فادي السمردلي يكتب: لا نريد مرياعًا للبشر كمرياع الغنم
بقلم فادي زواد السمردلي ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
في المراعي، وجود المرياع بين الأغنام ضرورة حياتية، فهو يقودها إلى الماء والكلأ ويحفظها من الضياع ولكن حين ننتقل من عالم الحيوان إلى عالم الإنسان، يصبح وجود المرياع عيبًا وخطرًا، بل إهانةً لكرامة البشر فالأغنام لا تملك عقلًا للتفكير ولا روحًا تتطلع إلى المعنى، أما الإنسان فقد وُهب العقل والحرية والقدرة على الاختيار، ولذا فإن تشبيه البشر بالقطيع أو البحث عن “مرياع” يقودهم يناقض جوهر إنسانيتهم، ويضع حدودًا لمفهوم الحرية الذي يميز البشر عن غيرهم من المخلوقات.
رفض فكرة المرياع بين البشر يعني رفض التبعية العمياء التي تُحوّل الإنسان إلى ظلٍ باهت يعيش بقرارات غيره، ويُطفئ نوره الداخلي خوفًا من أن يخالف ما تعوّد عليه الجمع فالإنسان الذي يُساق كما تُساق الأغنام يفقد استقلاله الفكري ويصبح مجرد أداة، جسدًا بلا روح، وصوتًا بلا معنى وما قيمة مجتمع يتكون من أتباع لا يسألون، لا يحققون، ولا يبدعون؟ المجتمعات التي تتقبل الفكرة العميقة للحرية هي المجتمعات التي تشجع كل فرد فيها على التفكير، على التساؤل، وعلى اتخاذ المواقف التي يراها صائبة، حتى وإن خالفت الرأي السائد.
الفلسفة علمتنا أن الحرية ليست مجرد قدرة على الاختيار بين بديلين، بل هي وعيٌ بالمسؤولية التي يحملها الإنسان تجاه نفسه وتجاه العالم من حوله فأن تكون حرًا يعني أن تملك شجاعة أن تقول “لا” حين يُغريك الجميع بقول “نعم”، وأن تتمسك بما تراه حقًا حتى لو كان الطريق موحشًا ومتعرجًا.ط وأن تستسلم للمرياع، أيًا كانت صورته في حياتنا اليومية ــ زعيمًا، فكرةً، أو عادةً ــ هو أن تتخلى عن إنسانيتك، وأن تحصر نفسك في دائرة صغيرة من التفكير المحدود، بينما العالم أكبر وأعمق من أن تُقيده سلطة صوت واحد أو عادة عمياء.
حين نقول “لا نريد مرياع الغنم بالبشر” فإننا ندعو إلى يقظة وعي حقيقية، ندعو الإنسان لأن ينظر إلى داخله قبل أن يتبع صوتًا من خارجه، أن يتأمل في قراراته ومواقفه، وأن يتذكر أن الحقيقة ليست ما يُقال بصوت أعلى، بل ما يُدركه العقل الحر ويؤمن به القلب الصادق فالحرية ليست راحة، بل مسؤولية، والتفكير ليس ترفًا، بل واجب وجودي يضمن استمرار الإنسان في مسار النمو الفكري والأخلاقي.
المجتمعات التي تبحث عن المرياع ستظل تدور في حلقة مغلقة، لأنها تتخلى عن أعظم طاقاتها: تنوع الأصوات واختلاف الرؤى وأما المجتمعات التي ترفض المرياع وتُربي أبناءها على السؤال والنقد والإبداع، فهي التي تفتح أبواب المستقبل، التي تنتج قادة ومبدعين وليس أتباعًا صامتين فالإنسان الحر لا يُراد منه أن يقود القطيع، بل أن يقود نفسه، وأن يُسهم في بناء عالم يليق بكرامة الجميع، عالم يتيح لكل فرد أن يكون قائدًا في مسار حياته.
لا نريد مرياع الغنم بالبشر، لأن الإنسان ليس بحاجة لجرس يرن ليحرك خطواته، بل بحاجة إلى عقل يضيء له دربه، قلب يشعر بالمسؤولية، ووعي يمكّنه من التمييز بين الحق والباطل فلا نريد مرياعًا، بل نريد وعيًا، لا نريد قطيعًا، بل أمة من أحرار، أمة تتعلم أن الحرية ليست هدية تُمنح، بل موقف يُنتزع، وأن الكرامة لا تُستجدى من أحد، بل تُبنى بوعي كل فرد اختار أن يعيش إنسانًا، لا تابعًا، وأن يحافظ على قيمته وسط كل تحديات الحياة.
الكاتب من الأردن