الصراع بين السلطنة العثمانية والإمبراطورية الفارسية
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات ….
لماذا اليوم يدور حديث عن نهاية الشرق الأوسط ..؟ أننا كشعوب عربية كنا قد تعلمنا من درس لبنان ثم العراق بأن خرائط سايكس ـــ بيكو لا تزال منذ أكثر من مئة عام عصية على نجاح المساعي القومية للتوحيد والمساعي الفئوية للتقسيم، فلا وحدة بين بلدين نجحت ولا تقسيم تحقق، إذ هي متشابكة ومترابطة، بصرف النظر عن الروايات حول جهل السير مارك سايكس وفرنسوا جورج بيكو بالمنطقة والأعتباط في رسم حدود تضم مجموعات غير متجانسة لأسباب تتعلق بالخيارات الإستراتيجية البريطانية والفرنسية والتسابق بين البلدين المنتدبين على النفط وأمور أخرى، ويمكن القول بأن تغيير الخريطة في سوريا يفرض تغيير الخرائط في لبنان والعراق وفلسطين وتركيا وحتى وإيران، “شيء من الفرز وشيء من الضم”، فرز البلدان الضعيفة بما يأخذ منها، والضم إلى البلدان القوية ألتي تريد الحصول على ما تحلم به من أحلام السلطنة العثمانية ولا سيما بالنسبة إلى ضم حلب والموصل وصولاً إلى “ولاية الفقيه” حول ضم كل شيء عند ظهور الإمام الغائب وتأليف حكومته وحكم العالم، فضلاً عن أحلام إسرائيل الكبرى وبعضها في الجولان السوري وقمة جبل الشيخ والقنيطرة ومصادر المياه والضفة الغربية وبالطبع غزة وحتى الجنوب اللبناني حتى نهر الأولي، ولا أحد يجهل كيف يكون المشهد في المنطقة إذا تحققت بالفعل معادلة الفرز والضم، وهو بالتأكيد ليس مشهد سلام وتنمية وتعاون بين البلدان ألتي تخسر من أرضها والبلدان ألتى تضم إليها أرضاً ليست لها، إنه مشهد صراعات وحروب، لا فقط مئة عام أخرى من الصراع العسكري مع إسرائيل لتحرير الأرض بل أيضاً إستعادة لقرون من الصراع مع السلطنة العثمانية والإمبراطورية الفارسية والصراع بينهما على ما هو أكثر من النفوذ، لذا يمكن القول اليوم بأنه لا مجال للتصور بأن اللعبة الإقليمية مقتصرة على تركيا وإيران وإسرائيل، سواء في إطار الصراع العنيف أو في إطار التفاهم على النفوذ في مناطق خاصة بكل قوة إقليمية، وبالتالي ترتيب نظام أمني إقليمي جديد، فاللعبة الدولية أكبر والدور مفتوح لظاهرة القوى غير الدولية ألتى جائتها فرصة في ما سماه العالم السياسي الفرنسي برتران بادي دخول زمن تتلاشى خلاله التحالفات تدريجياً لمصلحة سيولة شديدة تصطدم بالواقع الحالي، بحيث أضحى الحليف الذي يحظى بالحماية أو الوكيل يتمتع بهامش إستقلالية حيال الأصيل، وإذا كانت أميركا فشلت في ضمان أمن البحر الأحمر وتوقفت أمام سؤال عن قدرتها على أمن المحيطين الهندي والهادئ كما يقول مارا كارلين في مقال عن الحرب الكلية، فإنها مصرة على اللعبة الكبيرة في الشرق الأوسط والشرق الأقصى، وإذا كانت الصين اليوم شديدة الأهتمام بإستعادة تايوان المحمية أميركياً، وكثيرة الراحة حيال مشروع الحزام والطريق الذي تشارك فيه 130 دولة، فإنها تبني قوة بحرية وجوية هائلة تفرض البحث عن مناطق نفوذ لها، والشرق الأوسط ليس كله تجارة، وإذا كانت روسيا اليوم مشغولة بحرب أوكرانيا، فإنها تبقى تعمل بكل نشاط للحفاظ على قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية في سوريا، وحتى في حرب أوكرانيا، فإن ما يخوضه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو حرب أكبر بكثير من أوكرانيا، حرب إعادة تصحيح ما يسميه التغول الغربي على روسيا بعد الحرب الباردة، وإثبات أن موسكو محور قوة عظمى، وليس غريباً أن ترتفع أصوات تدعو إلى تقسيم سوريا، وسط الدعوات الرسمية ومنها المملكة الأردنية الهاشمية والعربية والإقليمية والدولية إلى التمسك بوحدتها وسلامة أراضيها، الغريب في الأمر هو تجاهل ثلاثة أمور أساسية لدى دعاة التقسيم .
أولها: أن سوريا مقسمة أصلاً منذ عام 2011 إلى حصص تتحكم بكل منها قوة إقليمية أو دولية أو معاً.
ثانيها: أن التوجه الطبيعي بعد سقوط النظام بهذه السرعة هو الإنتقال من التقسيم إلى التوحيد، وليس تكريس التقسيم بشكل رسمي أو بالقوة.
الثالث: أن خريطة سوريا ليست معزولة عن خريطة المنطقة العربية، بالتالي فإن اللعب بها ليس عملية مغلقة على اللعب بالخرائط الأخرى، ولو كان اللاعبون محليين وإقليميين ودوليين، ومع حديث الفرز والضم هناك اليوم من يتحدث عن نهاية الشرق الأوسط لماذا ..؟ لأن خريطة قديمة تشوه واقعية جديدة في الشرق الأوسط، خاصة وأن العالم العربي وإسرائيل وتركيا وإيران لم يعد كما هو على خرائط الجامعات والخارجية الأميركية، فهو الآن يشمل أفغانستان وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا وكينيا وباكستان والصومال، وخريطة القيادة الوسطى الأميركية، وكما قيل من قبل بأننا كعرب قد تعلمنا من درس لبنان ثم العراق، خاصة وأن خرائط سايكس ـــ بيكو لا تزال منذ أكثر من مئة عام عصية على نجاح المساعي القومية للتوحيد والمساعي الفئوية للتقسيم فلا وحدة بين بلدين نجحت ولا تقسيم تحقق .
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.