غزة في عيون الوثائق الأميركية: قراءة تحليلية

بقلم: د. حنان محمود عبد الرحيم – كلية التربية للعلوم الإنسانية – جامعة سامراء  …

مقدمة
لم تعد القضية الفلسطينية مجرد ملف إقليمي، بل تحولت إلى بؤرة أساسية في الصراع الدولي. ويكشف الاطلاع على الوثائق ألاميركية المتعددة – سواء تلك الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية، أو تقارير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، أو ما نشره موقع American Post من وثائق البيت الأبيض – عن صورة مركبة لمواقف واشنطن إزاء الوضع في غزة.
ازدواجية الخطاب الأمريكي
تشير وثائق وزارة الخارجية الأميركية الصادرة في ثمانينيات القرن الماضي إلى أن الإدارة الأميركية نظرت إلى غزة باعتبارها “نقطة توتر قابلة للانفجار” في حال استمرار غياب الحلول السياسية العادلة¹. وقد ربطت تلك الوثائق بين الحصار الاقتصادي وتزايد موجات العنف، مؤكدة أن السياسات الإسرائيلية الميدانية كانت سبباً مباشراً في انهيار محاولات التهدئة.
البعد الإنساني في التقارير
تكشف مذكرات داخلية مسرّبة من وزارة الخارجية (American Post, وثائق مسربة 2024) أن موظفين أمريكيين حذروا من كارثة إنسانية متصاعدة في غزة نتيجة نقص المياه والأدوية وانهيار البنية التحتية. وفي الوقت نفسه، أظهرت تقارير رفعت عنها السرية من وكالة الـCIA (CIA Declassified, Middle East Files, 2024 Release) أن الأجهزة الاستخبارية كانت على دراية تامة بتداعيات الحصار، لكنها قدرت أن الضغوط الإنسانية لن تغيّر من التزام واشنطن بتحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل².
الانقسام السياسي الداخلي
وثائق جلسات الكونغرس التي نشرتها American Post تكشف انقسامًا أمريكيًا داخليًا:
الجناح التقدمي وصف ما يحدث في غزة بأنه “عقاب جماعي” يتناقض مع القيم الأمريكية.
بينما أكّد تيار آخر أن استمرار الدعم العسكري لإسرائيل “ضرورة استراتيجية”.
وبحسب ملفات CIA التي رُفعت عنها السرية (CIA, Policy Assessments, 2023–2024)، فإن هذه الانقسامات لم تكن جديدة، بل تم رصدها كأحد مصادر الضغط الداخلي على الإدارات الأمريكية المتعاقبة³.
تحليل ورصد…
من خلال هذه الوثائق وماتقدم، يمكن رصد ثلاث مستويات من التفكير الأميركي تجاه غزة:
1. الدبلوماسي: وزارة الخارجية دعت مراراً إلى البحث عن حلول سياسية، لكنها افتقرت إلى القدرة على فرض ضغوط فعالة على إسرائيل.
2. الأمني الاستخباري: الـ CIA تعاملت مع غزة من زاوية أمنية بحتة، باعتبارها “بؤرة عدم استقرار” تهدد مصالح واشنطن وحلفائها.
3. الاستراتيجي الدولي: البيت الأبيض، كما تكشف وثائق American Post، كان قلقاً من تداعيات صورة أميركا على المدى البعيد أكثر من قلقه على حياة المدنيين الفلسطينيين.
إن ربط هذه المستويات الثلاثة يكشف أن السياسة الأميركية تجاه غزة لم تُبنَ على رؤية أخلاقية أو إنسانية، بل على اعتبارات أمنية واستراتيجية بحتة. ومع ذلك، تظل الوثائق دليلاً على وجود أصوات داخل المؤسسات الأميركية كانت تدعو إلى مراجعة الموقف، وإن كانت أقلية أمام التيار الداعم لإسرائيل.
خاتمة
تكشف مراجعة وثائق وزارة الخارجية الأمريكية، ووثائق وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، والمراسلات المنشورة عبر American Post أن السياسة الأمريكية تجاه غزة تتسم بازدواجية واضحة. فبينما تؤكد الوثائق الرسمية التزام واشنطن بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، تُظهر أيضًا استمرار الدعم غير المشروط لإسرائيل، ما يعكس صراعًا بين القيم والمصالح الاستراتيجية.
إن هذا التناقض يؤكد أن السياسة الأمريكية ليست مبنية على معايير إنسانية فحسب، بل تتأثر بالمصالح الجيوسياسية والتحالفات الإقليمية، ويبرز الحاجة إلى مراجعة الموقف الأميركي لضمان توازن بين المصالح الاستراتيجية والالتزامات الأخلاقية تجاه المدنيين الفلسطينيين.
الهوامش
1. U.S. Department of State, Foreign Relations of the United States, 1980s: Middle East, Washington D.C., Government Printing Office.
2. Central Intelligence Agency, CREST Database, Palestine/Gaza Reports (1978–1991), declassified documents.
3. American Post, “White House Gaza Documents,” Special Report, 2024.
الكاتبة من العراق

 

قد يعجبك ايضا