** في رحيل الرحباني **

بقلم : أشواق مهدي دومان  …

 

ذات مرة عبت على نفسي ذهاب ذهني إلى فنان العرب ( أبوبكر سالم بلفقيه ) يوم اجتمعت بنا موجهة اللغة العربية ( كمدرسات لغة عربية ) لتسرد علينا مقولة للصحابي أبي بكر حيث قالت: ” قال أبوبكر … الخ ” ، فراح ذهني ( يومها ) ل(أبو بكر سالم بلفقيه ) ، و لولا أنها قطعت حبل فكري بسرعة سرد مقولة لعبدالرحمن بن أبي قحافة لانتظرت منها أن تقول : ” من يشبهك من ” و هذه أغنية وطنية غنّاها أبو بكر سالم بعد الوحدة اليمنية ،
و أما يوم الموجهة فلم أكن حينها مؤمنة بأن أبا بكر سالم لم ينقلب في أغانيه على الرسول ( صلّى الله عليه و آله ) كمن انقلب في سقيفة ( بني ساعدة ) مع الصحابي عبدالرحمن بن أبي قحافة ، و لم أكن أجرؤ لأخبرها بأن ذهني لم يخطئ حين تبادر إليه اسم الفنان اليمني : أبو بكر سالم بلفقيه ، و أن أبا بكر الفنان قدم فنا جميلا و راقيا و كانت له بصمة جميلة و وقعا خاصا في نفوس و قلوب من سمع له ، و ربما أتحفنا بغنائه ( العفيف ) الشجي أكثر من شيوخ ( دين ) أطالوا لحاهم ليقيموا السنة بتحريم الموسيقى و الغناء على مواويلها بينما هدموها في غزة بين مفت يحلل ضرب غزة إلى صامت إلى ذليل إلى عابد لولي أمره يرفض أوامر الله الخالق ليقيم أوامر ولي أمره المخلوق ..
نعم : في دفتر ذكرياتي مرّ هذا الموقف عليّ في يوم قرأت خبر موت الموسيقار ( زياد الرحباني ) ابن الفيروزة العربية ، التي لا ينساب صوتها في قلب سامع إلا و أدمنه فبات عاشقا أغانيها باللغة العربية و بلهجتها اللبنانية الجميلة ،
لقد سمعنا فيروز حنونة عاشقة كما هي حرة ثائرة و مقاومة و قلبها نابض ب و لفلسطين و المقدسات .. سمعناها في غير عقد تغني للمسجد ، و تحزن لهدم الكنيسة ، و تذكر مريم و أمه في المغارة ، و رأيناها تصب العشق صب قهوة الصباح اللذيذة في كاسات قلوبنا بصوتها العذب الجميل ، بل أصبحت و قهوة البن أيقونة كل صباح جميل ،
فيروز الأيقونة الفنية العربية الأصيلة و التي امتد فنها لنجلها زياد الذي سمعنا فيما سمعنا أنه حورب لعشقه سماحة السيد حسن نصر الله و عشقه طريق و خط المقاومة.
إنها أيقونة الفن الأجمل و التي خاطبت ميولنا الفطري لسماع الموسيقى الهادئة ليلتحم صوتها الحنون مع خيوط الفجر و نسمات الهواء النقي الذي انطلق فينا و بنا ( من مفرق الوادي ) و اشتاق لعودة الروح للبلاد .
فيروز التي خاطبت أرواحنا في أغانيها خطابا نقيا ساميا راقيا بكلمة لا تخدش العفاف و لحن يجيّش المشاعر السوية فحقّ لنا أن نحزن لحزنها وفقدها ابنها الذي بدوره أو مكانته هو الآخر رمز فني راق مقاوم و عربي أصيل يعتز و يلحن و يترك بصمته ( كمقاوم ) في أغان بينها أغنية تعتز بسماحة العشق و تخبر أنه ابن رسول الله ( صلّى الله عليه و آله و سلّم )
إذن و هنا : فالفن أداة راقية لتأدية رسالة ، و من خلال سماعي و قراءتي لحوار دار بين سماحة العشق السيد حسن نصر الله ( عليه أزكى السّلام ) و بين الموسيقار العملاق زياد الرحباني ( رحمة الله تغشاه ) فقد تأكد ليس لي فأنا أؤمن بأن الموسيقى و الغناء سلاح بحسب توجه صاحبه و توجيهه ، الموسيقى و الغناء رسالة تقاوم بالعود و الناي و الأورج و القانون و اللحن و الكلمة .
فرسالة أولى: أوجهها للمتزمتين ( في مجتمعي اليمني ) المتشبهين بالتكفيريين الذين حرّموا الموسيقى مائة عام أو ينقصون ثم تركوا فتاويهم و انفتحوا على الموسيقى الخادشة و المثيرة ، و غاصوا في الغناء و الرقص المثير الشهواني ، و ارتادوا المراقص و اختلطوا بالراقصات ، و أقول لهم : الغناء له رسالة كالكلمة أو يتبع الكلمة فلو كانت الكلمة الملحنة طاهرة عفيفة فهو غناء لايمكن إطلاق الحكم عليه بالحرمة.
و لنا في فن المقاومة أكبر الأمثلة فكم من فنان غنى للمقاومة و الحرية و القادة الأبطال !!
و ثاني و آخر ما أردت قوله :
إن الفنان إنسان اختار أن يؤدي رسالته في الحياة بطريقة تختلف عن المعلم .. عن المهندس .. عن الطبيب .. عن أي متقن لفن الحياة ، فعندما يدرك الإنسان أن الحياة كلها فن ، و أن لكل إنسان أن يتقن فنه بطريقته و بأسلوبه الخاص فلا عيب و لا تثريب لو حزنا أو بكينا فنانا ذا قيم و مبادئ و قد ترك بصمته في أرواحنا صوتا جميلا و لحنا عذبا، و هنا و كما حزنا ( أبا بكر سالم بلفقيه) فاليوم نحزن (زياد الرحباني) ابن الأيقونة ( فيروز ) ، فلروحه و لروح كل مقاوم حر أزكى السّلام.

الكاتبة من اليمن

قد يعجبك ايضا