*فادي السمردلي يكتب: استنساخ بلا تحديث سياسة النعجة دوللي*
*بقلم فادي زواد السمردلي* …
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
النعجة دوللي، التي وُلدت عام 1996 في معهد روسلين باسكتلندا، لم تكن مجرد تجربة ناجحة في عالم البيولوجيا، بل شكلت علامة فارقة في تاريخ العلم، وأثارت جدلاً واسعاً حول حدود التدخل البشري في الطبيعة فدوللي، أول كائن ثديي يتم استنساخه من خلية جسدية بالغة باستخدام تقنية النقل النووي، كانت انعكاساً للقدرة البشرية على إعادة خلق الحياة بشكل مشابه تماماً لأصلها وهذا الإنجاز فتح أبواباً واسعة أمام العلماء لدراسة الأمراض الوراثية وإيجاد حلول جديدة في الطب، لكنه أثار أيضاً قضايا أخلاقية عميقة حول الهوية والأصالة، وقيمة الابتكار في مقابل التكرار وكما أثار استنساخ دوللي تساؤلات جوهرية حول جدوى التكرار في عالم الحياة البيولوجية، يمكننا إسقاط هذه القضية على واقع السياسة، حيث نجد بعض الأحزاب والقادة يكررون أنفسهم في دائرة مفرغة من الجمود الفكري والتقليد الأعمى.
في المشهد السياسي، تبرز ظاهرة يمكن وصفها بـ”الاستنساخ القيادي”، حيث يتم الدفع بقادة يشبهون في أفكارهم وأساليبهم وأطروحاتهم قادة سابقين، دون إضافة أي قيمة نوعية أو فكر جديد مثلما كانت دوللي(النعجة) نسخة طبق الأصل عن كائن حي آخر، فإن هؤلاء القادة غالباً ما يكونون مجرد استنساخ سياسي لنهج سابق، سواء كان ذلك في السياسات التي يتبنونها أو في رؤيتهم في إدارة احزابهم ، منظماتهم او مؤسساتهم وهذه الظاهرة ليست مجرد عائق أمام الإبداع السياسي، بل تشكل تهديداً للتطور الطبيعي للأحزاب التي تحتاج باستمرار إلى التجديد والتكيف مع المتغيرات السريعة في المجتمعات.
القيادات “المستنسخة” في بغض الأحزاب غالباً ما يتم اختيارها بناءً على معايير الولاء أو الالتزام بالنهج التقليدي، بدلاً من معايير الكفاءة والقدرة على الابتكار. فهؤلاء القادة يفتقرون إلى الجرأة المطلوبة لطرح رؤى جديدة، ويكتفون بتكرار سياسات وخطابات سابقة ربما كانت صالحة في وقتها، لكنها فقدت تأثيرها مع مرور الزمن وتماماً كما أثار استنساخ دوللي قلق العلماء والمجتمع حول فقدان التنوع البيولوجي، فإن استنساخ القادة يثير قلقاً مشابهاً حول فقدان التنوع الفكري والسياسي داخل الأحزاب، مما يؤدي إلى حالة من الركود والجمود تمنع تقدم الحزب، وربما تهدد بقاءه.
استنساخ القادة يمكن أن يُنظر إليه كأزمة ثقة داخل الأحزاب نفسها، حيث يظهر عجز عن إنتاج قيادات جديدة تمتلك القدرة على التعامل مع تحديات العصر. هذا العجز يعكس مشكلة أعمق في البنية التنظيمية للأحزاب، التي غالباً ما تُفضل البقاء في منطقة الراحة من خلال الحفاظ على الوضع الراهن، بدلاً من المخاطرة بطرح رؤى جديدة قد تحمل فرصاً للنجاح أو حتى الفشل وفي النهاية، كما كانت حياة النعجة دوللي قصيرة وغير مستقرة نتيجة للمشكلات الصحية الناتجة عن الاستنساخ، فإن القادة المستنسخين في السياسة غالباً ما تكون فترتهم قصيرة وغير مؤثرة، لأنهم يفتقرون إلى الأصالة التي تمكنهم من كسب ثقة الجمهور وتحقيق إنجازات حقيقية.
الإبداع في السياسة، مثلما هو في العلم، يحتاج إلى جرأة وابتكار فالأحزاب التي تستمر في تكرار نفس القيادات والأفكار تضع نفسها على مسار متراجع، حيث تفقد تدريجياً صلتها بواقع الناخبين ومتطلباتهم المتجددة وكما كان استنساخ دوللي تجربة علمية مثيرة للجدل لكنها تفتقر إلى الاستمرارية، فإن استنساخ القادة في الأحزاب قد يكون ظاهرة مؤقتة، لكنها تحمل في طياتها مخاطر جمود فكري وسياسي يهدد مستقبل هذه الأحزاب.
ما يحتاجه العالم السياسي اليوم ليس قادة مستنسخين، بل شخصيات قيادية تمتلك الجرأة لتحدي الوضع القائم، والقدرة على تقديم حلول مبتكرة تتناسب مع تعقيدات العصر. وكما يتطلب العلم شجاعة لتجاوز حدود التكرار والوصول إلى آفاق جديدة، فإن السياسة أيضاً تحتاج إلى شجاعة مماثلة لاستبدال الجمود بالتجديد، واستبدال الاستنساخ بالإبداع. استنساخ دوللي كان تجربة عظيمة لكنها لم تكن قابلة للاستدامة، والدرس الأهم الذي يمكن استخلاصه هو أن الحياة، سواء كانت بيولوجية أو سياسية، تزدهر بالابتكار، لا بالتكرار.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.