*فادي السمردلي يكتب: توظيف الطائفية داخل الأحزاب (٣٦/١٢)*

*بقلم فادي زواد السمردلي*  …..

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب(٣٦/١٢).”*

ماذا يعني الطائفية في الأحزاب ؟
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️

بداية الحمد لله أن الطائفية غير موجودة في الأردن، حيث يظل المجتمع متماسكًا ومتآلفًا ولكن مع ذلك، من المهم أن نناقش الضرر المحتمل للطائفية في الأحزاب السياسية، حيث قد تؤدي محاولات استغلال هذه الانقسامات إلى تهديد استقرار الدولة والنسيج الاجتماعي، وتعمل على تفتيت المجتمع بدلاً من تعزيز قوته فالطائفية هي ظاهرة اجتماعية وسياسية تقوم على تقسيم المجتمع إلى جماعات أو طوائف دينية، بحيث تصبح هذه الطوائف وحدات صلبة تُعرِّف الأفراد بناءً على انتمائهم الديني أو المذهبي، بدلاً من انتمائهم الوطني أو الاجتماعي ففي المجتمعات التي تعاني من الطائفية، تتحدد علاقات الأفراد ومواقفهم السياسية والاجتماعية بناءً على الطائفة،مما يؤدي إلى تعزيز الولاءات الضيقة وتقويض الهوية الوطنية وعلى الرغم من أن الطوائف كمجموعات دينية أو مذهبية قد تكون موجودة بشكل طبيعي في أي مجتمع متنوع، فإن المشكلة تبدأ عندما يتم توظيف هذه الانتماءات لأغراض سياسية، حيث تتحول الطائفية من مجرد تنوع ديني إلى أداة للاستقطاب والصراع.

في حال وجود هذا السياق، سيلجأ السياسيين إلى استغلال الطائفية لتعزيز نفوذهم، مستخدمين الانتماء الديني كأداة لحشد الدعم والتأييد، إما عبر إثارة المخاوف الطائفية أو عبر تقديم أنفسهم كحماة لمصالح طائفة معينة وهذا التوظيف الطائفي للسياسة يُعد خطيرًا لأنه يُضعف فكرة المواطنة المتساوية ويجعل الولاء السياسي مرتبطًا بالهوية الدينية بدلاً من البرامج والأفكار السياسية. ونتيجة لذلك، يصبح الخطاب السياسي مشبعًا بالتحريض والتخويف بدلاً من أن يكون قائمًا على مناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والتنموية التي تهم جميع المواطنين.

ويأخذ توظيف الطائفية في السياسة أشكالًا متعددة، أبرزها استخدام الخطاب التحريضي الذي يصوّر فئة معينة على أنها مضطهدة أو مهددة من قبل فئات أخرى، مما يثير القلق والخوف داخل الطائفة المستهدفة ويدفعها للالتفاف حول السياسيين الذين يدّعون تمثيلها وهذا الخطاب قد يتضمن تضخيم الأحداث التاريخية، أو استدعاء مظلوميات قديمة، أو استخدام الشائعات والأخبار الملفقة لتأجيج المشاعر الطائفية كما يمكن أن يتم التوظيف عبر وسائل الإعلام التي تلعب دورًا خطيرًا في تكريس الانقسام، سواء من خلال تقديم رواية أحادية للأحداث، أو عبر استضافة شخصيات دينية أو سياسية متشددة تكرّس خطاب الكراهية.

إلى جانب الخطاب التحريضي، يُستغل الدين عبر المؤسسات الدينية، حيث يسعى بعض السياسيين إلى بناء تحالفات مع رجال الدين، مستفيدين من التأثير الكبير الذي يمتلكه هؤلاء القادة الدينيون على أتباعهم وفي مثل هذه الحالات، تصبح المؤسسات الدينية أداة سياسية بيد السلطة، حيث يتم استغلالها لتبرير سياسات معينة أو إسكات الأصوات المعارضة تحت غطاء ديني وهذا الأمر يُضعف مصداقية المؤسسات الدينية نفسها، لأنها تتحول من دورها الروحي والإرشادي إلى أداة سياسية، مما قد يؤدي إلى تآكل الثقة بها لدى شريحة واسعة من المواطنين.

