*فادي السمردلي يكتب:خداع الألقاب والمناصب يتجسد في مثل “فكرنا الباشا باشا”.*

*بقلم فادي زواد السمردلي* …. 

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

في الكثير من الأحيان، نعيش تجارب محبطة حينما نكتشف أن الشخص الذي طالما اعتقدنا أنه “باشا” – بالمعنى المجازي للكلمة، أي قائد حكيم وقوي وفي الحقيقة ما هو إلا شخص عادي، بل وأحياناً أقل من ذلك بكثير ويعكس المثل الشعبي “فكرنا الباشا باشا، طلع الباشا زلمه” هذه الحقيقة المرة، ويعبر عن خيبة الأمل التي تصيبنا عندما نتعرف على شخصيات ممن يتقلدون المناصب الرفيعة في القطاعين العام والخاص، والتي نراهم في البداية وكأنهم يمتلكون من الصفات ما يميزهم عن الآخرين، إلا أن الواقع يكشف لنا عكس ذلك تمامًا ويسقط الأقنعة.

تبدأ القصة عادة في لحظة الصعود إلى منصب متقدم ومرموق، حيث يظهر الشخص وكأنه قد حصل على هذه المكانة بفضل مهاراته وقدراته القيادية الفائقة فالمظاهر عادة تكون خداعة ومغرية والمسؤولون الذين يرتدون بدلات أنيقة، يتحدثون بثقة، ويملكون مفردات قوية تظهرهم كأبطال يحيط بهم الاحترام وفي بعض الأحيان، يبدو هؤلاء الأشخاص كرموز عظيمة، وكأنهم قد تم اختيارهم لهذا الدور بسبب خبراتهم الاستثنائية وقدرتهم على تغيير الواقع إلى الأفضل ولكن بمجرد أن يبدأ التعامل المباشر وعلى ارض الواقع مع هؤلاء الأفراد، تبرز الحقيقة المؤلمة التي غالبًا ما تكون بعيدة عن التصورات التي كان يحملها البعض عنهم.

المفاجأة التي نصطدم بها والكثيرون هي أن هؤلاء “الباشوات” ليسوا كما تخيلناهم بل نجدهم يفتقرون إلى القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، أو أحيانًا تكون لديهم فكرة محدودة جدًا عن التحديات التي تواجههم وقد يكون لديهم منصب رفيع سابقا ومتقدم حاليا، ولكنهم يفتقرون إلى الكفاءة أو الخبرة الحقيقية التي تتيح لهم النجاح في هذا الدور وتبرز لديهم قلة المعرفة بالتفاصيل، ضعف في القيادة، أو انعدام القدرة على التأثير الإيجابي في بيئة العمل أو المجتمع الذي يخدمون فيه.

هذه الظاهرة ليست محصورة في مناصب معينة أو في قطاعات محددة، بل هي تتغلغل في مؤسسات ومنظمات وهيئات كثيرة حيث يتم منح الألقاب والمناصب بناءً على عوامل غير متعلقة بالكفاءة الفعلية وقد يكون الصعود إلى المناصب نتيجة للواسطة أو المحاصصة او العلاقات الشخصية أو التقدير الاجتماعي بعيدًا عن الأداء الفعلي وفي بعض الحالات، يصبح من الممكن أن نرى شخصيات في مواقع مهمة لكنهم في الحقيقة ليسوا مؤهلين لتحمل تلك المسؤوليات، مما يؤدي إلى تراجع الأداء العام للمؤسسات، بل وأحيانًا يؤدي إلى تعثر المشاريع وتدهور البيئات المهنية.

لكن الأدهى من ذلك هو التأثير الذي يتركه هؤلاء الأشخاص على المحيطين بهم فعندما يقود شخص غير كفوء فريقًا أو إدارة ما، يصبح من الصعب تحقيق النجاح لإن ضعف القيادة يؤدي إلى تدهور الروح المعنوية للموظفين، وفقدان الثقة في النظام، وتراجع الإنتاجية بشكل ملحوظ وكما أن هؤلاء الأشخاص قد يكررون الأخطاء أو يتخذون قرارات غير مدروسة، مما يؤدي إلى تصاعد المشكلات بدلاً من حلها.

