لبنان: «نكايات» و«فائض اختراق» ومراسل «ركام»… والأردن ضد «مناهج سميرة توفيق»

بسام البدارين  ….

قراءة الأخبار مهمة تختلف طبعا ودوما عن ممارسة دور «مراسل الركام».
زميلنا في «الجزيرة» حسن جمول أجاد الواجبين مرحليا عندما وقف على رصيف ساحة الشهداء في ضاحية بيروت الجنوبية مستجوبا مجموعة من الضيوف والمراسلين معا، رغم أن أكاديميات العمل التلفزيوني يقتضي واجبها الآن بإعداد برامج تأهيل خاصة باسم «كيف تصبح مراسلا بين الركام والجثث؟».
«العدو الإرهابي» يقتل ببساطة اليوم أينما شاء من أهلنا في غزة ولبنان وسوريا والعراق، وصولا إلى «بساط الدم المستباح» قريبا على الأرجح لعواصم العرب المتبقية التي قال فيها صديقنا جواد العناني «ما يفترضه الأمريكي أن عواصم العرب يتوجب أن تكون ممتنة لأنها لم تقصف بعد». حاجتنا ملحة لفئة «مراسلي الركام».
ما علينا.. بثقة وهدوء لائق سأل حسن جمول ضيفه على رصيف الشهداء عن «الاختراقات الأمنية ل«حزب الله» بعدما تكاثرت».

اختراقات «حزب الله»

الإجابة طبعا لم تكن مقنعة ولسبب يتيم برأينا فكرته أن أحدا فينا نحن معشر المتفرجين على الدماء البريئة السائلة لا يعرف من اخترق من وكيف ومتى بعد، وأحسب أن الأشقاء في قيادة «حزب الله» أيضا ضمن هذه الشريحة.
زميلنا المذيع عبد القادر عياض، كان أكثر انفعالا وقهرا وهو يسأل ضيفا لبنانيا: «يا أخي كيف يتمكن الإسرائيلي من الاختراق تلو الاختراق؟»
الجواب بالتأكيد «مخجل» ويخدش «الشعور القومي» حتى وإن حاول تجاوزه المسؤول، مكتفيا بالتلميح إلى «شبكة جواسيس وأجهزة مضادة ل«حزب الله»».
شخصيا الوحيد الذي أقنعني علميا بالجواب هو الدكتور وليد عبد الحي الذي زودني بـ»ورقة علمية» تجيب على السؤال ذاكرا بصراحة «الجهات» التي تريد أن تستيقظ صباحا دون أي ذكر للمقاومة اللبنانية.
قائمة عبد الحي «صادمة»، فهي تشمل بالاسم «سوريين غاضبين» ورجال درك ومؤسسات شرطة وأكثر من 42 جمعية مسيحية ومجموعات «فلول» سنية وأخرى شيعية منشقة وطبعا الاستخبارات الأمريكية وكامل أجهزة المخابرات الغربية والعديد من «العسس العرب» إياهم، وكل هؤلاء لديهم مال وشبكات وأذرع إعلام وتلفزيون.
إزاء هذا الواقع الموضوعي المطلوب من «حزب الله» السير بالعتمة وسط غابة من «النكايات» أو «تسليم سلاحه»، وعلى زميلينا عياض وجمول التوقف عن طرح السؤال بـ»خجل» فكل تلك الجهات في المحصلة تتواطأ مع المذبحة والمجرم حتى وإن كان لديها أسبابها، والمسألة بعد «فائض الاختراق» لم تعد لغزا.
ومع احتفاظي ببعض الملاحظات حول أداء الحزب في «الماضي السوري» لا بد من التذكير أن ما قاله حسن نصر ألله يوما عبر شاشة الميادين مقنع وصحيح لأن من يراقب دماء غزة تهدر الآن ستسيل الدماء وسط أهله وقدميه مستقبلا، على الأقل هذا ما تقوله خرائط المدعو سيموريتش.

مناهج «سميرة توفيق»

جمهور الشاشات في عمان يتابع ما يجري في لبنان، لكنه لا يحفل كثيرا بمسألة «الاختراقات الأمنية» في الضاحية الجنوبية، وحصل على جرعة زائدة من الاهتمام المفرط بما يسمى اليوم «مناهج سميرة توفيق».
عبثا حاولت فضائية «المملكة» تسليط الضوء على «توضيحات» المركز الوطني للمناهج التي لم يسمعها الجمهور.
قبل أشهر فقط أطلت الفنانة اللبنانية الشهيرة سميرة توفيق على شاشة «أم بي سي»، بعدما حضرت بصعوبة للأستديو فتدفقت في حديث «ذكرياتها الأردنية» حصرا وشرحت تفاصيل أغنيتها التراثية التي أصبحت عنوانا لهوية النشامى.. «بالله تصبوا هالقهوة وزيدوها هيل.. واسقوها للنشامى عظهور الخيل».
عندما يصدح المعازيم في أي عرس أردني بتلك الأهزوجة اللطيفة تصيح الحناجر بصوت جهوري وهي تطيل كلمة «الخييييييل».
سميرة توفيق الكلمة والوجه واللحن ولد معها ملايين الأردنيين ونحن جميعا نحفظ نصوص أهازيجها الودودة.
أحد «المطورين للمناهج» قرر إضافة نص في كراس للصف الرابع الابتدائي متخصص بالثقافة الموسيقية عن تراثيات الفنانة فثارت عاصفة جدل من لا مكان.

نسي الناس غزة ولبنان وتشكيل حكومة الدكتور جعفر حسان، وبدأوا بقصف كل الجهات التربوية على أساس «مؤامرة مندسة» لتسميم أجيال الشعب بـ»الموسيقى» مع أن سموم المخدرات مثلا أخطر بكثير.
أحدهم طلب بسخرية إضافة حصة عن «فيفي عبده» وهيفاء وهبي.. ما الذي يمنع ذلك عمليا؟ الرقص الشرقي مظلوم عموما وبلادنا معنية بالإنصاف.
أحد مطربي الأعراس هتف قائلا «أطالب بحقي في إضافة فقرة عني بالمنهاج».. وآخرون قالوا عن سميرة توفيق «ليست أردنية».
لاحقا ركب الموجة سياسيون ونشطاء ورموز مهنة الحفر في «أرشيف واستقالات».
ينسى المتحدثون عن «مناهج سميرة» في الأردن مشهد تلفزيون الحكومة الرسمي، وهو يعرض «السيرة الذاتية» لـ32 وزيرا جديدا.
الإشارة لفنانة عشقها الأردنيون وعشقتهم «أخطر» رأي المتشدقين من تشكيل حكومة بعدد وزراء يصلح لإدارة الصين وأستراليا و3 جمهوريات إفريقية معا، حيث 5 وزراء دولة لا أحد يعلم ما هي وظيفتهم بصورة محددة.
ثمة طائر معروف بالعراق اسمه «ملهي الرعيان» وظيفته الغدر بالراعي والرعية حتى يتسلل الذئب ويخطف الأغنام، ومن اخترع بيننا أزمة اسمها «سميرة توفيق» يشبه ذلك الطائر!

 مدير مكتب «القدس العربي» في عمان

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.