إخراج آخر الكتائب القطرية لهذا التنظيم من الخدمة. ما زالت حماس نشطة، ولكنها تفعل ذلك في إطار جديد خلايا إرهابية وعصابية جديدة ولكن بدرجة ضرر أصغر، وتقريباً بدون سلسلة قيادة وسيطرة. وعلى الرغم من إطلاق نحو 20 صاروخاً من خان يونس تجاه مستوطنات غلاف غزة أمس، فإن تهديد إطلاق النار نحو النقب ووسط البلاد تقلص كثيراً.

ستكون هنالك حاجة لمواصلة محاربة حماس، ولكن هذا سيتم في إطار “قص العشب” المعروف من الضفة الغربية: -اقتحامات متكررة لأهداف التنظيم، واعتقال مخربين ونقلهم ليقوم “الشاباك” بالتحقيق معهم. المشكلة في وجود رسالة معقدة هنا، يصعب على الجمهور استيعابها، وخاصة إزاء الأهداف الطموحة التي طرحت في بداية الحرب. فضلاً عن ذلك: لم يتخل نتنياهو تماماً بعد عن وعوده بالنصر المطلق والقريب، وهي لا تتساوق مع مقاربة غالنت – هليفي

منذ حوالي أسبوع والجيش الإسرائيلي يعمل في حي الشجاعية، وشرق مدينة غزة، وجرى في هذه المنطقة معارك صعبة منذ تشرين الثاني وحتى شباط في عمليتين مختلفتين. اللواء 7 الذي يعمل هناك يتحدث عن قتال ضد عشرات الخلايا بالصواريخ المضادة للدروع التابعة لحماس. وهذا يدل على قدرة إعادة تأهيل سريعة لحماس أو حقيقة أن ما فعله الجيش الإسرائيلي في العمليتين السابقتين هناك لم يكن كاملاً، خلافاً لما فهمه الجمهور وجزء من وسائل الإعلام. قبل الدخول الجديد للشجاعية، جرى نقاش في قيادة المنطقة الجنوبية: كان هنالك ضباط صعُب عليهم فهم طبيعة المهمة الملقاة عليهم الآن.

 نصر غير حاسم

 وهنالك موضوع رفح نفسها أيضاً؛ فنتنياهو أصر على العملية، رغم معارضة شديدة من إدارة بايدن، بالأساس لأسباب سياسية داخلية. الجناح اليميني المتطرف في حكومته ضغط عليه لكي يرسل قوات الجيش الإسرائيلي لاحتلال المدينة، ثم حول نقاشاً تكتيكياً مهنياً إلى اختبار شجاعة. في ظل قيود التسليح التي فرضها الأمريكان وعقبات أخرى لهم، تقرر القيام بعملية مقلصة (وهو أمر لم يتم شرحه علناً). لقد شن العملية بجزء من فرقة واحدة بدلاً من اثنتين، وفعلياً لم يتم احتلال المدينة كاملة. كان هنالك وجود جزئي للجيش الإسرائيلي في نصف مساحتها. كل المدنيين الفلسطينيين هربوا من رفح عندما بدأت العملية، وكان قرار حماس بالحفاظ على جزء من مسلحيها كقوات احتياط خارج المدينة قلل الاحتكاك العسكري هناك.

خسائر الجيش الإسرائيلي في معظمها، نبعت من هجمات من بعد، وُجهت نحو نقاط ضعيفة. أم أحد الجنود الذين قتلوا في رفح الأسبوع الماضي، قالت إنها سمعت ابنها عندما أصيب من نيران قناص فلسطيني عندما كان يتحدث معها عبر الهاتف المحمول. لشديد الأسف، تدل الكارثة على وجود مشكلة تطبيق في الانضباط العملياتي -استخدام الهواتف المدنية داخل منطقة قتال وفي مكان مكشوف لنيران العدو.

