الطفلة نور دمعةٌ في طريق العلاج يا جلالة الملك ويا دولة الرئيس

بقلم العميد المتقاعد هاشم المجالي…………..

في ركنٍ من أركان هذا الوطن، وفي بيتٍ من بيوت الكرك، تسكن طفلةٌ إسمها نور لم تعرف بعدُ من الدنيا غير ضحكة الصباح، ولعبة المساء، ودفء صدر أمّها حين تتهامس لها القصص. طفلةٌ ما زالت تمسك قلمها بيدٍ، وتحلم بعرائس الورق باليد الأخرى. لكن القدر، يا سادة، لا يسأل عن صغر السن، ولا يستأذن حين يطرق أبواب القلوب الضعيفة.

قال الطبيب بمستشفى الملك لأهلها : “يُشتبه أن بها ورماً خبيثاً”، فانطفأت الحياة في عيني والديها كما تنطفئ شمعةٌ في مهب ريحٍ عاصف.

وهكذا بدأت رحلة العذاب…

من مستشفى الكرك إلى البشير، ثم إلى مركز الحسين للسرطان، فعودةٌ إلى البشير، ثم تحويلٌ إلى مستشفى حمزة… وكأنّ البنت قطعةُ ورقٍ تتقاذفها أيدي موظفي التحويل، لا جسدٌ صغيرٌ يتآكل من الخوف والانتظار.

لم يكن خبر الاشتباه بالمرض وحده هو ما يؤلم، بل ما هو أشدّ: قسوة الواقع، ومرارة الفقر، وجفاء الروتين والرحلات المكوكية ما بين الكرك وعمان من أجل التأكد بوجود الورم من خلال أخذ خزعة من عظامها .
الأبُ مريضٌ بنصف رئة لا تقوى على التنفس إلا بمعونة بخّاخ، لا عمل له، ولا حول.
والأم مراسلةٌ في مدرسة حكومية، تمسح دمعتها كل صباح، وتضع بسمتها على خدّ الطفلة كي لا تشعر باليُتم وهي بين ذراعيها.

ثمانية أطفالٍ في بيتٍ واحد، وفقرٌ يمدّ أذرعه في كل زاوية.
هل سمعتم عن رحلة الكرك إلى عمّان؟
ثمانية دنانير للفرد، وثلاثون لمن أراد أن يصحب ابنته المريضة ومعها الأم أو الأب، وتلك الكلفة للنقل دون طعامٍ ولا شراب، ولا حتى أجرة تنقّل بين مستشفى وآخر، وأروقة لا تعرف لها وجهاً من ظهر.

أين الرحمة يا قوم؟
أين الرعاية التي نُقال عنها في المؤتمرات؟
أين الدولة التي قيل إنها “أبٌ وأمٌ” للفقراء؟
أليس في الجنوب بشرٌ؟ أليس لأطفاله الحق في أن يجدوا طبيباً، وصورة أشعة، وخزعة، دون أن يُنهكهم السفر الطويل؟
لماذا ثلاث مراكز للسرطان في عمّان؟ أين الشمال؟ وأين الجنوب؟ أم أن المرضى هناك في الشمال والجنوب ليسوا بشراً؟!

إنّ الطفلة نور – والله – لا تطلب شيئاً من الدنيا… فقط تريد أن تعرف: ما بها؟ ولماذا لا تُشفى؟ ولماذا صارت تعرف طريق المستشفيات أكثر من طريق المدرسة؟!

وإنّ هذه الأم المكلومة، لا تريد مالاً، ولا شهرة، فقط تريد أن يضع أحدٌ يده على قلب ابنتها، وأن يقول لها: “ستكونين بخير، ولن تنتظري شهوراً لأخذ خزعة.”

أيها المسؤولون،
هذه ليست قصةً تُروى، بل جرحٌ ينزف، وهمٌّ يُقطّع القلب.
فارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا