*فادي السمردلي يكتب: استقطاب الكم لا يصنع حزباً حين تتحول العضوية إلى عبىء سياسي (٣٦/٣٣)*
*بقلم فادي زواد السمردلي* ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب(٣٦/٣٣)*
ماذا يعني استقطاب الكم لا يصنع حزباً حين تتحول العضوية إلى عبىء سياسي؟
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️
إن اعتماد الأحزاب السياسية على الاستقطاب الكمي والعددي بدلاً من الاستقطاب النوعي يعكس توجهاً يعلي من قيمة الأعداد الكبيرة على حساب الكفاءة، وهو خيار تنظيمي واستراتيجي يحمل في طياته تبعات خطيرة على المدى المتوسط والبعيد ففي حين يُفترض أن يكون الحزب السياسي تنظيماً نخبوياً إلى حدٍّ ما، قائماً على قناعة أعضائه برؤيته الفكرية وبرنامجه السياسي، فإن الميل إلى تضخيم العدد وتحقيق انتشار واسع بأي ثمن يؤدي إلى تغييب المعايير الحقيقية للانتماء وفي هذا السياق، تتحول العضوية الحزبية من مشروع وعي والتزام إلى مجرد بطاقة عددية تُستخدم لتعزيز شرعية الحزب في الانتخابات أو المفاوضات أو التمثيل الرسمي، دون أن يكون لهذه الكتلة البشرية أي دور فعلي في البناء أو التطوير أو التأثير.
من أبرز آثار هذا النمط من الاستقطاب هو الضعف الحاد في الكفاءة الداخلية للحزب، إذ تغيب العناصر المؤهلة القادرة على التفكير الاستراتيجي والعمل التنظيمي الجاد، وتحل مكانها عناصر لا تملك سوى الحضور الشكلي، وهو ما يؤدي إلى تدني الأداء على مختلف المستويات، من صياغة الخطاب السياسي إلى إدارة الحملات الانتخابية، وصولاً إلى تمثيل الحزب في المؤسسات كما أن غياب الفلترة النوعية للأعضاء يؤدي إلى إدخال أفراد لا يتشاركون المرجعية الفكرية أو الرؤية العامة، مما يتسبب في حالة من التباين الداخلي الحاد والتنافر في الأهداف، وهو ما ينعكس سلباً على قدرة الحزب على اتخاذ مواقف موحدة أو خوض معارك سياسية بروح جماعية منسجمة.
وفي إطار السعي إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من المؤيدين، تميل الأحزاب إلى تسطيح خطابها السياسي، وتقديم رؤى مبسطة وشعارات عاطفية تهدف إلى جذب الجماهير، عوضاً عن تقديم برامج واقعية وتحليلات معمقة وهذا النوع من الخطاب، وإن كان يُرضي جمهوراً واسعاً على المدى القصير، إلا أنه يفقد الحزب مصداقيته أمام النخب الفكرية والجمهور الواعي، ويُفرغ النقاش السياسي من محتواه الجاد، مما يؤدي إلى انحدار عام في جودة الحياة السياسية في المنظومة مما ينعكس على البلد .
إضافة إلى ذلك، فإن الاستقطاب الكمي ينتج عنه كتلة تنظيمية ضخمة تفتقر إلى الديناميكية. فالأعضاء الذين انضموا للحزب بدافع عاطفي أو مصلحي غالباً لا يشاركون في العمل الميداني أو النقابي أو التوعوي، بل يكتفون بالحضور عند الضرورة أو في المناسبات، مما يخلق وهماً بقوة الحزب التنظيمية دون أي فاعلية حقيقية على الأرض ومع مرور الوقت، يجد الحزب نفسه محاطاً بجماهير لا تملك الإرادة أو الرغبة في التحرك، بل وقد تتحول إلى عبىء تنظيمي وإداري ثقيل.
الأخطر من ذلك هو أن هذا النمط من العضوية غير الواعية يسهل اختراقه من جهات خارجية أو منافسين سياسيين، حيث تغيب الحصانة الفكرية والارتباط الأيديولوجي الحقيقي وفي ظل وجود ولاءات متذبذبة وغير متجذرة، تصبح الانقسامات والانشقاقات ظاهرة متكررة، خاصة إذا ما ظهرت خلافات داخلية أو مغريات خارجية ويضاف إلى ذلك أن الصورة العامة التي يرسمها الحزب لنفسه ككيان كبير ومؤثر سرعان ما تتكشف على حقيقتها حين يُختبر في مواقف حاسمة، فيظهر ضعف البنية الداخلية وعجز الكوادر عن التجاوب مع التحديات، فينهار وهم القوة الذي بُني على الاستقطاب العددي فقط.
من هنا، يمكن القول إن اعتماد الأحزاب على الاستقطاب الكمي هو بمثابة هروب إلى الأمام، يؤجل الأزمات ولا يحلّها، بل قد يفاقمها مع مرور الوقت أما البديل الأكثر استدامة فهو بناء قاعدة نوعية، تقوم على استقطاب الأفراد ذوي الكفاءة والالتزام، القادرين على العطاء الفكري والتنظيمي، وعلى حمل مشروع الحزب بوعي واستعداد للعمل والتضحية فالحزب الناجح لا يُقاس بعدد أعضائه، بل بقدرة أعضائه على التأثير والتغيير والإقناع، وبمستوى تماسكهم الداخلي وصدقهم مع مشروعهم.