بين الأيديولوجيا والبراغماتية: قراءة في كتاب السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية
بقلم: د. حنان محمود عبد الرحيم ….
أستاذة مختصة بتاريخ آسيا الحديث والمعاصر بكلية التربية للعلوم الإنسانية جامعة سامراء
يشكّل كتاب برزميسلاف أوسييفيتش (السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية: بين الأيديولوجيا والبراغماتية، روتليدج، 2021) إحدى أهم المحاولات الغربية لفهم السياسة الإيرانية بعيدًا عن الانحياز الأيديولوجي أو السرديات الإعلامية. المؤلف يقدّم إطارًا تحليليًا رصينًا ينطلق من فرضية مركزية: أن السياسة الخارجية الإيرانية منذ 1979 لم تكن مجرّد انعكاس لشعارات الثورة، ولا مجرد انخراط في حسابات الدولة، بل توازن معقد بين الاثنين.
إيران قبل الثورة وبعدها
يقسّم الكتاب السياسة الخارجية الإيرانية إلى مرحلتين رئيسيتين:
1. العصر البهلوي (1925–1979): حيث تبنّى الشاه سياسة توسعية ذات نزعة قومية، لكنها اعتمدت على تحالفات وثيقة مع الولايات المتحدة وبريطانيا لضمان الاستقرار الداخلي.
2. مرحلة الجمهورية الإسلامية: التي تميّزت بخطاب ثوري معادٍ للهيمنة، غير أن الممارسة العملية أظهرت براغماتية واضحة في التعامل مع القوى الكبرى والإقليمية.
دراسات حالة: من الولايات المتحدة إلى الخليج
أهمية الكتاب أنه يذهب إلى تفاصيل المشهد من خلال دراسات حالة:
العلاقة مع واشنطن: حيث تستمر الجدلية بين العداء الأيديولوجي والحوار التكتيكي.
روسيا والصين: شراكات براغماتية مبنية على المصالح المشتركة.
الخليج العربي: مزيج من الخطاب الثوري الداعم لـ”المستضعفين” من جهة، والسعي لتخفيف التوترات عبر الحوار والوساطة من جهة أخرى.
الواقع اليوم: استمرار الجدلية
بوصفي باحثة متخصصة في تاريخ آسيا الحديث والمعاصر، وشاهدة على تحولات المنطقة، أجد أن ثنائية “الأيديولوجيا والبراغماتية” لا تزال حاضرة بقوة في ممارسات إيران الراهنة:
في الملف النووي، تتبنى طهران خطابًا سياديًا صارمًا لكنها تنخرط في مفاوضات متواصلة مع الغرب.
في الإقليم، تحافظ على حضورها ضمن محور المقاومة، في الوقت نفسه الذي تفتح فيه قنوات للتقارب مع السعودية والإمارات.
في العلاقات الدولية، تراهن على روسيا والصين لتجاوز العقوبات، بما يعكس براغماتية اقتصادية–أمنية واضحة.
دلالة الكتاب
تكمن قيمة الكتاب في أنه يعكس جوهر السياسة الإيرانية: إعادة تعريف العلاقة بين “الثورة” و”الدولة” بشكل مستمر. هذه الجدلية هي التي جعلت إيران لاعبًا غير قابل للتهميش رغم الضغوط، وهي نفسها التي تجعل قراءتها اليوم أكثر إلحاحًا بالنسبة للباحثين وصنّاع القرار.
خاتمة
إن ما يقدّمه أوسييفيتش ليس مجرد تحليل تاريخي، بل مرآة يمكن من خلالها قراءة السياسة الإيرانية المعاصرة. وبرأيي كباحثة وشاهد على أحداث العقود الأخيرة، فإن هذه السياسة ستبقى رهينة التفاعل بين الأيديولوجيا والبراغماتية، بما يمنحها القدرة على التكيّف والاستمرار وسط الأزمات المتلاحقة.
الكاتبة من العراق