العالم يترقب توصل الولايات المتحدة إلى إتفاق مع إيران
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات ….
الرئيس الأميركي دونالد ترمب شخص مهتم بالمبادرات الكبيرة، وعملية الشروع في مفاوضات مع إيران بعد مرور نحو نصف قرن من القطيعة، هو ذلك النوع من المبادرات بالتأكيد، فدلالات الطريقة الأرتجالية ألتى كشف خلالها عن المفاوضات أمام تجمع كبير لكاميرات الإعلاميين خلال إجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كانت كبيرة، فالأخير كثيراً ما أعتبر أن إيران تشكل تهديداً وجوديا لبلاده، ففي شهر أكتوبر الماضي أمر بشن غارات أنتقامية ضد أحد مواقع المنشآت النووية، وخلال عهده بدا التهديد بوقوع حرب شاملة بين إسرائيل وإيران أكثر إحتمالا ً من أي وقت مضى، وقد يكون هذا الخطر القائم دوماً أحد الأسباب ألتى دفعت الرئيس الأميركي إلى إتخاذ قراره بفتح الحوار مع طهران، ولكن هناك أعتبارات إستراتيجية وعملية أخرى تدفع نحو ضرورة تغيير السياسات الآن، وكما كان قد شاهد العالم خلال ولايته الأولى، فإن الرئيس ترمب لديه طريقة في تركيز عمل سياسته الخارجية على عدد قليل من الدول ألتى يرى أنها مصدر لمشكلات معينة والمقصود هنا، هو أن وضع حد لعدد قليل من المشكلات يمكن أن ينزع الفتيل من عديد من المشكلات الأخرى، ومن هنا جاء سعيه الذي كان قد فشل في ولايته الأولى مع روسيا ومحادثاته مع كوريا الشمالية وحتى الآن، ليس من الواضح ما إذا كان يمكن ترجمة أي من ذلك للتعبير عن إستعداد إيران للنظر في إمكان التوصل إلى إتفاق نووي جديد وقد شككت طهران في كون محادثات نهاية الأسبوع الماضي ستكون مباشرة، وهي أصرت على عدم تقديم تنازلات تتعلق بسياستها النووية، لكن ما هو واضح أيضاً، هو أن الرئيس ترمب قد أستشعر فرصة نادرة لتغيير العلاقات مع إيران، وأنه يمكنه أن يحظى بدعم من آخرين في هذا السياق بما في ذلك روسيا، فموسكو كثيراً ما كانت متخوفة من وجود إيران ذات قدرات نووية عند حدودها الجنوبية مع إبقائها في الوقت نفسه على علاقات جيدة مع طهران، بالنسبة إلى ترمب إن تضمين مشاركة روسية في أي مسار تفاوضي دبلوماسي مع إيران يمكنه أن يكون سبيلاً لإعادة تأهيل موسكو على الساحة الدولية، خصوصاً إذا كانت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي دول كانت قد ضمنت في الماضي الأتفاق النووي الأصلي مع طهران، مشاركة أيضاً في العملية الجديدة، وبعد ثلاثة أشهر فقط على تسلمه مقاليد السلطة في البيت الأبيض فإنه من السابق لأوانه أن يتصور إمكان هبوط الطائرة الرئاسية الأميركية في مطار الأمام الخميني الدولي بطهران، وأن يقوم الرئيس الأميركي بالهبوط على سلم الطائرة بحماية سلة من حرس الشرف الإيراني وأعتقد كمراقب أن ترمب يتمنى زيارة إيران ولقاء السيد القائد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، لكن أموراً غريبة أخرى سبق أن حدثت خلال ولاية ترمب الرئاسية الأولى، عندما شاهدنا الرئيس ترمب متجولاً في المنطقة المنزوعة السلاح من الجانب الكوري الشمالي، وإذا شاءت الأقدار في هذه الحالة أيضاً، كمراقب ومتابع للشأن الإيراني فليس من المستحيل أن يغادر ترمب منصبه بعد تطبيع العلاقات الأميركية – لإيرانية حتى ولو ظل الأتفاق النووي الجديد خطوة بعيدة المنال، وأنه بالنسبة إلى ولايته الثانية للرئيس دونالد ترمب ستتصدر روسيا اللائحة، حيث قد يكون إحلال السلام في أوكرانيا إحدى النتائج الثانوية المأمولة من جهوده، ولكن لقد كانت هناك تلميحات مبكرة بأن إيران قد تكون هدفاً لترمب، نظراً إلى قدرة طهران غير المتناسقة على زعزعة إستقرار مناطق واسعة من الشرق الأوسط، وقد تكون هذه الفترة هي الوقت الأمثل بالفعل لذلك، فالنظام الديني في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يواجه بعض التحديات من النساء وشريحة الشباب وألتي تطالب بمزيد من الأنفتاح تفوق ما واجهه لسنوات طويلة ماضية، كما أن تأثير العقوبات الأميركية الجائرة والمفروضة عليها قد ترك البلاد في حال فقر خطرة، إضافة إلى واقع أن أيام المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد آية الله علي خامنئي، وهو حالياً في منتصف الثمانينيات من عمره المديد قد تكون معدودة،أما على الصعيد الإقليمي فيبدو بأن نفوذ إيران لم يعد كما كان قبل عامين فقط، الرد الإسرائيلي على هجمات السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023 شمل محاولات لتدمير ليس فقط حركة حماس ألتى كانت تحظى ببعض الدعم الإيراني، ولكن أيضاً تدمير مقاتلي حزب الله، والنهاية المفاجئة لنظام الأسد في سوريا كانت قد تركت إيران أيضاً من دون لا الممر البري ولا التأثير الذي كان متوافراً لطهران في السابق، وكانت هناك إشارات أيضاً وبصورة رئيسة من الرئيس الإيراني الجديد المنفتح على الجميع مسعود بزشكيان بأن إيران يمكنها أن تكون منفتحة على تقارب مع الغرب، ويمكن تفسير خطاب بزشكيان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي 2024 على أنه محاولة للتقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وهو نجح في الحفاظ على وظيفته من دون أن تؤثر تصريحاته في مستقبله بالمنصب، ومن دون قيامه بأي تراجع عن مواقفه، ومع ذلك لا بد من تأكيد ضخامة هذا التحول، فهو يمثل تحولاً أكبر بكثير في السياسات الأميركية الأخيرة حتى من بعد الإتصال الهاتفي الأول الذي أجراه الرئيس ترمب مع الرئيس فلاديمير بوتين الشهر الماضي، والذي أنهى أكثر من ثلاث سنوات من القطيعة والعزلة للرئيس الروسي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، وقد لا تشكل المفاوضات مع إيران لحظة مفصلية كالتي مثلتها زيارة نيكسون إلى الصين، لكنها قد تنطوي على إمكان احداث تغيير في السياسة في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، إذ لم تكن لدى أمريكا وإيران أي علاقات دبلوماسية منذ وقوع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، بعدما قام الطلبة الثائرون بإحتجاز دبلوماسيين أميركيين رهائن في سفارة بلادهم لدى طهران لمدة 444 يوماً، ولم يكن هناك أي إتصالات مباشرة تقريباً منذ تلك الفترة، مع وجود إستثناء واحد : الأتفاق النووي المعروف رسمياً باسم خطة العمل المشتركة الشاملة، الذي ألزم إيران في الحد من نشاطها النووي ليقتصر على تطوير قدرات توليد الطاقة النووية السلمية للأستخدامات المدنية في مقابل رفع العقوبات الجائرة عن إيران، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية طرفاً في هذه الأتفاقية بوصفها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، لكن لم يكن لذلك أي أثر يذكر على العلاقات الثنائية بين الجانبين، وقام الرئيس ترمب بسحب بلاده من تلك الأتفاقية خلال أول 18 شهراً، منذ توليه الرئاسة في ولايته الأولى، متهماً إيران بارتكاب أنتهاكات للأتفاق، واليوم المفارقة المهمة هي أن يكون الرئيس ترمب، وفي بداية ولايته الرئاسية الثانية، هو الرئيس الذي يطرح إطلاق المحادثات في شأن التوصل إلى معاهدة نووية جديدة مع إيران، وكان من الممكن في أي وقت أن يتصدر مثل هذا الإعلان عناوين الأخبار على ضفتي المحيط الأطلسي، لكن مع أنشغال قادة العالم بالاضطرابات الناجمة عن الرسوم الجمركية الإضافية ألتي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فإن النبأ بأن الولايات المتحدة الأميركية قد قدمت مبادرة بإتجاه إيران، وأن مفاوضات مباشرة قد تنعقد بين الجانبين خلال الأيام القليلة المقبلة قد تم التعامل معها في موقع متأخر في التغطيات الإخبارية، كما قلنا من قبل فإنه على الرغم من الإهتمام العالمي باضطرابات التجارة كشف ترمب عن مبادرة مفاجئة لفتح حوار مباشر مع إيران بهدف التوصل إلى إتفاق نووي جديد، مستغلاً الظروف الداخلية والإقليمية المتغيرة في إيران وإمكان الحصول على دعم دولي، وكان إعلان ترمب عن إعادة فتح قنوات دبلوماسية مع طهران قد جرى من دون الضجيج الذي كان قد تعود عليه، لكنها تعد أخباراً مهمة، إذ إن ظروف تطبيع العلاقات بين طهران والغرب تبدو مواتية، في قت قد أصبح فيه شعور أيضاً داخل إيران وخارجها بأن أيام المرشد الأعلى السيد آية الله علي خامنئي البالغ من العمره 86 سنة قد باتت معدودة، والتغيير ربما قادم لا محالة، ومع ذلك فهناك عديد من الأسباب ألتى تجعل مثل هذه الخطوة أمراً منطقياً ويمنحها فرصة للنجاح.
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.