رسالة إلى من يطلبون تكبيل سلطة الحاكم الإداري أو إلغائها

بقلم الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي.……..

 

هذه قصة حقيقية من واقع أنا عشته ولامسته أثناء عملي بالميدان حيث كنت رئيسا لقسم مكافحة المخدرات بمدينة الزرقاء وقد وردت لي معلومات بأن هناك أحد الزعران والمعروفين بمجتمع الزرقاء ولا يستطيع أي أحد أن يتقدم عليه بشكوى مهما فعل أو عمل ، وذلك خوفا منه وممن هم تحت سيطرته من القُصَّر (أحداث تحت سن 14 سنة) ، ولأنه من أصحاب فرض الأتاوات على المحلات التجارية تحت حجة الحماية من الزعران الأخرين الذين كانوا يتقاسمون فرض الأتاوات على المحلات التجارية بالشوارع والحارات ، كان هذا الأزعر يأتي يوميا الى مجمع باصات عمان الزرقاء الخارجي ثم يجلس بأحد الباصات ويأخذ حصته ولا يستطيع مالك الباصات ان يدخل المجمع او يجمع غلته أثناء وجوده الا بعد أن يؤدي المفروض عليه لذلك الأزعر ، ثم بعد ذلك يذهب إلى صاحب محل لبيع السجاد ويأخذ منه أيضا تقريبا نفس المبلغ . طلبت صاحب الباصات لمكتبي وعندما سألته عن هذه المعلومات حيث انكر بالبداية ثم بعد ذلك اعترف مع الرجاء المرتجف بالخوف من أن يعلم الأزعر بأنه قد تحدث لي عنه ، وعندما سألته عن سبب خوفه أخبرني بأنه اذا لم يمتثل لطلبات الأزعر فإنه سوف يرسل له أحد الأولاد الأحداث ليُعلموا(يشطبوا) وجهه بشفرتان حادتان مثبتتان على طرفي قداحة الغاز بلاصق ، وبالتالي فإن وجهه سيتشوه للأبد ولن تختفي هذه العلامات من وجهه كونها تعمل جرحان متوازيان بالوجه ، والفاعل الجاني هو حدث من صبيانه لن يدخل السجن بل سيدخل مراكز الأحداث للتنمية الاجتماعية حتى لو اشتكى عليه فما عادت الشكوى مجدية ولا رادعة أيضا بل هي مؤذية له ولعائلته الذي سيكونون مهددين أيضا ، وعندما تحدثت مع صاحب محل السجاد أجابني بنفس الإجابة وأعلن لي عذره عن سبب خضوعه للأزعر وخصوصا أن هناك من كان قد اشتكى عليه او لم يتجاوب ويخضع له فقد حصل لهم ما قد حصل من أذى وتشطيب للوجه ولم يحصل شيء لذلك الأزعر . مع احترامنا وتقديرنا للقضاء ورفعة مقاصده، قد يعجز أحياناً عن درء شرور أناس لا يعبؤون به، ولا يقيمون للحق وزناً، ولا يردعهم عن غيهم قاضٍ ولا حكم. كأنهم وحوش انفلتت من عقالها، تنقض على الضعفاء بلا وازع من ضمير أو دين، تدوس كل جميل، وتزرع في النفوس الخوف بدل الطمأنينة، والرعب بدل السكينة.

فذاك الأزعر، الذي استولى على قلوب الناس بالخوف، وبسط سطوته على أرزاقهم، حتى باتوا يطيعونه صاغرين، لا خوفاً من قوته، بل رهبةً مما قد يصيبهم من أذى على يديه أو أيدي صبيانه الذين جعل منهم أدواتٍ لنشر الفساد. حتى إذا اشتكوا، وجدوا القانون كأنما قد كُبّلت يداه، فلا حيلة له أمام تلك العصابة التي تتخذ من القُصّر درعاً يحميها من العقاب.

لكنني، وقد رأيت الحال، لم أجد في نفسي أن أترك هذا الظلم يستفحل. فكتبت للحاكم الإداري عن تلك الحال العصيبة، ووصفت له كيف بات الأمن في مدينتنا يوشك أن ينهار أمام تلك الأفعال. فجاء أمره سريعاً وحازماً، وأُخذ ذلك الرجل إلى حيث يجب أن يكون، خلف القضبان، بعيداً عن الناس الذين أذاقهم ويلات ظلمه.

لكن العجب، كل العجب، حين رأيت الوساطات تُحيط بالأمر إحاطة السوار بالمعصم، تطلب الإفراج عنه، وكأنما نسوا ما اقترفت يداه. فلم أجد بداً من أن أضع شرطاً، علّ في ذلك خيراً، وهو أن يحفظ جزءاً من القرآن الكريم، ليكون ذلك سبباً في تهذيب روحه العاتية، ولعله يجد في آياته سكينة ترده عن ظلمه. وبالفعل، أتم شرطه، وجاءني وقد غيّرته الأيام، وكأنما هدأ في نفسه ما كان يعصف بها.

وها أنا أقول: إن وجود سلطة تردع الظالم ولو كانت قليلة الأخطاء، خير ألف مرة من غيابها. فما الأمن إلا عماد المجتمع، وما غيابه إلا خراب يعم الأرض والناس.

قد يعجبك ايضا