كيف يتفادى ليونيل ميسي خطيئة رونالدو الكبرى؟

شبكة الشرق الأوسط نيوز : لم يعد هناك أدنى مجال للشك في تقدم البرغوث ليونيل ميسي، خطوات عملاقة في صراعه الأزلي مع غريمه التقليدي كريستيانو رونالدو على اللقب الشرفي «الأفضل في كل العصور»، وفي رواية أخرى «الماعز» (GOAT)، وذلك بطبعية الحال ليس فقط لاتساع الفارق بينهما على مستوى عدد مرات الفوز بجائزة «الكرة الذهبية»، كأفضل لاعب في العالم من قبل مجلة «فرانس فوتبول» الفرنسية، بعد تتويج الهداف التاريخي لبرشلونة والدوري الإسباني بالجائزة ثماني مرات، مقابل خمس مرات لأعظم هداف في تاريخ اللعبة، بل أيضا بعد نجاح ليو في تعويض سنواته العجاف على المستوى الدولي، بالحصول على بطولة قارية للمرة الثالثة في آخر 4 سنوات، بدأت بكسر العقدة على حساب المنتخب البرازيلي في نهائي كوبا أميريكا «ماراكانا» 2021 بهدف أنخيل دي ماريا الوحيد، ثم بالملحمة التاريخية في قطر، التي انتهت بمعانقة كأس العالم للمرة الثالثة في تاريخ البلاد والأولى منذ ثمانينات القرن الماضي، قبل أن يقود التانغو للاحتفاظ بكوبا أميريكا للمرة الثانية على التوالي، وهذه المرة على حساب خاميس رودريغيز ورفاقه في المنتخب الكولومبي، وأيضا بهدف نظيف، لكن بتوقيع جلاد الإنتر لاوتارو مارتينيز، والآن وبعد انتهاء احتفالات ميسي باللقب الدولي الثالث على التوالي، بدأت تتعالى الأصوات والنصائح للأسطورة لكي يتفادى مصير الدون، الذي تحول إلى مادة خام للسخرية في عالم «السوشيال ميديا»، بسبب عروضه الباهتة مع منتخب بلاده في السنوات القليلة الماضية، آخرها النسخة الصادمة التي كان عليها في يورو 2024 وهو على أعتاب الاحتفال بعيد ميلاده الـ40 على هذا الكوكب، والسؤال هنا: هل سيستجيب ليو لهذه النصائح؟ أم سيواصل الاستمتاع بمغامراته الدولية وما قاله بعد تتويجه بمونديال قطر 2022 «أحب كرة القدم ودائما ما أستمتع بكوني جزءا من المنتخب الوطني، وحقا أود الاستمتاع ولو بمباراتين بصفتي قائد أبطال العالم»؟

ماذا بعد؟

على النقيض من التوقعات التي كانت ترجح سيناريو اعتزال ميسي بعد توثيق مشاهد احتفاله بكأس العالم بالبشت القطري، باعتبارها لحظة رد الاعتبار المثالية لذاك الرجل، الذي سخر منه الناس ذات مرة، بسبب مزاعم افتقاره مواصفات ومهارات القيادة على المستوى الدولي، على عكس النسخة البراقة التي كان يبدو عليها مع فريقه الأسبق برشلونة في نفس الفترة، لكنه واصل القتال مع منتخب بلاده لمدة 18 شهرا أخرى، تكللت بنجاحه بالظفر بلقب الكوبا واللقب رقم 45 في مسيرته الاحترافية مع الأندية ومنتخب بلاده، ليصبح اللاعب الأكثر تتويجا بالألقاب الجماعية في كل العصور، بخلاف انفراده بالرقم القياسي كأكثر اللاعبين حصولا على «البالون دور»، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل سيحاول ميسي إضافة المزيد من الألقاب؟ ربما لو كان في بداية أو منتصف عقد الثلاثينات، لكانت فرصه أفضل في توسيع الفارق مع صاروخ ماديرا في كل شيء، لكن من سوء طالعه أنه أوشك على كسر حاجز الـ37 عاما، وبعد عامين من الآن، وتحديدا وقت انطلاق كأس العالم أمريكا الشمالية 2026، سيكون قد تجاوز ربيعه الـ39، وبنسبة كبيرة لن يكون بنفس النسخة الفاخرة التي كان عليها قبل 18 شهرا في كأس العالم الأخيرة، مع وضوح أكبر كابوس كان وما زال يخشاه ليو، وقال عنه ذات مرة «الجسد لا يرحم مع تقدم العمر»، ما يعني أن استمراره في القتال على المستوى الدولي لعامين آخرين، سيكون أشبه بالمقامرة على إرثه المضمون بالفعل، بدلا من مخاطر تشويه هذا الإرث إلى أن ينتهي به المطاف بالسير على خطى رونالدو في نفس المرحلة السنية، الذي ما زال يطمع في المزيد من الأرقام القياسية ويا حبذا الألقاب الجماعية الدولية، رغم أن ما قدمه على أرض الملعب في ألمانيا هذا الصيف، يظهر أنه كان بحاجة إلى نصيحة ذهبية لإقناع بالتركيز مع ناديه النصر السعودي في ما تبقى من مسيرته الكروية.

نهاية ساخرة

صحيح المدرب الإسباني روبرتو مارتينيز، يتحمل جزءا من حملات الهجوم والسخرية التي تعرض لها رونالدو، بسبب تساهله مع الأخير واتفاقه معه ولو بشكل ضمني على وضع مصلحته الشخصية على مصلحة المنظومة الجماعية للمنتخب البرتغالي في كأس الأمم الأوروبية الأخيرة، لكن يؤخذ على رونالدو، تمسكه بالتواجد مع منتخب بلاده، على حساب الشباب والأجيال الجديدة، وبالتحديد على حساب أسماء من نوعية ديوغو جوتا وغونسالو راموس كانا على مقاعد البدلاء في بداية مواجهة فرنسا في ربع نهائي اليورو، إلى جانب برونو فرنانديز ورفائيل لياو، اللذين ضحا بهما المدرب في نهاية المباراة من أجل الإبقاء على خطة لعب تناسب الهداف التاريخي للمنتخب، فكانت النتيجة، تحول ملك هدافي كرة القدم إلى محتوى ينبض بالسخرية في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ويتجلى ذلك في الانتشار المليوني لصورته الحزينة وهو يبكي، التي تنوب الآن عن الوجوه والرموز الضاحكة، بداية من صور بكائه الهيستيري بعد الخروج من الدور الأول لكأس العالم 2022، نهاية بنوبات البكاء المتكررة في اليورو، وغيرها من الأمور التي كشفت عناد رونالدو ورفضه الاعتراف لا بالهزيمة أو بالاستسلام أمام الطبيعة البشرية بعدما تقدم في الأمور، وبالنسبة لبعض النقاد والمتابعين، أشبه بالقائد الأناني الذي يضع مجده الشخصي قبل الجميع في غرفة خلع الملابس في المنتخب، وهذا بسبب التسريبات الإعلامية عن تذمر بعض اللاعبين من مبالغة المدرب في تدليل كريستيانو وتقمص دور الدفاع عنه، حتى عندما يكون في أسوأ حالاته، على عكس ميسي الذي لم يصل بعد لمرحلة العبء الزائد على المنتخب، بل وفقا لإيميليانو مارتينيز هناك «أسود تقاتل من أجل القائد ميسي»، وفي اعتراف آخر لمهاجم مانشستر سيتي جوليان ألفاريز، قال إن المجموعة كانت في قمة السرور بوجود القائد المحبوب على متن الطائرة المسافرة إلى بلاد العم سام من أجل الدفاع عن لقب الكوبا، لكن على المدى القريب والمتوسط، تظهر المؤشرات ولغة الأرقام أن قواه الخارجة بدأت تتلاشى، يكفي أنه أنهى الكوبا كرابع أكثر اللاعبين نجاحا في المراوغات المكتملة (12 مرة)، وثاني أكثر اللاعبين صناعة للفرص (14 تمريرة مفتاحية) بعد نجم البطولة خاميس رودريغيز (20 تمريرة حاسمة)، وبالطبع هي ليست بالأرقام السيئة أو السلبية، لكنها لا تعكس النسخة الهوليوودية التي كان عليها البرغوث في قطر أواخر 2022، كأكثر اللاعبين تكاملا على المستوى الفردي والجماعي منذ تأثير مواطنه الراحل دييغو أرماندو مارادونا في التتويج بنسخة المكسيك 1986.

صداع واسترخاء

بشهادة المؤيد قبل الغريم، ميسي لم يكن حاسما كعادته في كوبا أميريكا الولايات المتحدة 2024، بعدما اكتفى بتسجيل هدف وحيد وصناعة مثله، وذلك تأثرا بمشاكله المتزايدة في الآونة الأخيرة مع صداع الإصابات المتكررة، التي عصفت بمعدلاته البدنية، كما كان واضحا في انطلاقاته البطيئة للغاية في سباقات السرعة مع المدافعين. وبوجه عام، من يتابع أخباره مع ناديه إنتر ميامي الأمريكي، يعرف جيدا أن مشهد انتكاسته في المباراة النهائية، التي أجبرته على البكاء وترك مكانه، يتكرر كثيرا في مباريات الفريق في الدوري المحلي، بكم مخيف من الإصابات العضلية والأمراض المتنوعة، التي أعاقته عن اللعب في أغلب أوقات الموسم الماضي، وهذا في حد ذاته، أشبه بالمؤشر بأن القادم لن يكون أسهل أو مفروشا بالورود، بل سيكون أكثر صعوبة، مع وصول النجم الكبير لقمة الاستمتاع بحياته الملكية مع زوجته أنتونيلا والأولاد في أمريكا، بالتعامل مع تجربته مع إنتر ميامي، على أنها فرصة مثالية للتخلص من ضغوط وأعباء اللعب في أعلى مستوى تنافسي لما يلامس العقدين من الزمن، وهذا ما أكده بنفسه في أكثر من مقابلة موثقة، قائلا نقلا عن موقع «Goal» العالمي «هدفي في الوقت الحالي الاستمرار في العيش يوما بيوم»، وذلك في تعليقه على حياة التسوق والتسكع مع أفراد الأسرة والعائلة في ميامي، لكن في الوقت ذاته، يعرف كيف ينتقد نفسه ولن يتردد لحظة في التوقف عن ركل الكرة عندما يشعر أنه لم يعد قادرا على العطاء، لكن هل يا ترى سيبقى صامدا ومحافظا على معدلاته البدنية مع حلول صيف 2026؟ بلغة العقل والمنطق، سيكون من التخلص من الشكوك حول قدرته على تجاوز الإصابات المتزايدة، ومعها سيكون قد ارتكب نفس خطيئة كريستيانو في خريف العمر، خاصة وأن ميسي 2024 لم يعد بنفس السرعة ولا النسخة السينمائية المحفورة في الأذهان عنه حتى نهائي مونديال 2022، فهل تعتقد عزيزي القارئ أنه استقر على الموعد المثالي لاتخاذ قرار الاعتزال الدولي؟ أم سيواصل المغامرة إلى أن تتحول إلى عناد وينقلب السحر على الساحر في ختام رحلته الأسطورية مثل نهاية رونالدو المأساوية مع منتخب بلاده؟ دعونا ننتظر ما سيحدث، ولو أن عالم كرة القدم يود لو يتوقف الزمن بميسي ورونالدو من أجل الاستمتاع بهما لأطول فترة ممكنة.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.