كما أن توظيف الطائفية يظهر أيضًا في السياسات الحكومية التي تعكس التمييز الطائفي، سواء من خلال منح الامتيازات لطائفة معينة على حساب أخرى، أو من خلال توزيع المناصب والوظائف الحكومية بناءً على الولاءات الطائفية بدلاً من الكفاءة ففي بعض الدول، يتم تخصيص الوزارات أو المناصب العليا وفقًا للانتماء الطائفي، مما يجعل الدولة تبدو وكأنها تحالف بين طوائف وليس مؤسسة تمثل جميع مواطنيها وهذه الممارسات تعزز الشعور بالغبن لدى بعض الفئات، مما يؤدي إلى توترات مجتمعية قد تتحول في بعض الأحيان إلى اضطرابات سياسية وأمنية خطيرة.

والخطر الأكبر في توظيف الطائفية هو أنها لا تبقى مجرد أداة خطابية، بل قد تتحول إلى مواجهات فعلية وصراعات داخل المجتمع ككل وليس داخل الحزب فقط، خاصة إذا استمر التحريض الطائفي لفترات طويلة ففي بعض البلدان، شهد التاريخ الحديث أمثلة مأساوية على كيف يمكن للطائفية السياسية أن تؤدي إلى اندلاع حروب أهلية أو اضطرابات دامية بين أبناء المجتمع الواحد فعندما يتم تصوير الآخر الطائفي على أنه عدو وليس شريكًا في الوطن، تصبح احتمالات العنف مرتفعة، خاصة عندما يُستخدم الدين كغطاء للصراعات السياسية.

إن توظيف الطائفية في السياسة لا يؤدي فقط إلى تمزيق المجتمعات، بل يشوّه أيضًا مفهوم الديمقراطية فبدلًا من أن يكون التنافس السياسي قائمًا على البرامج والخطط الاقتصادية والاجتماعية، يتحول إلى صراع بين الطوائف، حيث يصوّت الناخبون بناءً على هويتهم الطائفية بدلاً من تقييم المرشحين وفقًا لمؤهلاتهم وإنجازاتهم وفي مثل هذه البيئات، يصبح السياسيون أقل اهتمامًا بتقديم حلول حقيقية للمشاكل الاقتصادية والتنموية، وأكثر اهتمامًا بإثارة العواطف الطائفية لضمان بقائهم في السلطة.

مواجهة هذه الظاهرة تتطلب حلولًا متعددة الأبعاد، تبدأ بتعزيز مفهوم المواطنة كهوية وطنية فوق الانتماءات الطائفية، بحيث يكون ولاء الفرد للدولة والقانون وليس للطائفة كما أن تحييد المؤسسات الدينية عن السياسة يُعد أمرًا ضروريًا، لمنع استخدامها كأداة في الصراعات السياسية والإعلام أيضًا يلعب دورًا محوريًا في نشر الوعي حول مخاطر الطائفية، حيث يجب أن يكون أداة لنشر قيم التسامح والانفتاح بدلًا من أن يكون منصة للتحريض والاستقطاب علاوة على ذلك، ينبغي فرض قوانين تجرّم التحريض الطائفي، سواء في الخطاب السياسي أو الإعلامي، لمنع السياسيين من استغلال الانقسامات الدينية لتحقيق مصالحهم.

في النهاية، يمكن القول إن الطائفية ليست مجرد مشكلة اجتماعية أو دينية، بل هي أداة سياسية تُستخدم لإدامة السلطة وخلق ولاءات ضيقة تُضعف المجتمعات وتمنعها من التقدم. والدول التي تنجح في تجاوز الطائفية هي تلك التي تضع سياسات تضمن العدالة والمساواة للجميع، وتبني نظامًا سياسيًا قائمًا على الكفاءة لا على الهوية الدينية أما المجتمعات التي تسمح بتوظيف الطائفية في السياسة، فإنها تبقى حبيسة دوامة من الصراعات والانقسامات التي تعيق تطورها وتعرّض استقرارها للخطر لذلك، فإن التصدي للطائفية لا يجب أن يكون مجرد شعار، بل يجب أن يكون جزءًا من سياسات طويلة الأمد تهدف إلى بناء دول حديثة تتعامل مع مواطنيها على أساس المساواة، وليس على أساس طوائفهم وانتماءاتهم الدينية.

قد يعجبك ايضا