الشرق الأوسط بين أوهام الماضي وأحلام المستقبل

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات …. 

 

منذ إندلاع الحرب في اليمن عام 2015 بين قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي المدعومة من إيران، تحول اليمن إلى مسرح لصراع إقليمي تشارك فيه قوى دولية وإقليمية متعددة، وفي إطار التدخل الإقليمي سواء عبر الأسلحة أو التدريب، يعتبر الدعم الإيراني للحوثيين عنصراً محورياً في تمدد هذا الصراع، وتحول النزاع في اليمن إلى حرب إستنزاف مع آثار كارثية على الشعب اليمني، بما في ذلك المجاعة وتفشي الأوبئة وتدمير البنية التحتية، في نفس الوقت فإن محاولات الوساطة سواء من قبل الأمم المتحدة أو دول الخليج، لم تؤتِ ثمارها بصورة ملموسة، على رغم التقدم المحدود الذي تم تحقيقه في بعض جولات المفاوضات، إذ لا يزال الحوثيون يسيطرون على جزء كبير من شمال اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، ويواصلون إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة تجاه إسرائيل ويثيرون القلق والإزعاج وعدم الإستقرار في البحر الأحمر، مما يعمق من تأثير الصراع على المستوى الإقليمي.
ففي السودان يشهد النزاع بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو ( حميدتي ) مرحلة تصعيد متزايدة، فمنذ إندلاع القتال في أبريل 2023، أنزلقت البلاد في دوامة من العنف الداخلي، مما أسفر عن آلاف القتلى والجرحى وتشريد مئات آلاف المدنيين، ويبقى يتجاوز الصراع في السودان مجرد تنافس عسكري بين الجنرالين عبدالفتاح البرهان و حميدتي ، فهو يعكس فشل المرحلة الإنتقالية ألتى بدأت بعد الإطاحة بنظام عمر البشير في عام 2019، إذ لا تزال القوى المدنية مهمشة، بينما تسعى القوى العسكرية إلى الإستئثار بالسلطة والسيطرة على الموارد، ومما يزيد من تعقيد الوضع في الشرق الأوسط هو التدخلات الإقليمية والدولية، إذ تقوم إيران بدور رئيس في دعم الفصائل المسلحة في لبنان والعراق واليمن، وتسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال مواجهة النفوذ الأميركي والإسرائيلي وتدخلها في ساحات أخرى في سوريا والعراق، أما الولايات المتحدة، فتضطلع بدور غامض في الشرق الأوسط، فعلى رغم أنسحابها الجزئي من بعض الصراعات، مثل الحرب في أفغانستان، إلا أنها لا تزال تحتفظ بوجود عسكري مهم في بعض الدول وتسعى إلى الحد من النفوذ الإيراني، بخاصة من خلال التحالف مع إسرائيل وبعض دول الخليج، وفي ظل هذه التوترات المتصاعدة، يبدو أن الشرق الأوسط يمر بمرحلة حرجة، وهذا ما شخصه جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه في خطابه التاريخي والقانوني والسياسي من على منصة الأمم المتحدة قبل أيام، فالنزاعات المسلحة لا تزال مستمرة، سواء في غزة أو اليمن أو السودان أو في لبنان، في حين أن التنافس الإقليمي بين القوى الكبرى مثل إيران وإسرائيل يعقد محاولات الحل، وما يبقى يحتاج إليه الشرق الأوسط اليوم هو رؤية سياسية جديدة تعتمد على الحوار الإقليمي وتقاسم السلطة بصورة عادلة، وإلى أن يتحقق ذلك سيظل المواطن العادي في المنطقة هو الضحية الأولى كما هو الآن في غزة وبيروت، ويعيش تحت وطأة الحروب والنزاعات ألتي يبدو أنها لا تنتهي، وفي ظل مرور عام على الحرب على غزة وإندلاع الصراعات على جبهات متعددة في الشرق الأوسط، يبدو أن المنطقة تشهد تفاعلات معقدة تتداخل فيها الصراعات المحلية مع التوترات الإقليمية والدولية، وتبقى تتزايد التحديات الأمنية والسياسية مع تعاظم دور الفصائل المسلحة الموالية لإيران في لبنان واليمن والعراق، وفي حين أن السودان يعاني صراعاً داخلياً مستمراً، وهذه الإضطرابات تعكس حالاً من الإنقسامات العميقة ألتي تعزز التوترات الطائفية والعرقية، إضافة إلى تنافس القوى الإقليمية والدولية، ولا تزال غزة تعاني موجة من العنف والموت وحصاراً إقتصادياً خانقاً وتواجه تحديات إنسانية كبيرة، في حين تستمر محاولات الوساطة، خصوصاً من جانب مصر وقطر، بينما تبقى مسائل عدة عالقة في جوهر الصراع الفلسطيني ـــ الإسرائيلي من قضايا الإحتلال الإسرائيلي والتهجير القسري وحقوق الفلسطينيين، وفي السياق الأوسع، لا يزال العالم العربي يواجه إنقساماً في مواقفه تجاه القضية الفلسطينية، إذ تبدو بعض الدول العربية منغمسة في تدشين العلاقات مع إسرائيل، مما يثير خلافات داخلية بين الأطراف العربية ويعزز العزلة ألتى يعانيها الفلسطينيون على الساحة الدولية، أما على الحدود اللبنانية فقد تصاعدت التوترات بين حزب الله وإسرائيل، بحيث يرى كثيرون بأن الصراع في لبنان هو حرب بالوكالة بين إيران وإسرائيل، إذ يُعدّ حزب الله المدعوم من طهران، الفاعل الرئيس في لبنان، ويتمتع بنفوذ عسكري وسياسي كبير جدأ، وكانت المواجهات المسلحة بينه وبين إسرائيل نادرة منذ الحرب عام 2006، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تزايداً في التحذيرات والتهديدات المتبادلة، وجراء ذلك يزداد الوضع الداخلي في لبنان تعقيداً، فالبلاد تعاني إنهياراً إقتصادياً غير مسبوق، وغياب الإستقرار السياسي منذ أكثر من عامين مع حال الفوضى والتشتت السياسي وفشل الحكومة في توفير حاجات المواطنين، فهذه العوامل إلى جانب تفاقم الأزمة الإقتصادية تعطي حزب الله فرصة لتعزيز موقفه كمصدر للسلطة والنفوذ في البلاد، مما يزيد من إحتمالية إندلاع نزاع واسع في المستقبل القريب، حمى الله لبنان الشقيق وشعبه العظيم وأنعم عليه الأمن والأمان والأستقرار .

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.