فادي السمردلي يكتب: محامي خُلع إسقاط صريح على واقع تحكمه الصفقات لا القيم

بقلم فادي زواد السمردلي  …..

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

فيلم “محامي خُلع” للوهلة الأولى يبدو كعمل كوميدي خفيف، حكاية بسيطة عن محامٍ شاب يطرق أبواب المحاكم لأول مرة، لكن عمق الفكرة يتجاوز الضحك السطحي ليغوص في تفاصيل اجتماعية وقانونية تكشف هشاشة المنظومة التي نعيشها فبطل الفيلم، ذلك المحامي البسيط الذي لا يحمل في جعبته سوى شغف البداية، يجد نفسه فجأة أمام قضية ضخمة تتجاوز خبرته بكثير امرأة ثرية تريد التخلص من زواجها عبر الخُلع، وزوج متشبث بها لا من باب الحب أو التقدير، بل من باب الحسابات المالية والمكانة الاجتماعية. وهكذا تنفتح أمام المشاهد أبواب محكمة لا تُدار فيها القضايا فحسب، بل تُعرى فيها العلاقات الإنسانية على حقيقتها.

ما يجعل الفيلم أكثر إثارة هو تلك الكوميديا التي تخرج من رحم المأساة، فالإجراءات المعقدة، والحوارات الساخرة، والمواقف المتكررة بين المحامين والقضاة، تكشف أن الزواج والطلاق في مجتمعنا تحولا إلى مسرحية عبثية، يُدار فيها كل شيء إلا المشاعر الحقيقية فالزواج الذي يُفترض أنه بناء روحي يتحول إلى ورقة رسمية، والطلاق الذي يُفترض أن يكون نهاية مؤلمة لعلاقة إنسانية يتحول إلى صفقة، يتفاوض فيها كل طرف على ما يمكن أن يأخذه من الآخر. وسط كل ذلك، يظهر المحامي الشاب كصوت البراءة الذي يجد نفسه محاصراً بين دهاء الأغنياء، وعبث القوانين، وسخرية الواقع.

لكن روعة القصة لا تكمن في تفاصيلها الكوميدية فحسب، بل في إسقاطها العميق على المشهد العام خارج قاعات المحاكم فإذا ما نظرنا إلى بعض المنظومات، نجد أن ما يجري فيها لا يختلف كثيراً مصالح متشابكة، صراعات خفية، ومسرحيات تُعرض للجمهور تحت مسمى المبادئ أو القيم، بينما الحقيقة تكمن في الصفقات التي تُدار خلف الكواليس فكما الزوجان في الفيلم، هناك من يتظاهر بالتمسك بالآخر، لا حباً ولا وفاءً، بل حفاظاً على امتيازات لا يريد أن يخسرها وهناك من يرفع شعار الانفصال لا بحثاً عن الحرية، بل سعياً وراء بديل أكثر ربحاً أو مساحة أكبر للمناورة وهكذا تتحول تلك المنظومات إلى صورة طبق الأصل من قاعة محكمة الخلع وجوه متنازعة، أوراق رسمية، ومشاعر مُزيفة تُستبدل بحسابات باردة.

الكوميديا السوداء التي قد يضحك لها المشاهد في الفيلم ليست غريبة عنا، فهي ذاتها التي نشاهدها في حياتنا اليومية، حين تُختزل القضايا الكبرى في تفاصيل شكلية، وحين يُدار المشهد كله بمنطق “ماذا سأربح” بدلاً من “ماذا هو الحق”. ولعل المحامي الشاب في الفيلم يمثل صوت الإنسان البسيط في المجتمع، ذلك الذي لا يبحث عن ثروة أو نفوذ، بل يريد أن يفعل ما هو صحيح، لكنه يجد نفسه دائماً محاصراً بين قوى أكبر منه، بين مصالح متشابكة لا يملك كسرها، وبين واقع ساخر يفرض عليه أن يلعب دوراً لم يكن مستعداً له.

وفي النهاية، لا بد من التوضيح أن هذا المقال لا يستهدف شخصاً أو جهة بعينها، بل يعبر عن حالة عامة تتكرر في صور مختلفة، سواء في قاعات المحاكم أو في بعض المنظومات. الهدف هو كشف التناقضات التي نعيشها، تلك التي تجعلنا نضحك بمرارة كما نضحك من مشاهد فيلم “محامي خُلع”، لأننا ندرك في أعماقنا أن الكوميديا ليست مجرد تمثيل، بل انعكاس صارخ لواقع نحياه جميعاً.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا