ما قبل 22 سبتمبر المقبل وما بعد ، سنشهد
بقلم : عبد القادر جعيم ….
يترقب الكثير موعد هذا اليوم لا سيما الفلسطينيون رسميآ وشعبيآ ، فهو موعد تم التحضير له بتنسيق غير مسبوق ، قادته دول عدة عربية ودولية ، وتحديدآ أوروبية وازنة بحلبة السياسة العالمية ، وتم يوم أمس التصويت من أعضاء الجمعية العمومية على مستوى العالم كخطوة إستباقية ممهدة له ، يسعى من خلالها أصحاب المشروع للحشد الدولي الرسمي الأوسع ، حيث جاءت نتائج هذا التصويت بالفعل ذو زخم إيجابي يؤشر على الإصطفاف الأكبر على جادة الحل السياسي لمفهوم حل الدولتين من منطلق الإعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة ، وهي الخطوة الثانية المنتظرة بعد أيام من عديد دول وازنة كما أشرنا سابقآ سترسم خارطة طريق سلام للمنطقة العربية ككل تنعكس إيجابآ على عديد دول العالم .
* ولكن إن أمعنا النظرقليلا هنا لمجريات أحداث تتسارع قبل هذا التاريخ الموعود ، لوجدنا التالي :
١ – رفض أمريكي جوهري لهذه الخطوات سمي دجلآ بالإجراء أحادي الجانب ، ( وكأن ” إسرائيل ” جاهزة للسلام ) ، ونشاط دبلوماسي مكثف بهذا الإتجاه جاء على شكل زيارات وإجتماعات مكوكية لوزير خارجيتها ، وإتصالات ، وتقديم عروض بدأت ، منها ما هو معلن كإتفاقية تطوير الدفاع المشترك الأمريكي القطري ، ورغبة إعادة الدور القطري بالواجهة كوسيط أساسي للمفاوضات التي بنودها ترسم ملامح اليوم التالي لمجزرة غزة ، شابته أي ذلك الدور بالآونة الأخيرة بعض عوامل أضعفت منه ، فترأسته الرياض والقاهرة لتصحيح مساره المنحرف ، مما دفع الجانب الأمريكي ليعيد السياق كما كان بتحييد ما أمكن مما يصبوا له المشروع لتسوية النزاع العربي الفلسطيني كما يجب ، وهنا وجب علينا قليلآ التحري بالتفاصيل الأكثر دقة لأنها تحمل بطياتها بدائل ضد هذا المشروع العربي المجمع عليه ، وعلاقته الوطيدة بتشكيل ملامح صورة اليوم التالي لغزة ،” كما سمي ” ، ولكنه سيكون اليوم التالي لفلسطين ككل .
فإن راقبنا ما سبق ل” ضربة الدوحة ” ، فإننا سنجد أن ملامح الخطة المصرية المدعومة من كثير من دول شقيقة لليوم التالي لغزة بدأت تتبلور ، وبدأ بالفعل بتنفيذ بعض إجراءاتها التحضيرية التي تدعم عودة الحكم للشرعية الفلسطينية ( السلطة الوطنية الفلسطينية) ، وإعادة الإعمار ، ومنع تفريغ سكان القطاع لخارجه بمسميات عدة ، وعدم الفصل بين القطاع والضفة الغربية ، ومسكت مصر فعلآ بمقود الركب مدعومة من أشقاءها من الدول العربية ، وتفرغ البعض بالتحليل عن مصير حركة حماس خاصة بعد الرفض الدولي الجامع تقريبا لوجودها الكلي بالقطاع والمطالبة بتسليم حكمها وسلاحها وخروج بعض قياداتها ، أو راح البعض الآخر لخروجها الجزئي إن صح التعبير ببقائها كحركة سياسية فقط ، والذي تبناه البعض ورفض إقصائها بالكامل ولكن بشروط ترجعها للصف الوطني تحت غطاء معترف به دوليآ ، لتوحيد الصف ، ونبذ الفرقة والأجندات الأجنبية التي تأخذ القضية الفلسطينية نحو المجهول ، وهو الرأي الصائب والممكن ، وكان من متبنيه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني .
