الحياة الجديدة … هل هي رقمية !!!
المهندس هاشم نايل المجالي ….
التقدم التكنولوجي قد جعلنا نلهث بكل إمكانياتنا خلف ما هو أكثر جاذبية وإثارة وتشوق، لقد أصبحنا نبحث عن محتوى سريع وتفاعلي يقضي أوقات فراغنا معه، ليس نحن فقط، بل أطفالنا الذين هجروا أفلام الكرتون إلى مواقع الألعاب التفاعلية على مختلف المنصات، ولم يعد للألعاب الإلكترونية القديمة أي دور.
لقد تعدى ذلك إلى الأمهات، فلم يعدن يرغبن بالطبخ أو اقتناء كتب الطبخ، حيث بات الاعتماد على طلبات الأكل الجاهز، حتى الحلويات المجهزة في مختلف المحلات، وبالإمكان الحصول عليها بسرعة عبر وسائل التواصل مع تلك المحلات، حتى اختيار الألعاب والملابس والأدوات بأشكالها وأنواعها دون مشقة الذهاب للتسوق، فلقد أصبحت هناك المتاجر الإلكترونية.
خسرنا متعة التجوال عبر طرقات تلك المحلات ولمسها والتأكد منها قبل شرائها، لم تعد هناك حاجة للخروج خارج المنزل، فكل شيء تريده يصل إليك، ليس ذلك فحسب، بل الكثير من الأصدقاء الذين لم نعد نلتقي بهم أو نحرص على التواصل معهم وجهًا لوجه، فيكفي أن نبحث عنهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويكفينا أن نلتقي معهم عبر إحدى مواقع التواصل الاجتماعي، ونتواصل مع مجموعة جديدة من الأصدقاء الغرباء من دول مختلفة، لكن دون أي حميمية أو عاطفة تربطنا بهم.
حتى الكتب بأنواعها لم يعد لها حضور أو وجود في حياتنا لنقرأها، والتي أصبحت رقمية، وبِتنا نشعر أن هناك قصورًا ونقصًا في حياتنا، وأصبحت سريعة، ولم يعد هناك نكهة من ذلك كله لهذه الحياة الرقمية.
ولم نعد بإمكاننا إنكار تأثير الزمن الرقمي على الروح البشرية في زمن تسوده التكنولوجيا والرقمية الحديثة، فلقد أصبح هناك تفاؤل بالإحساس بالوقت، ولم يكن هناك استمتاع باللحظات أو توازن باختيار الأفضل، ولم يعد هناك مجال للتأمل أو وقت لتحديد الأولويات.
فلقد أصبحت هناك تغيرات مجتمعية كثيرة، جزء منها الإفراط في استخدام التكنولوجيا، التي أضعفت التفاعل الاجتماعي المباشر، وزادت الشعور بالعزلة. فهل حقًا أننا نتسابق مع حياتنا بدلًا من أن نعيشها بالفعل؟! بدلًا من إيقاع الحياة السريع، فلقد تحوّل الكثير منا إلى إنسان رقمي، وهذا ما نجده في الجيل الجديد الذي غيّرت التكنولوجيا نمط تفكيره وثقافته وأولوياته وتطلعاته، وتعزيز التواصل مع أقرب الناس إليه.
أي إننا نشهد جيلًا رقميًا مع تغير في الأمزجة ومعايير الذوق الجمالي، وسيطرت الحالة العابرة على الحالة الثابتة، وأصبح هناك قناعات مختلفة عن القناعات الواقعية في كثير من الأمور، حتى الكثير من القضايا المجتمعية، بوجود التواصل مع الهويات الافتراضية، حيث الدوران في ذلك الفضاء الافتراضي العالمي اللامحدود.
وتحوّلت العلاقات خارج المنزل والمدرسة والمجتمع إلى علاقات عالمية، وتصبح مختلف أنواع التواصل الاجتماعي لاعبًا رئيسيًا في التحولات المستقبلية.
الكاتب من الأردن