بين كلمة الرئيس وخنجر الأمن.. حرية التعبير في الميزان..

محمود الدباس ….

في زمن تتكالب فيه الأحداث وتتعاظم الآلام.. وفي لحظات يكون فيها الصوت الوحيد الممكن.. هو ذاك الذي ينبع من عمق الروح والمشاعر.. يأتي التعبير عن الرأي كنافذة أمل للناس.. وكمساحة يستطيعون من خلالها نقل مشاعرهم وآمالهم وأحلامهم..
ومنذ اندلاع الأحداث في غزة.. كان الموقف الأردني الرسمي والشعبي.. واضحاً وصريحاً في معارضته لما يجري.. حيث ارتفع سقف التعبير في وسائل الإعلام الرسمية منها قبل الخاصة.. ليعكس مشاعر التضامن والتأييد..

وفي موسم تخريج الجامعات.. الذي يحمل في طياته فرحة الإنجاز.. ونشوة الحصاد.. كان لحفل التخريج في الجامعة الأردنية هذا العام طابع خاص.. إذ تميز بكلمة معالي رئيس الجامعة.. البروفيسور نذير عبيدات.. التي كانت من أعمق وأقوى الكلمات.. والتي تناولت ما يجري في غزة.. كلمات عبيدات لم تكن مجرد خطاب.. بل كانت أشبه بفيلم مصور يحمل الأحاسيس والمشاعر التي تجتاح أهلنا في غزة.. والتي عجزت الكثير من الوسائل عن نقلها بهذه الصدق والعمق..

وفي ظل هذا الجو المشحون بالمشاعر.. لم يكن من المستغرب أن يعبر الطلاب عن مشاعرهم بطرقهم الخاصة.. أحد هؤلاء الطلاب.. حمل لوحة كتب عليها عدد أيام الحرب.. مطالباً بوقف المأساة.. مشهد مؤثر يعكس بصدق ما يختلج في صدره من مشاعر.. كان يمكن أن يكون رسالة أمل وصوت تضامن.. تدعم الموقف الاردني..

لكن للأسف.. في لحظة تشبه طعنة في القلب.. صعد أحد أفراد أمن الجامعة إلى منصة التخريج.. وانتزع تلك اللوحة من يد الطالب.. مشهداً يوحي بأن الجامعة والدولة لا تتقبلان هذا النوع من التعبير.. هذا التصرف العنيف.. قلب المشهد رأساً على عقب.. محولاً الصورة من وقفة شجاعة تعبر عن مواقف رأس هرم الدولة وأي مواطن شريف.. إلى مشهد يعكس عكس ما تمثله الجامعة الأردنية ورئيسها.. وكأننا لسنا مع وقف ما يجري في غزة..

إن تصرف رجل الأمن الجامعي هذا.. لم يكن مجرد حركة عابرة.. بل كان خنجراً مسموماً في قلب حرية التعبير.. وصوتاً نشازاً في سيمفونية التضامن.. تصرف لا يمكن قبوله أو تبريره.. وينبغي أن يكون محل إدانة واستنكار من الجميع.. لأنه ضرب أروع مثال على كيف يمكن لفعل واحد أن يقلب كل الموازين.. ويحول موقفاً وطنياً نبيلاً.. إلى مشهد مناقض تماماً.. على الجامعة الأردنية أن تتخذ إجراءات صارمة ضد هذا التصرف.. وأن تعيد الأمور إلى نصابها.. مؤكدة على حق الجميع في التعبير عن مشاعرهم بصدق وأمان..