من أجل تغيير هذا الواقع، يجب أن ندرك أن الحكم على الأشخاص بناءً على ألقابهم أو المناصب التي يشغلونها هو أمر خادع والمطلوب هو النظر إلى الإنجازات الحقيقية، إلى القدرة على القيادة الفعالة، وإلى التجارب الميدانية التي يمكن أن تعكس الكفاءة الحقيقية لشخص في منصبه فالقيادة ليست مجرد ألقاب فارغة، بل هي مسؤولية عظيمة تتطلب مهارات مهنية وتوجيه حكيم وقرار مدروس.

لابد أن يتغير نمط التفكير في المجتمع والمؤسسات بحيث يتم التقييم بناءً على الكفاءة والأداء الفعلي ولا يجب أن نسمح للمظاهر بأن تضللنا، بل يجب أن نتحلى بقدرة على التمييز بين ما يُشاع عن شخص وما يقدمه في الواقع إن الألقاب التي يتمتع بها البعض يجب أن تكون انعكاسًا حقيقيًا لما يمتلكونه من قدرة على تحقيق التغيير، لا مجرد وسيلة للظهور أو المبالغة في احترام شخص قد يكون أقل بكثير من التوقعات ورسالتنا إلى هؤلاء الذين ظنناهم قامات، فاكتشفنا أنهم فارغون كفى خداعًا! كفى ارتداء أقنعةٍ تلمّع صوركم أمام الناس فيما حقيقتكم خاوية! كفى عبثًا بالمناصب والسلطات التي منحتكم إياها المصادفات، المحسوبيات، أو العلاقات، وليس الكفاءة والجدارة! لقد مللنا من تلك الواجهات المزيفة التي تجعل منكم “باشوات” في أعين الناس، بينما أنتم في الواقع لا ترقون حتى إلى مستوى المسؤولية التي تحملونها فلطالما ظننا أن المناصب تُمنح لمن يستحق، لمن يمتلك الكفاءة والقدرة على التغيير، لمن يعمل بجدّ ويُظهر الحكمة في القرار. لكن الواقع، للأسف، كشف لنا زيف ما اعتقدنا.
أنتم أيها “الباشوات الورقيون”، وجودكم في مواقع السلطة لم يترك سوى أثر سلبي على مؤسساتكم وعلى من وثقوا بكم، فما أنتم إلا عقبة أمام أي تقدّم فتهاونتم في المسؤولية، وأغرقتم المؤسسات بقرارات ضعيفة غير مدروسة قتلتم الطموح ونكثتوا الوعود ..ولم تصلوا بالزورق إلى بر الأمان أسألكم ما الذي أنجزتم؟ أين بصمتكم؟ أين التغيير الذي ادعيتم؟

القائد الحقيقي ليس باللقب، وليس بالمكتب الفاخر أو البدلة الأنيقة فالقائد الحقيقي يُثبت وجوده في الميدان، حيث يعمل، يُنجز، ويواجه التحديات بإرادة حقيقية ووعي عميق أما أنتم، فاقدو الكفاءة، كل ما فعلتموه هو أنكم أضعفتم الروح المعنوية لكل من عمل تحت إدارتكم، وبدّدتم الفرص والطموحات بضعفكم وترددكم.

حان الوقت لنقولها بصراحة لن نقبل منكم إلا من يُظهر عمله ونتائجه لن نقدّر سوى أصحاب الإنجاز الفعلي والقيادة الحكيمة فالمناصب مسؤولية وليست وجاهة، والألقاب التزام وليست وسيلة لاستعراض فارغ.

إن كنتم لا تمتلكون الكفاءة التي تبرر مناصبكم، فارحلوا اتركوا المكان لمن يستحق، لمن يستطيع أن يعيد الأمور إلى نصابها، وأن يثبت أن القيادة فعل وعطاء، وليست تمثيلًا زائفًا ومسرحية واهية.

فالزمن كشفكم، والأيام لن ترحم من يعتقد أن الألقاب وحدها تكفي ليبقى فوق النقد والمحاسبة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.