ثمة معياران رئيسيان يجب قياسهما بشأن هزيمة العدو في قتال كهذا: احتلال وتطهير أرض، وقتل مسلحين. كان احتلال رفح جزئياً كما قلنا، وسارع الجيش الإسرائيلي إلى إخلاء جزء مما تم احتلاله. بخصوص القتلى، يبدو أن الإنجاز محدود في نهاية الأسبوع الماضي، وقدرت قيادة المنطقة الجنوبية قتل ما بين 70-230 مخرباً من بين 1000 في كل واحدة من كتائب حماس الأربعة. وارتفعت الأرقام منذ ذلك الحين، ولكنها لا تصل إلى نصف القوة المحاربة، وهذا رقم يشير إلى هزيمة. تنبع الصعوبة أيضاً من قرار محسوب لحماس بتقليص الاحتكاك لتقليل المصابين.

يجب عدم الاستخفاف بالجهد الذي بذل في رفح، ولكن يصعب التحرر من الشك بأننا شاهدنا مشهداً مفبركاً نبع من ضغوطات سياسية. وبعد انسحاب جزئي من المدينة، سيحوم السؤال: هل ثمة انتصار حاسم على حماس؟ يبدو أن تأييد سكان قطاع غزة لحماس ظل مرتفعاً. وما زالت حماس تحافظ على قدرات تنظيمية وسلطوية، وما زالت تحتفظ بجزء لا بأس به من قدراتها العسكرية، ربما هذا ما يمكن تحقيقه الآن في ظل قيود الوضع الإقليمي، ولكن يجدر قول هذا للجمهور بصورة واضحة ومباشرة.

         فشل ذريع

على هامش الأمور، جرى أمس فشل ذريع آخر يعدّ نموذجياً لأيام نتنياهو الحالية، في قضية إطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء في غزة، والذي كان معتقلاً في إسرائيل طوال 7 أشهر. مهرج الأمن القومي بن غفير، تبادل الاتهامات أمس مع العالم كله، بل وطالب بإقالة رئيس “الشاباك” رونين بار، بعد أن اتضح إطلاق سراح محمد أبو سلمية بسبب اكتظاظ السجون.

 غاب عن النقاش الإعلامي الصاخب سؤال “هل كان هنالك ما يكفي من الأدلة لاعتقاله، باستثناء شبهة إسرائيلية عامة بشأن تعاون إدارة مستشفى “الشفاء” مع الذراع العسكري لحماس، الذي استخدم هذه المنشأة لأغراض عسكرية، وهو يضع ادعاءات إسرائيل حول تورط إدارة الشفاء بالإرهاب، بعد الغارة على المستشفى في كانون الأول الماضي، في ضوء غير جدي؟

 فعلياً، بن غفير غير القادر على إدارة أي شيء بصورة جدية، باستثناء عملية إفساد وتطرف الشرطة ومصلحة السجون – هو المسؤول الرئيسي عن الحدث. على الرغم من تلقي مكتبه ومصلحة السجون أموالاً ضخمة منذ أكتوبر لتمويل احتجاز آلاف المعتقلين الأمنيين الآخرين، فإنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في هذا، ففي السجون اكتظاظ كبير، وبموازاة ذلك تطورت مشكلة شديدة في مجال القضاء الدولي إزاء احتجاز معتقلين في ظروف فظيعة في معتقل “سديه تيمان”.

حذر “الشاباك” عدة مرات من أنه لا مناص من إطلاق سراح معتقلين، ومن عدم تنفيذ اعتقالات أخرى في الضفة الغربية بسبب الضغوط. ركز بن غفير في وزارته على ما يشغله حقاً: تصريحات عبثية، وتقييدات تافهة بشأن ظروف معيشة المعتقلين والسجناء، وتوزيع أسلحة على كل من يريد (إذا حكمنا -حسب الاستطلاعات- فهذه الصيغة تخدمه جيداً. فلماذا يكلف نفسه بالعمل؟). ما كشف هنا هو عجز مطلق لحكومة فاشلة في وقت تتشاجر كل المستويات المختلفة علناً.

عاموس هرئيل

  هآرتس 2/7/2023

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.