النفاق الاجتماعي وتقديس الجاهل: حين تتحكم المصالح في القيم
محي الدين غنيم ….
في المجتمع الأردني، وربما في مجتمعات كثيرة أخرى، نشهد ظاهرة مؤسفة تتجلى في النفاق الاجتماعي، الذي أصبح سلوكًا شائعًا لا يهدف إلى إصلاح أو تقويم، بل إلى التملق وتحقيق المكاسب. أحد أبرز مظاهر هذا النفاق يتمثل في تقديس الجاهل وتقديمه على أصحاب العلم والخبرة، لا لشيء سوى أن له مالًا أو سلطة أو جاهًا يمكن أن يحقق من ورائه البعض مصالحهم الخاصة.
لقد أصبح الجاهل في كثير من الأحيان هو المتصدر للمشهد، يُستشار ويُطبل له، ويُصفق لكلماته حتى وإن كانت خالية من المنطق والمعرفة، فقط لأنه يملك نفوذاً أو ثروة. في المقابل، يُهمَّش المثقف، ويُسكت صوت الحكيم، لأنهم لا يسيرون وفق أهواء المنافقين ولا يُجيدون لعبة التملق.
والمؤلم في هذا المشهد ليس فقط بروز الجاهل، بل سقوط المجتمع في مستنقع المجاملة الكاذبة، حيث تُباع القيم مقابل المصلحة، وتُشترى الكرامة بثمن بخس. يضحك الناس في وجه من يحتقرونه سرًا، ويصفقون لمن لا يحترمون فكره، فقط لأنهم يأملون منه منفعة ما، أو يتجنبون شرّه.
إن هذا السلوك لا يُهين الجاهل فحسب، بل يُهين المجتمع كله، لأنه يُرسّخ ثقافة مزيفة قائمة على الكذب والانتهازية، ويغتال الطموح الحقيقي ويكسر من يريد أن يتسلّح بالعلم والعمل والصدق. فحين تصبح المناصب تُمنح بناءً على الولاء لا الكفاءة، وتُفتَح الأبواب بناءً على العلاقات لا الاستحقاق، فلا عجب أن يتراجع كل شيء: من التعليم إلى الأخلاق، ومن الاقتصاد إلى الإنتاج.
لذلك على المجتمعات التي تسعى إلى النهوض أن تُعيد الاعتبار للقيم الحقيقية: للصدق، للعلم، للجهد، وللنقد البنّاء. فالنفاق لا يصنع مستقبلًا، وتقديس الجاهل لا يخلق حضارة. بل وحده احترام العقول ومحاسبة الأداء وبناء الإنسان على أساس من القيم هو الطريق لمجتمع سليم وصادق.
والأمثلة على تلك الظاهرة كثيرة ولا تعد ولا تحصى ووسائل التواصل الاجتماعي أبرزت تلك الأفة بشكل واضح وفاضح.
الكاتب من الأردن