*فادي السمردلي يكتب: احتكار السلطة وعدم تداولها داخل الحزب(٣٦/٥)*

*بقلم فادي زواد السمردلي*  …..

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب(٣٦/٥)*

ماذا يعني احتكار السلطة وعدم تداولها داخل الحزب؟
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️
احتكار السلطة داخل الحزب يعد من الظواهر السياسية السلبية التي تقوض قدرة الحزب على التفاعل مع التطورات الداخلية والخارجية، وتحول دون تطوره وتجديده وهذا الاحتكار لا يقتصر فقط على التمسك بالسلطة الشخصية من قبل القيادة، بل يشمل أيضًا تهميش وتقييد الآليات التي تتيح تداول السلطة، مثل الانتخابات الداخلية الحرة والمفتوحة، أو أي آلية ديمقراطية تساهم في تجديد القيادة وفي مثل هذا النوع من النظام السياسي داخل الحزب، يصبح التغيير والتطوير مسألة شبه مستحيلة، حيث تتحول القيم والمبادئ التي كان من المفترض أن تقوم عليها العملية السياسية في الحزب إلى مجرد شعارات فارغة.

من أبرز مظاهر احتكار السلطة داخل الحزب، تلاعب القيادة بالقوانين واللوائح الداخلية للحزب بما يضمن بقاءها في المنصب وقد يشمل ذلك تعديل المواد القانونية الخاصة بترشح القيادات أو فرض شروط معقدة وصعبة تجعل من غير الممكن لأعضاء الحزب الآخرين الترشح ضد القيادة الحالية وفي بعض الأحيان، قد يكون هناك تدخل مباشر في اختيار القادة والقرارات الحاسمة، الأمر الذي يمنع أي نوع من المنافسة الحقيقية كما يمكن أن تجرى انتخابات داخلية مزورة يتم خلالها استبعاد أي مرشح لا يتماشى مع رغبات القيادة الحالية، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى إفراغ الحزب من أي ديناميكية سياسية صحية.

أما في حالة منع المنافسين من الترشح، فإن ذلك يمكن أن يتخذ صورًا عدة، مثل خلق معوقات قانونية أو إدارية، أو ببساطة تهميش أي شخص يظهر كبديل للقيادة الحالية وفي بعض الأحيان، قد تلجأ القيادة إلى نشر أجواء من الخوف والترهيب داخل الحزب، مما يجعل من الصعب على أي فرد أن يعبر عن معارضته أو يناقش وجهات نظره بحرية وهذه الاستراتيجية تؤدي إلى إضعاف قدرة الحزب على التجديد الفكري والتنظيمي، وبالتالي تقليل قدرته على الاستجابة لتغيرات الواقع السياسي والاجتماعي.

إلى جانب ذلك، يمكن أن تستخدم القيادة الحزبية أساليب قمعية ضد أي معارضة داخل الحزب، سواء كانت معارضة تهدف إلى البناء والتطوير أو مجرد نقد بنّاء ويمكن أن يتراوح هذا القمع بين تهديدات بالاستبعاد أو الطرد من الحزب، وبين فرض قيود على التعبير عن الرأي داخل الهياكل الحزبية وقد تصبح مسألة النقد أو الإشارة إلى نقاط الضعف داخل القيادة مسألة محفوفة بالمخاطر، مما يعزز حالة من الاستبداد السياسي داخل الحزب ومع مرور الوقت، يؤدي هذا القمع إلى خلق بيئة غير صحية تنقلب ضد الحزب في المستقبل، حيث تتراكم مشاعر الإحباط والاستياء بين الأعضاء الذين يشعرون بأنهم محرومون من حقهم في المشاركة والتأثير على القرار الحزبي.

من أخطر مظاهر الاحتكار هو تقليص صلاحيات الهيئات الرقابية أو حتى إلغاء دورها تمامًا ففي الأحزاب الديمقراطية، تعتبر الهيئات الرقابية أداة حيوية لضمان الشفافية والمحاسبة، ولكن في حالة احتكار السلطة، يتم تقليص دور هذه الهيئات أو الضغط عليها لتظل في طاعة القيادة ويمكن أن يشمل ذلك منع الهيئات من تنفيذ مهامها في التدقيق في الحسابات المالية أو مراقبة أداء القيادة أو ضمان الشفافية في اتخاذ القرارات الحاسمة فعندما يغيب دور الرقابة، يصبح من الصعب محاسبة القيادة على أي تصرفات غير قانونية أو غير أخلاقية قد تقوم بها.

نتيجة لهذه الممارسات، يصبح الحزب فاقدًا لشرعيته السياسية والأخلاقية. فعلى الرغم من أنه قد يظل يحظى بمسميات أو شعارات تجذب الانتباه، إلا أنه يفقد مع مرور الوقت ثقة أعضائه والجمهور الأعضاء الذين لا يتمكنون من المشاركة في عمليات اتخاذ القرار ويشعرون بأنهم لا يمثلون جزءًا من تطور الحزب، قد يبدأون في الابتعاد عنه، أو حتى الانشقاق لتشكيل حركات معارضة داخل الحزب فهذه الحركات المعارضة قد تتحول إلى تيارات أكبر بمرور الوقت، مما يؤدي إلى زيادة الانقسام داخل الحزب وضعفه.

وفي كثير من الأحيان، يصبح الحزب الذي يرفض تداول السلطة عرضة لانشقاقات داخلية تؤدي إلى تمزقه وفقدان قوته التنظيمية ومع مرور الوقت، يمكن أن تنشأ تيارات معارضة تروج لأفكار ورؤى جديدة، مما يساهم في إضعاف الحزب بشكل تدريجي فتلك الانشقاقات يمكن أن تؤدي إلى انفصال بعض الأفراد أو الجماعات الذين يسعون إلى البحث عن بيئة حزبية أكثر انفتاحًا وتقدما وعند تزايد هذه الانشقاقات، يصبح الحزب مهددًا في بقائه كقوة سياسية مؤثرة.

من جانب آخر، عندما يتبع الحزب آلية احتكار السلطة بهذه الطريقة، فإن الوضع الداخلي يصبح معزولًا تمامًا عن التفاعل مع القوى السياسية والاقتصادية في المجتمع فيتحول الحزب إلى كيان مغلق على ذاته، يعاني من التصلب في مواقفه ولا يواكب التغيرات المستمرة في المجتمع ولا يقتصر الأمر على غياب التداول الديمقراطي للسلطة فقط، بل يمتد ليشمل غياب التفكير المستقبلي حول كيفية تطوير الحزب ومواكبة المتغيرات السياسية والاجتماعية وهذا يضع الحزب في موقف صعب أمام القضايا المستجدة، حيث لا يتمكن من تعديل سياسته أو طرح حلول مبتكرة، لأنه يظل محكومًا بنمط روتيني وغير مرن من القيادة.

على الصعيد الأوسع، يشكل احتكار السلطة داخل الحزب عائقًا أمام التنمية السياسية في المجتمع ككل فالحزب الذي لا يعكس التنوع الفكري والقيادي ولا يتيح فرصًا جديدة للتطور لا يمكنه أن يكون جزءًا من عملية الإصلاح والتنمية السياسية التي تساهم في تحديث الدولة والمجتمع وبالتالي، يصبح هذا الحزب عاجزًا عن مواجهة التحديات الكبرى في الحياة السياسية والاجتماعية، ما يؤدي في النهاية إلى تراجع دوره في الحياة العامة، مما يفتح الباب أمام ظهور قوى جديدة قد تطيح به وتستبدله.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.