الولاء للكرسي أم للوطن؟
محي الدين غنيم …..
في الأردن، كما في غيره من الدول، يُفترض أن يكون شرف الخدمة العامة هو ذروة العطاء الوطني، وأن يبقى الانتماء للوطن والقيادة راسخاً في قلب كل مسؤول مهما تبدلت المناصب أو تقاعدت السلطات. لكن المؤسف أن بعض المسؤولين، بعد انتهاء خدمتهم أو مغادرتهم الكرسي، يتحولون من موقع الخدمة إلى موقع الهجوم والانتقاد السلبي، وكأن ولاءهم لم يكن للوطن وإنما للمنصب الذي شغلوه.
هذه الظاهرة ليست مجرد رأي، بل واقع يلمسه المواطن الأردني حين يرى بعض الوزراء أو كبار المسؤولين وقد انقلبوا على الدولة بعد أن كانوا جزءاً من قرارها. فتراهم يلوّحون بأوراق يصفونها بالأسرار أو يطلقون تصريحات نارية، وكأنهم يريدون الضغط على أصحاب القرار طمعاً في استعادة مكاسب أو مناصب جديدة.
إن مثل هذا السلوك يسيء إلى الدولة وإلى صورة العمل العام، فهو يكشف أن بعض هؤلاء لم يدخلوا موقع الخدمة من باب التضحية والعطاء، وإنما من باب المصلحة الشخصية والبحث عن مكاسب وجاهية. والأخطر أن هذا السلوك يزرع الشك في نفوس المواطنين حول صدقية الخطاب الرسمي، ويعطي مادة جاهزة للمتربصين بأمن واستقرار الأردن.
الوطن أكبر من الكراسي، والولاء له يجب أن يبقى قيمة ثابتة لا تتغير بتغير المناصب. فالمسؤول الحقيقي يظل جندياً لوطنه حتى بعد مغادرته المنصب، وينقل خبراته للتنمية والبناء لا للهجوم والتشويه. أما من يربط نفسه بالكرسي فقط، فهو في الحقيقة لم يخدم الوطن بل خدم نفسه، وما إن يزول الكرسي حتى يسقط قناع الانتماء الزائف.
الأردن يحتاج إلى رجال دولة لا إلى هواة مناصب. رجال يدركون أن خدمة الوطن شرف لا ينتهي بكتاب استقالة أو قرار إعفاء، بل يبدأ من الإيمان الراسخ بأن الوطن باقٍ ونحن زائلون، وأن من يحاول ابتزاز الدولة بعد مغادرته موقعه، لن يضر إلا نفسه وتاريخه وسمعته.
الكاتب من الأردن