ثم تحولت الأحداث بعد الضربة تلك والتي جعلت قطر تفكر بالبقاء كوسيط من عدمه لأيام ، وعادت قطر للواجهة من جديد عالميآ وبشكل أوسع من قبل ، وعقدت لقاءات على أعلى مستوى ليلة أمس بنيويورك بحضور الرئيس ترامب مع وزير خارجيته بعد ما شهدناه من مواقف دولية موبخه للعدو بجلسة مجلس الأمن ، وتوجه وزير خارجية أمريكا بعدها ” لإسرائيل ” فورآ ، وطوى ترامب دور مبعوثه ويتكوف مؤقتآ ، وإختفى بلير وكوشنر وطرحهما ، كما إختفت أجندات سمعنا بها وشخصيات لمعت للحظات وإختفت لفشل ورفض البعض منها لأنها مشاريع تقسيم وتصفية ، وتأجيل للبعض الآخر حتى تكون بدائل وأوراق لعب بيد أمريكا لاحقآ إن لزم الأمر لقلب الطاولة وإنتاج الفوضى ، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه لتلك التحركات هو ، هل المقصود أن يصنع التفتيت للمواقف العربية بعيدآ عن مشروعها السياسي المطروح ، وهل سيكون لحركة حماس دور قادم بشكل من الأشكال يعرقل الوجود الشرعي للسلطة الفلسطينية ويجزء بل ويجهض المشروع المنظور عربيآ بدولة فلسطينية موحدة ، تنفيذآ للرؤية الإسرائيلية الأمريكية المنشودة مرحليآ ( كتكتيك ) لإفشال ولادة دولة فلسطينية مستقبلآ ، بخلق عوائق يستحال من خلالها لاحقآ تحقيق الهدف العربي القادم ، وهنا تحديدآ من المهم أن نقرأ جيدآ ما تقرأه الدوحة كعاصمة لها مصالحها الإستراتيجية التي ستبقيها على الخارطة السياسية العالمية ، وتحفظ أمنها ، وهذا حق لها كباقي الدول ، وهنا أيضآ يأتي الدور العربي بالتحديد لإفشال ما يخطط لقطر أمريكيآ ، من خلال دعم كينونتها ، والبدء بتحالفات جديدة بعيدآ عن المغناطيس الأمريكي ، حيث يأتي دور مجلس التعاون الخليجي برئاسة الثقل السعودي المحوري كما هناك دور مهم للدول العربية الأخرى لتحقيق هذا الهدف العربي المشترك .
وكما لحركة حماس قرارها بالإختيار إما بقبول مشروع إجهاض دولة فلسطينية مستقلة موحده مقابل دور وظيفي محدود ومؤقت لها ، فهي تعلم جيدآ ولا تحتاج من يعلمها بنهايات هذه الأدوار المصنعة بمصانع واشنطن تاريخيآ ، أو الإنخراط بالعمل الوطني الفلسطيني والعربي الجامع ضد المخطط الإستعماري للمنطقة ، وهذا ما نتوقع أن نراه قريبآ ، وأقصد جسم فلسطيني واحد ذو أجندة وطنية عربية .
٢ – تشكل لوبي عربي وإسلامي مضاد للمشروع العربي تحت مسمى لا ” لإسرائيل ” دولة في فلسطين التاريخية ، وهو شعار جميل نتوق له لدولة مستعمرة مارقه ، ولكنه بمقاييس السياسة غير منطقي ، وممكن تشبيهه بالسلاح ذو الحدين الذي راح لكفة ميزان العدو ليلة أمس ، ومن هذه الدول كمثال لمن راقب التصويت بالجمعية العمومية ، إيران وتونس وغيرهم بالتغيب عن التصويت ، وأفغانستان بالرفض ، وهنا نقول لتلك الدول أننا نتوق لما يتوق البعض منكم لعدائية وتطرف المقابل ، ولكن المرحلة تتطلب موقفآ عربيآ موحدآ ضد مشروع إستعماري شامل .
٣ – ما نشهده من تحولات مستجدة بالمواقف الأوروبية لا سيما بشروط الاعتراف والتي جاء بعضها ثقيل الوقع على الفلسطينيين كمطالب بريطانيا وألمانيا مثلآ ، ومنها ما قد يؤجج حالة الإنقسام الشعبي بالشارع العام لتلك المطالب الغير عادلة ، وهنا ستجد بصمات اللوبي الصهيوني الغارقه به بعض تلك الدول من خلال الضغط الأمريكي – الأب الروحي للكيان الغاصب – ، وفي هذا المجال يجب تغذية الوعي الجماهيري بمخاطر المرحلة وسعر الآلة الإستعمارية ، ومن الحكمة بأن لا تجعل من أرضك ساحة معركة ، كما من المنطق أن تتعدى أزمات مفتعلة بمقاومتها دون أن تسمح لعدوك بالتخلص منك .
٤ – أما بما يخص فرنسا الشريك الأوروبي الأساسي للمشروع المزمع طرحه ، فكل من يترقب للتحولات الدراماتيكية بتلك البلد سيشاهد أن الفوضى السياسية تطرق أبوابها من خلال التيار اليميني الصاعد والمتطرف بمواقفه الآيدلوجية مع الحركة الصهيونية كما باقي أوروبا تشهد بين الحين والآخر ذلك التحدي ، وستشتد وطأتها لاحقآ ، بفرض عقوبات وخنق إقتصادي أمريكي لحكوماتها ثمنآ لموقفها الداعم بالإعتراف بالدولة الفلسطينية المزمع ، إن لم تلحق بركب صعود اليمين المتطرف الأمريكي ضد اليسار الشعبي الذي ألغي دور ممثله السياسي – كحزب ديمقراطي – من قاموس سياساته الفاعله . وبهذا الإطار لا بد من إستثمار فاعل وشراكة حقيقية مع أوروبا وما تواجه من الغطرسة الأمريكية والعقوبات الاقتصادية وخاصة بالطاقة .
٥ – إزدياد الهجمات الإسرائيلية الأكثر ضراوة وشراسة على الأرض والشعب الفلسطيني ، من ضم وتهجير وتنكيل ، وهذه تحديدآ سياسة صهيونية ذات نظرية متطرفة متطورة ، فما تشاهدونه من مجازر بقطاع غزة والضفة علنية ، وهي مقصودة بأن تكون بالعلن وتطول مدتها ، لتخلق بالتوازي كراهية متنامية أكثر فأكثر ضد اليهود بالعالم كما نشاهد ، ورد فعل ذلك ( وهو الهدف الإسرائيلي ) هو حشد أكبر وتجنيد لطرف آخر متعاطف معهم أكثر فهم يصنعون أنفسهم كأنهم الضحية دائمآ و التي يكرهها الكثير ويتعاظم كرهها كل يوم عالميآ ، بمعنى أنهم يقسمون العالم لقسمين معهم وضدهم ، ليعلنوا كما حدث على مسامعكم الحرب المقدسة وإستحضار المخلص لمعاناتهم ( كما يعتقدون آيدولوجيآ ) .
وهذا يحتاج لتظافر ورص الصف الوطني .
٦ – نتلمس محدودية العمل الفعلي المؤثر بشكل أكثر وقعآ ، بما يخص دول آسيا كالصين وروسيا وغيرها ، والإكتفاء بالدعم المقنن ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ممكن للصين الأكبر إقتصادآ بالعالم أن تدعم صمود الشعب الفلسطيني ماليآ بشكل يفوق ما يتم تقديمه حاليآ بشكل رمزي ببعض المجالات ، يستطيع من خلالها الفلسطينيون الذين يحارب إقتصادهم أمريكيا و إسرائيليا لسحق مقومات صموده على الأرض ويعجز عن تقديم الخدمات الأساسية لوجوده وينهار ، بأن يفشلوا ذلك المخطط الرامي لفقد مقومات الصمود ، وهذا العامل تحديدآ سيشغل على مقايضته أمريكيآ بالتصعيد مع تلك الدول التي تواجه تحديات أمريكية إقتصادية وعسكرية حاليآ ، إن تعدوا محدودية دعمهم للمشروع العربي القادم .
* وأخيرآ ، فإن الماكنة الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية الأمريكية قد فعلت وإنطلق قطارها بقوة ، موازي للفيتو اللآحق الذي ستلوح به ممثلة أمريكا على شهود الأعيان لهذا التحرك العربي المشترك مع الأصدقاء قبل الشروع بتنفيذ ملحقاته التي ستتعلق به بعد الإعتراف يوم ٢٢ من هذا الشهر الثقيل ، وستطرح مشاريع جانبية ، أكبرها سيكون طرح تسويات جزئية مؤقتة لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة الموحدة بشكل آخر مرحلي يطول لأعوام أخرى ، ولا يلبي ما يتوق الشعب الفلسطيني له ، إن لم تتخذ إجراءات عربية على الأرض تشعر بها أمريكا بأنها موجعة لمصالحها بالمنطقة ، بل وبالعالم ، خاصة بوجود بدائل تشكلت وشكلت ملامح قطب آخر ، سيكون فاعل للعرب إن توجهوا له كبديل لأمريكا ترامب ومتطرفيه .