الاعتراف الدولي بدولة فلسطين: ترسيخ للاحتلال أم تخدير سياسي؟
محي الدين غنيم ….
إن قضية الاعتراف الدولي بدولة فلسطين تظل من أكثر الملفات جدلاً في الساحة السياسية، إذ ينقسم الرأي بين من يراه إنجازاً تاريخياً يكرّس شرعية الحق الفلسطيني، وبين من يعتبره مجرّد أداة سياسية لتجميل الواقع القائم وإطالة عمر الاحتلال الصهيوني.
لا شك أن الاعتراف بفلسطين من قبل الأمم المتحدة أو بعض الدول يعكس من الناحية القانونية والسياسية تأكيداً على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة. لكنه على الأرض لم يغيّر شيئاً في موازين القوى، فالاحتلال الإسرائيلي ما زال يتمدد استيطاناً وتهجيراً وتهويداً، بينما السلطة الفلسطينية محاصرة مالياً وسياسياً.
والبعض يرى أن هذا الاعتراف الدولي ليس سوى غطاء لشرعنة الاحتلال بشكل غير مباشر. فحين يتم التعامل مع “دولة فلسطينية على الورق” ضمن حدود 1967 دون أن يكون لها سيادة فعلية على الأرض، فإن ذلك يعني عملياً تثبيت التقسيم وترك المستوطنات والقدس واللاجئين خارج المعادلة. وهنا يصبح الاعتراف أداة تخدير للشعوب وإقناعها بأن إنجازاً تحقق، بينما الواقع يسير عكس ذلك تماماً.
إن الاعتراف الدولي قد يكون كذلك جزءاً من لعبة سياسية تهدف إلى امتصاص الغضب الشعبي العربي والإسلامي، وفتح باب “مفاوضات جديدة” لا نهاية لها، كما حدث في مسار أوسلو. والنتيجة: سنوات من الوهم والمراوغة، في حين يرسخ الاحتلال وجوده يوماً بعد يوم.
والاعتراف الدولي يمكن اعتباره خطوة رمزية ذات قيمة معنوية، لكنه يظل بلا أثر حقيقي ما لم يرافقه ضغط فعلي على إسرائيل: وقف الاستيطان وعمليات التهجير وضمان سيادة فلسطينية على القدس ومعالجة قضية اللاجئين وحق العودة. دون ذلك، فإن الاعتراف ليس إلا حبراً على ورق، يخدم الاحتلال أكثر مما يخدم القضية.
إن الاعتراف الدولي بدولة فلسطين قد يُقرأ كسلاح ذو حدين: من جهة هو تثبيت للشرعية القانونية لحق الفلسطينيين، ومن جهة أخرى قد يكون مجرّد أداة لتخدير الوعي الجمعي وإدارة الصراع بدل حله. وهنا تكمن الخطورة: أن يتحول الحلم الفلسطيني بدولة مستقلة إلى مجرد شعار يستهلك سياسياً بينما الاحتلال يعيد تشكيل الواقع على الأرض بما يتجاوز حدود أي اعتراف أو قرار.
الكاتب من الأردن