*فادي السمردلي يكتب:إفهموا الإصلاح الداخلي للاحزاب لا يهددكم بل يعلمكم*

*بقلم: فادي زواد السمردلي*  …..

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

في لحظة فارقة من عمر الدولة الأردنية، تتعالى الأصوات المطالبة بإصلاح الحياة الحزبية من الداخل، لا بهدف الهدم أو التشويه، بل بهدف إعادة الروح إلى أجسام سياسية أصبحت هياكل خاوية لا تعكس حقيقة التطلعات الشعبية، ولا تواكب التحولات الوطنية والمجتمعية فالمشهد الحزبي الحالي يكشف عن أزمة بنيوية عميقة، لا تنحصر فقط في ضعف الأداء أو غياب البرامج، بل تتجذر في طريقة إدارة هذه الكيانات، وفي طبيعة العلاقة بين القيادات والقواعد، وفي تغوّل بعض النخب على القرار التنظيمي، وكأن الحزب إرث شخصي لا يحق لأحد المساس به.

لقد باتت بعض الأحزاب اليوم مسرحًا لتفرد قلة من الأفراد بالسلطة، يكررون ذات الأسماء في كل دورة تنظيمية، ويغلقون الأبواب أمام أي محاولة لتجديد الدماء أو إشراك عناصر جديدة تملك الرؤية والكفاءة وهذه الحالة أنتجت ما يمكن وصفه بانفصام تنظيمي، حيث القيادات تعيش في عزلة، وتفقد بالتدريج صلتها بالواقع وباحتياجات الناس، بينما تُقصى الأصوات الشابة والمستقلة أو يتم احتواؤها بطريقة سطحية لا تتجاوز الشكل. فمتى أصبحت المطالبة بالإصلاح انقلابًا؟ ومتى صار الدفاع عن الديمقراطية الداخلية مؤامرة؟ ولماذا أصبح مجرد التحدث عن الشفافية والمحاسبة يُفهم وكأنه تهديد؟ الأسئلة كثيرة، والإجابات أكثر إحراجًا.

إن الممارسة الحزبية في صورتها الحالية، في كثير من الأحيان، لا تنتمي للديمقراطية إلا من باب الشعارات فبعض الانظمة الداخلية تُستخدم كأدوات تحصين، لا كآليات تنظيمية فاللوائح تفسَّر حسب المزاج، وتُفصّل حسب الموقع، ولا تُفعّل إلا عندما تخدم مصالح من بيدهم مفاتيح القرار لهذا لم يكن مستغربًا أن تتحول بعض الأحزاب إلى تجمعات مغلقة لا مكان فيها إلا لمن يبايع، بينما يتم تهميش أصحاب الرأي والموقف، أو دفعهم إلى الخروج بصمت وهكذا، تنهار ديناميكية العمل السياسي من الداخل، ويُفقد الحزب مبرر وجوده كوسيط بين المجتمع والدولة.

في خضم هذه الفوضى المقنّعة، تبرز الحاجة إلى حراك حزبي إصلاحي حقيقي، لا يُدار من فوق، بل ينبع من القواعد ويطالب بتفكيك منظومة الاحتكار التنظيمي فلا يكفي التحدث عن تجديد الواجهات أو إصدار بيانات فضفاضة، بل المطلوب مراجعة جذرية تبدأ من الأنظمة الداخلية وتمر بإعادة صياغة آليات الانتخاب والتداول، وتنتهي بترسيخ ثقافة المساءلة على كل المستويات فالحزب الذي لا يستطيع محاسبة قياداته أو لا يسمح لقواعده بأن تمارس حقها في الرقابة، هو حزب معطوب، مهما ادّعى غير ذلك ولأن الإصلاح لا يمكن أن يكون انتقائيًا أو مجتزأ، فإن المطلوب هو نهج شامل لا يساوم على جوهر الديمقراطية ولا على حقوق الأعضاء.

لا يمكن أن نتصور مستقبلًا سياسيًا صحيًا بدون خطاب حزبي جديد، متحرر من التكلس والتكرار، ومتصالح مع الواقع بدل العيش في زمن البيانات المعلبة والمصطلحات المنفصلة عن الشارع فكما أن البنية التنظيمية تحتاج إلى إصلاح، فإن الخطاب السياسي أيضًا مطالب بالتجديد، لأن الجماهير لا تصدق من لا يفهم لغتها، ولا تتبع من لا يعكس همومها فالأحزاب التي لا تعرف كيف تتحدث مع المجتمع، كيف تنصت له وتفهم أولوياته، لن تجد من يصوّت لها أو يؤمن بها وإذا ظلت هذه الأحزاب حبيسة القاعات المغلقة، فإنها ستستيقظ يومًا لتكتشف أنها فقدت كل شيء.

التحدي الحقيقي اليوم ليس في إقناع الناس بأهمية الأحزاب، بل في جعل الأحزاب تستحق هذه الأهمية ولن ينهض العمل الحزبي إلا إذا عاد إلى أصله في التمثيل الحقيقي، والتشاركية، والمسؤولية أمام الناس. أما الإصرار على الإنكار، والتمسك بالمواقع، والاستقواء بالأنظمة المفخخة، فلن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة والانحدار، لأن الزمن تغيّر، والوعي الشعبي تجاوز هذه النماذج المشوّهة ومن لم يفهم بعد أن الإصلاح الحزبي استحقاق وطني لا يمكن تأجيله، فقد أضاع البوصلة، وربما لا مكان له في معادلة الغد.

من يستمع اليوم بإنصاف لما يُقال داخل قواعد الأحزاب، سيدرك حجم الغضب المكتوم، والخذلان المتراكم، والآمال التي تتحول تدريجيًا إلى يأس وإذا ما ظلت القيادات تردّ على هذه الأصوات بالتجاهل أو بالوصاية، فإنها تقود أحزابها نحو الانقراض الطوعي وفي المقابل، فإن من يفتح الباب أمام الإصلاح، ويتبنى لغة المشاركة ويعيد الاعتبار للقواعد، فإنه يمنح الحزب فرصة ولادة جديدة، ويؤسس لنموذج يُحتذى به في الحياة السياسية الأردنية.

إن هذه المعركة ليست حزبية فقط، بل هي وطنية من الدرجة الأولى فإصلاح الأحزاب هو بوابة إصلاح الحياة العامة، لأن الأحزاب هي القنوات الطبيعية التي يجب أن تنقل تطلعات الشعوب وتحوّلها إلى سياسات واقعية فإذا كانت هذه القنوات مسدودة أو ملوثة، فلا رجاء من أي مشروع إصلاحي مهما بدا نظريًا واعدًا ولذلك فإن استعادة العمل الحزبي من قبضة المحتكرين ليست مهمة داخلية تخص الأعضاء فحسب، بل مسؤولية عامة، تقع على عاتق كل من يؤمن بأن الديمقراطية لا تُبنى بالأماني، بل بالأدوات النزيهة التي تمثل الإرادة الشعبية.

ما بين الإشارات، يمكن للوطني الحقيقي أن يفهم أن الوقت لا ينتظر أحدًا فالإصلاح ليس تهديدًا، بل ضمانة. التغيير ليس فوضى، بل تصحيح. ومن يصر على الجمود، لا يعبّر عن ثبات المبدأ، بل عن خوف من المستقبل. وفي كل الأحوال، الوطن لا ينتظر.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا