*فادي السمردلي يكتب: الأردن في مرمى الحملات الممنهجة والإعلام الرسمي غائب عن ساحة المواجهة*

*بقلم فادي زواد السمردلي*  …..

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

لم يعد ما يتعرض له الأردن من حملات تشويه وتزييف على الساحة الإعلامية مسألة عابرة أو مجرد صخب موسمي يظهر مع كل توتر إقليمي ثم يخفت وما نشهده اليوم هو نهج عدائي منهجي ومتصاعد، يُدار بأدوات احترافية عبر منصات التواصل ووسائل إعلام محسوبة على أجندات مشبوهة، تستهدف الدولة الأردنية بشكل مباشر، وتسعى إلى النيل من مكانتها، وإضعاف ثقة مواطنيها بمؤسساتها وقيادتها.

وفي هذا السياق، لا بد أن نضع حادثة معالي العين محمد داودية كمثال حي وفاضح على أساليب هذه الحملات فخلال مقابلة إعلامية أجراها مؤخراً عبر إحدى القنوات التي تزعم الحياد، تم توجيه أسئلة مُصاغة بحقد وخبث ودهاء، في ظاهرها نقاش إعلامي، وفي باطنها اتهام مبطن للدولة الأردنية، تحديداً فيما يتعلق بموقف الأردن من التطورات العسكرية في المنطقة فقد حاولت المذيعة تمرير رواية زائفة لاجندة خبيثة تزعم أن الأردن شارك أو ساند إسرائيل في صد الهجوم الإيراني، مستندة إلى إشاعات لا أصل لها، في محاولة لتشويه الموقف الأردني المستقل والملتزم بأمنه فقط.

إلا أن رد داودية – بكل ما يحمله صرامة وطنية – جاء قاطعاً حين قال للمذيعة: “العتب من عندك إنتِ” في تأكيده إلى تلفيقها لهذا الطرح ثم اختتم انسحابه اللقاء بقوله الحاسم “يلا، حلّي”، في موقف كشف كم أن هذه الحملات قد وصلت إلى وقاحة إعلامية غير مسبوقة، تستهدف الدولة ومواقفها، حتى في الفضاءات الحوارية التي يُفترض أن تحترم المهنية والموضوعية.

هذه الحادثة ليست استثناءً، بل جزء من مسلسل طويل يتكرر في كل مرة يتمسك فيها الأردن بموقف مستقل أو يرفض الانخراط في محاور الاستقطاب الإقليمي فجأة تتحرك حسابات وهمية، تصدح أصوات مأجورة، وتُبث روايات مفبركة، وكلها تدور في فلك واحد: الطعن بالموقف الأردني وتشويه صورته الإقليمية.

الخطير في هذا كله، أن هذه الحملات لم تعد تكتفي بالإشاعة البسيطة أو المعلومة المفبركة، بل باتت تُدار كغرف عمليات إعلامية متكاملة، فيها إنتاج، وتمويل، واستهداف واضح ومدروس ومع ذلك، نجد الإعلام الرسمي الأردني وكأنه في عالم آخر.لا حضور فاعل، لا ردود فورية، لا منصات ميدانية، ولا حتى خطة واضحة للمواجهة. وكأن الوطن لا يُستهدف، أمام شاشات الملايين.

لقد أصبح من المؤسف أن يتلقى المواطن الأردني وابل الأكاذيب يوميًا من قنوات خارجية، ثم لا يجد أمامه خطابًا إعلاميًا وطنيًا يرد أو يوضح أو حتى يتفاعل أين هي الردود؟ أين هو الإعلام الاستقصائي؟ أين هي البيانات المهنية؟ أين المذيع الأردني القادر على أن يُفحم خصمه كما فعل داودية، ولكن على الهواء ومن موقع مسؤول؟

نحن لا نتحدث هنا عن ترف إعلامي أو سباق شعبي على الشاشات، بل عن معركة وعي حقيقية غالعدو فيها يُجيد فن الحرب النفسية، ويمتلك أدوات التضليل الناعم والخشن، ويعرف جيدًا كيف يخترق الوجدان العربي، لا ليُقنع، بل ليُشكك ويُضعف ويُربك.

إننا نواجه اليوم نموذجاً من الحرب الهجينة، التي تجمع بين الإعلام والأمن والسياسة والتقنيات الحديثة، وكلها تُستخدم كسلاح في استهداف الدول فهل من المعقول أن نقابل كل هذا ببيانات قديمة الصياغة أو مقالات رأي لا تصل إلا لدوائر مغلقة؟

لا نطالب بالمستحيل. كل ما نريده هو أن يكون للإعلام الرسمي عقلٌ استراتيجيٌ حي، وأن يعمل كما تعمل الجيوش بمنهج وتكتيك وخطة طوارئ، وبأدوات حديثة وفريق مهني محترف نحن بحاجة إلى غرف عمليات إعلامية لا تنام، ترصد كل ما يُقال، وترد بالحقائق، وتكشف الممولين، وتُسقط القناع عن الأبواق.

كما لا يكفي فقط أن نُطالب بمواجهة إعلامية، بل يجب أن نعيد النظر ببنية الخطاب الإعلامي الوطني لماذا لا توجد قناة فضائية ناطقة بلغات أجنبية تُدافع عن موقف الأردن أمام العالم؟ لماذا لا نبني جيشًا رقمياً واعياً، يواجه الذباب الإلكتروني بالمعلومة لا بالشتائم؟ لماذا نُترك فرادى نُقاتل على وسائل التواصل، بينما الحسابات الرسمية نائمة أو متأخرة أو “مُخترقة” فكريًا بالمجاملات؟

كفى… كفى صمتاً، وكفى ارتباكًا، وكفى تعاملاً بيروقراطياً مع ملف بات على رأس أولويات الأمن القومي. الأردن ليس دولة طارئة على الخريطة، بل ركيزة من ركائز استقرار المنطقة، ودوره الوسيط والمتوازن ليس موضع جدل إلا عند من يحمل أجندة ضد كل ما هو عقلاني ومعتدل.

نعم، الأردن اليوم في مرمى النيران، لكنه لم يكن يوماً بلا درع فكل ما نحتاجه هو أن تُفعّل مؤسساتنا، وأن نمتلك إعلامًا يوازي حجم الخطر، ووطنيًا بالفعل لا بالقول.

فليكن إعلام الدولة في مقدمة الصف. فهذه معركة وجود، وليست مجرد أزمة تغطية.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا